صفحات سوريةنصر حسن

تعقيباً على السيد عبد الباري عطوان… قمة دمشق نجحت قبل أن تبدأ؟!.

null


د.نصر حسن

في صحيفة (القدس العربي) بتاريخ 26آذار 2008 ,تناول السيد عبد الباري عطوان في مقالته ” مقاطعوا القمة هم الخاسرون “ , قمة دمشق على طريقة القمم العربية نفسها , ووزع الجوائز على الفائزين وبطلهم النظام السوري رمز الممانعين !,
واللوم والخسارة على نصف الحاضرين والمقاطعين لها , بدى العرض أشبه بنبوءة مخمور مما يرى ويدور , من مظاهر موت وظلم وقمع في فلسطين ومحيطها , ولاشك أن الصور الكئيبة أثقلته بقبحها وبشاعتها , فراح “يبحش ” في بعض موتاها , في رفوف القمم السابقة وممانعيها , ويحصي صمودها وتحريرها ونظامها وفوضاها , وخاصة في فلسطين والجولان ولبنان و…والغياب والحضور , وبدى كأنه أضاع خيط القمة ودور وقيمة الحضور , واسترسل مرتجلاً فوضى القمم وبؤس الهمم , ومردداً نفس النغم , النغم الصارخ الصامد والممانع الذي رافق كل القمم العربية مع المزيد من التردي ووهن الإرادة والهمم , وهو خير العارفين بأن الشعوب العربية لم تحصد منها غير الذل والفقر وضياع الحقوق والبكاء والنحيب والندم, ففي ظروف عربية واضحة أمامه كإعلامي عربي تفرض عليه المهنة وزن التنظيرات والشعارات والتأني في رصف الكلمات , ويعدل في توزيع النياشين والإشارات , والغرابة وعلى عهدة السيد عبد الباري عطوان ووزير الخارجية السوري وليد المعلم , أن قمة دمشق هي “القمة الذهبية” التي فقدها لبنان في عصر التنك العربي !, ورغم إعجابي الكبير بصراحة وعفوية ومباشرة تصريحاته وكتاباته, لكن هذه المرة فرضت نفسها الأسئلة :

أولا – نعرف أن السيد عبد الباري عطوان مغرم بأنظمة الممانعة والصمود والتعدي وهذا حقه ورأيه , ولكن لا نعرف بأي مقياس وبأي عدسة نظر وتراءى له “أن قمة دمشق هي أوضح القمم العربية من حيث الهوية والمشاركة ” , ولا ندري عن أية هوية ممزقة يتحدث ؟!, ولاعن أي تضامن عربي يبشر , ودمشق أصبحت حسينية وورقة في يد إيران ومرتعاً لها ,رغم معرفتنا الدقيقة بمستوى التضامن العربي ولبسه , وأيضاً عن أي موقف سياسي يتكلم والنظام السوري مزق الموقف كله , الوطني والقومي والسياسي والاجتماعي في سورية وخارجها؟!.هل اكتشفت جديداً بأن قمة دمشق مستقلة تماماً عن الموقف الخارجي ؟! ومبعوثي النظام السوري إلى واشنطن وتل أبيب أصبحت من أحاديث الأطفال العرب ولا نقول الإعلاميين , وأرض وسماء سورية مفتوحة لكل من هب ودب , وسجونها أيضاً مفتوحة للأحرار والصامدين الفعليين !. وهل بقي من شيء لدى النظام السوري في قمة دمشق ليتنازل عنه ؟ وأنت خير العارفين بصندوق تنازلاته , وأيضاً بما يجري سراً وعلناً من بيع وتنازل عن كل شيء في سبيل البقاء في السلطة الفاسدة وللمزيد من التنازل !.وعن أي لون وطعم تتحدث ؟! والمنطقة طغى عليها طعم الموت العربي ورائحة الأنظمة المهترئة والبارود ولون الدم , الذي أصبح بمعية النظام السوري مشاعاً وأرخص من الماء!.

ثانياً – هل العداء لأمريكا هو مصدر النجاح ؟! فعلى هذه القاعدة شبعنا نجاحاً في نصف قرن مضى ويجب أن نصدر منه إلى الخارج الفاشل ! ألا ترى مظاهر النجاح في سورية نفسها ؟!والذي يعبر عنه سجن الأحرار وتغييب الديمقراطية والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان , والسكوت على انتهاك الطائرات سماء سورية …وطوابير الخبز والوقود والفساد الذي أصبح أهم نجاحات النظام في سورية ,والنجاح في قتل المواطنين الكرد السوريين في صبيحة عيدهم النوروز ! النجاح هو بتنمية القوى المادية العربية وصيانة الأمن القومي العربي وعدم السماح للقوى الظلامية في استباحة حرمة سورية , والحفاظ على وحدة الحركة الوطنية الفلسطينية واستقرار لبنان , باختصار مؤشرات النجاح المباشرة هي على الجبهة الداخلية وأنت خير العارفين فيها , وصكوك الوطنية لا تمنح لا من السعودية ولا من مصر ولا من أمريكا , ومصدرها هو الشعب السوري نفسه , هو الذي يعرف من يستحق صفة الوطنية من غيرها , فعن أي وطنية تتحدث والمواطن السوري مجرد من الحرية والحقوق ومهان الكرامة ؟!, ورأس الحربة في المشروع الخارجي هو النظام نفسه الذي تتحدث عنه , وهو الذي يخدم الخارج في أفعاله في سورية وفلسطين والعراق ولبنان وعموم الساحة العربية .

ثالثاً – عن أي بوصلة تتحدث ,والنظام السوري فقد بوصلته العربية وعوضها ب” الإسطرلاب ” الفارسي وأصبح يرى فيه الخريطة العربية حسبما تخدم المشروع الإيراني الذي هو مقدمة مشروع الشرق الأوسط الