صفحات سورية

آشوريو سوريا في عهد الرئيس بشار الأسد

null
سليمان يوسف يوسف
وسط المشهد السوري العام، المكبل بقوانين الاستبداد والممسوك به من قبل سلطة قمعية،”لا مكان في دنياها للتنوع والاختلاف أو احترام حقوق الإنسان ومصالح القوميات الأخرى”،- وصفُ أطلقه الكاتب السوري المعروف (أكرم البني) في إحدى مقالاته-،يحتار المرء في قراءة المشهد الآشوري،ويعجز في مقاربة الحالة الآشورية الراهنة، وهي تعج بالتعقيدات والتناقضات، السياسية والفكرية والاجتماعية،ويختلط فيها الدين بالقومية،تتخبط بالانقسامات المذهبية والطائفية، التي مزقت الهوية الآشورية وقوضت أركانها.ثم لا من مرجعية محددة لمن يريد أن يعرف وجهة المجتمع الآشوري.فالمؤسسة الكنسية، ممثلة بـ(طبقة الاكليروس- رجال الدين)،التي بدأ يتنامى دورها ونفوذها من جديد في المجتمع الآشوري(السرياني)،اكتفت بحرية العبادة المتاحة في سوريا،بينما النخب السياسية والثقافية ترفض اختزال قضية الآشوريين السوريين ببعض الحقوق والحريات الدينية.
تحت ضغط هذه المناخات السياسية والخلافات الفكرية والاجتماعية، توالت الانقسامات في صفوف الحركة الآشورية. وهي مهددة بالمزيد من التشرذم والتفكك على خلفية انقسام النخب الآشورية حول الموقف من نظام الحكم القائم في سوريا.هذا الانقسام مكن السلطات السورية من اختراق الساحة الآشورية و ايجاد مجموعات(آشورية/سريانية) موالية لها،تنشط وتتحرك علناً في المجتمع الآشوري تحت تسميات مختلفة،توسعت دائرة انتشارها على حساب انحسار وتراجع التنظيمات والاتجاهات الآشورية الخارجة عن طاعة السلطة.
عموماً،تفاءل الآشوريون بالعهد السياسي الجديد الذي بدأته سوريا مع الرئيس بشار الأسد الذي خلف والده في الحكم في تموز 2000.وتأملوا أن تتحسن معه أوضاعهم المعيشية والقانونية ويحمل إليهم حقوقاً، قومية وديمقراطية،يتطلعون اليها.رهان الآشوريين على الأسد الابن لم يكن على بضع جمل أو مقولات انفتاحية قالها في خطاب القسم كانت كفيلة بخروج المعارضة المحظورة عن صمتها ونزولها الى الشارع واطلاق حراك سياسي وثقافي وحقوقي لم تشهده سوريا منذ عقود طويلة، وانما هم (الآشوريون)راهنوا بالدرجة الأولى على العقلية المدنية والتوجه العلماني لرئيس شاب منفتح، يختلف عن جيل البعثيين القدامى والقوميين العرب التقليدين الذين بالغوا في شوفينيتهم القومية تجاه قضايا وحقوق غير العرب. فالرئيس بشار هو أول رئيس سوري بعثي يقر” بان القومية الكردية هي جزء من التاريخ السوري”.أراد بقوله هذا “بلسمه” جرحاً وطنياً عميقاً، تسببت به قوات الشرطة بقتلها وجرحها العشرات من المتظاهرين الأكراد في آذار 2004.وبتوجيهات منه تم فتح مدرسة متواضعة في بلدة معلولا الأثرية لتعليم “اللغة السريانية” بلهجتها الآرامية القديمة،يرى البعض فيها الخطوة الأولى على طريق انفتاح الدولة السورية على التاريخ السرياني وإعادة الاعتبار للغة التي تكلم بها السيد المسيح،اللغة الوطنية لسوريا التاريخية أو(الكبرى) التي أخذت اسمها عن السريان (الآشوريين).لكن يبدو أن هذه الخطوات الانفتاحية للرئيس بشار على التعددية القومية واللغوية في سوريا لم ترق للبعثيين والعروبيين المغالين في تعصبهم القومي.فلا المدرسة السريانية تطورت، لا بل أوق
صحيح، أن الساحة الآشورية لم تسجل أية تطورات سياسية أو قومية ذات أهمية كبيرة خلال عشر سنوات من حكم الرئيس بشار الأسد.لكن الصحيح أيضاً،هناك أكثر من مؤشر ومعطى على أن ثمة نموا في الحالة الآشورية السورية.فرغم التعاطي السلبي للسلطات مع الحالة الآشورية،ورغم اجراءات القمع والاستبداد وحظر نشاط الأحزاب، استطاع الآشوريون ابراز هويتهم القومية والتعريف بقضيتهم واصالها الى أوساط سورية كانت تجهل،حتى سنوات قليلة، وجود آشوريين في سوريا. لا شك،أن نهج التسامح الديني واحترام الحريات الدينية الذي تميزت به سوريا منذ نشأتها كدولة حديثة،تعزز هذا النهج في عهد الرئيس بشار الأسد،واعتماد الحكم استراتيجية الحفاظ على قوانين الأحوال الشخصية (الزواج والطلاق) لكل طائفة ودعمه وصول شخصيات آشورية موالية له إلى مناصب معينة في الدولة، هذه الاستراتيجية خففت كثيراً من حالة الاحتقان في الشارع الآشوري وحالت دون بروز معارضة آشورية قوية للنظام الشمولي الذي اقامه البعث. فالشعب الآشوري، كباقي شعوب الشرق، هو شعب متدين نسبياً ومسألة الحريات الدينية والفردية هي أكثر أهمية بالنسبة له من القضايا القومية والحريات السياسية. هذا الهوى الديني والنزوع الاجتماعي يفسران عدم تأثر الرأي العام الآشوري،المتعاطف عموماً مع الحكم القائم، بانضمام بعض المجموعات والشخصيات الآشورية في عهد الرئيس بشار الى قوى المعارضة المنضوية في اطار “إعلان دمشق”.|
قطعاً،الولاء الآشوري للوطن السوري،لم يرتبط يوماً بطبيعة الحكم القائم وبنظامه السياسي.لأن بقاء الآشوريين واستمرارهم على أرض الأجداد والجذور مرهون ببقاء سوريا واستقرارها.كما أن مناصرة الآشوريين السوريين للنظام الحاكم لا يعني بالضرورة تأييدهم لسياسات وأهداف حزب البعث العربي الاشتراكي،وانما موقفهم هذا يعود أولاً:الى تمسكهم بالواجهة “النصف علمانية” للدولة السورية، التي حافظ عليها البعث حتى الآن وأظهر النظام الحالي حرصه على بقاءها وتطويرها وجديته في مكافحة “الأصولية الاسلامية” التي بدأت تتغلغل في مؤسسات الدولة، خاصة التربوية والتعليمية منها.انسجاماً مع هذا النهج،أصدرت وزارة التعليم العالي قراراً يقضي بمنع الطالبات المنقبات من دخول الجامعات السورية، اعتباراً من العام الدراسي الجديد.ثانياً:خوف الآشوريين من البديل الذي يبدو مجهولاً أو “اسلامياً” في ظل فشل واخفاقات المعارضة الليبرالية في ايجاد البديل الديمقراطي المناسب.ثالثاً:تجنباً لمخاطر الفوضى الأمنية والسياسية التي قد تنشب بمجرد زعزعة نظام الحكم.وقد زاد تعلق الآشوريين بالحكم الحالي،رغم علاته وعيوبه،بعد تعرض مسيحيي العراق الى عمليات تطهير عرقي وديني على يد مجموعات اسلامية وقومية متطرفة، استغلت ظروف الاحتلال الأمريكي. في السياق ذاته،نظراً لخصوصيتهم الاجتماعية والثقافية ووضعهم الأقلوي، يجد الآشوريون(سريان- كلدان) في الدولة السورية الحديثة ملاذهم الآمن.وليس من المبالغة القول،أنهم(الآشوريون)أكثر فئات المجتمع السوري تحمساً لوجود دولة مركزية قوية، تحرص على تطبيق القانون، لأنه السبيل الوحيد لإحقاق العدل والمساواة وحماية المستضعفين في المجتمع.بغض النظر عن حسابات ومصالح السلطة،أرى أن من محاسن “الاستبداد” القائم، حفظ واستتباب الأمن العام وتعزيز الاستقرار الذي تنعم به سوريا.لكن يبدو أن هذا الاستقرار ألقسري لم يجلب الاطمئنان المطلوب والذي يحتاجه الانسان الآشوري المسالم بطبيعته والمتوجس من المستقبل. من هذا المنظور، أرى أن أكثر ما يقلق الانسان الآشوري في عهد الرئيس بشار هو تراخي الدولة في تطبيق”القانون” وفقدان العدالة في المحاكم السورية، خاصة لجهة الفصل في النزاعات والخصومات الفردية،وذلك بسبب تفشي ظاهرة الفساد(الرشوة،المحسوبيات،استغلال المنصب أو الموقع الرسمي في الدولة،وغيرها من الأساليب الغير مشروعة والملتوية في الالتفاف على القانون)،الأمر الذي زعزع ثقة المواطن الآشوري بالقضاء السوري وقدرته في ردع المتجاوزين على القانون والمستهترين بحقوق وحريات الآخرين.هذه البيئة القانونية والحقوقية الغير صحية والضارة بقيم ومفاهيم المواطنة، الى جانب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، باتت تشكل سبباً أساسياً لنزيف الهجرة الآشورية من سوريا.
فيما يخص الحقوق الثقافية واللغوية للآشوريين،أوردت صحيفة “تشرين” الحكومية في عددها ليوم الأربعاء 19 آب 2009،خبراً جاء فيه أن وزير الثقافة السوري الدكتور (رياض نعسان آغا) أكد لدى استقباله وفد “الاتحاد السرياني العالمي” القادم من المهجر:” بأن وزارته تدعم تعلم اللغة السريانية لأنها لغة السيد المسيح والشعب العربي السوري يحافظ على الثقافة السريانية كجزء من ثقافته العربية وسورية هي بلد التعددية الثقافية”. طبعاً، كنا نتمنى أن يكون كلام الوزير صحيحاً ونرى ترجمة عملية له على أرض الواقع.لكن وبكل أسف،أن ما صرح به السيد الوزير هو للاستهلاك السياسي والإعلامي، ليس إلا.اعتدنا أن نسمع مثل هذا الكلام من المسؤولين السوريين، كلما استقبلوا وفداً من المغتربين الآشوريين لتحسين صورة حكومتهم في الخارج.أننا نسأل السيد الوزير:كيف له الحديث عن دعم وزارته للغة السريانية بينما لا يوجد في سوريا مدارس حكومية تعلم اللغة السريانية؟.حتى المدارس السريانية الكنسية الخاصة لا تتلقى أي دعم مادي من الحكومة.ولا من برامج في الأقنية التلفزيونية أو الإذاعية باللغة السريانية،ولا من صحيفة حكومية باللغة السريانية!.والسيد الوزير يعلم قبل غيره أن دعم تعليم اللغة السريانية يتطلب أولاً وقبل كل شيء بيئة تشريعية وقانونية وسياسية تسمح بذلك،في مقدمتها: الاعتراف الدستوري بالقومية الآشورية كجزء من المكون السوري وبحقوقها الثقافية واللغوية.جدير بالذكر،في اطار سياسة الاقصاء والتهميش التي ينتهجها الحكم البعثي تجاه الآشوريين السوريين وطمس هويتهم ووجودهم،أقدمت السلطات السورية قبل سنوات على شطب خانة “الآشوري” من سجلات قيد النفوس المدني وتبديلها بـ(القامشلي)،كما عربت أسماء معظم القرى الآشورية في الجزيرة السورية. فما يشاع في بعض الأوساط عن وجود امتيازات ثقافية ولغوية للآشوريين(السريان)، ليس دقيقاً ولا يمت الى الواقع بشيء.فتعليم اللغة السريانية في بعض المدارس الكنسية يتم في اطار (الحقوق الدينية) التي يتمتع بها المسيحيون منذ أن نشأت الدولة السورية الحديثة.ثم أن هذه المدارس تعلم اللغة السريانية كونها لغة “طقس كنسي” وليس على أساس أنها حقوقاً قومية منحتها الدولة السورية للآشوريين. واليوم ثمة مخاوف على هذه المدارس، بعد المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004 المتعلق بتنظيم التعليم الخاص والمشترك في سوريا الذي أصدره الرئيس بشار الأسد.فقد تضمن هذا المرسوم العديد من المواد والفقرات التي تبقي المدارس السريانية،مهددة بالإغلاق الكلي، المادة 57: ” لا يجوز لهذه المؤسسات(التعليمية والتربوية) ان تكون جزءا من مؤسسة او جمعية سياسية او دينية “.هذه المادة وحدها كافية لإغلاق المدارس السريانية متى أرادت السلطات ذلك.
أخيراً: وفق مسودة قانون الأحزاب التي وضعها حزب البعث العربي الاشتراكي في مؤتمره العاشر لعام 2005 سيحرم الآشوريون من إنشاء أحزاب خاصة بهم. وهذا يعني استمرار الحكم البعثي، في عهد الرئيس بشار، على نهج وسياسات التمييز القومي والثقافي والإقصاء السياسي للآشوريين والانتقاص من حقوقهم، رغم اليافطات الوطنية والشعارات الديمقراطية التي يرفعها البعث حول المساواة بين ابناء الوطن الواحد.

سوريا
مهتم بقضايا الأقليات
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى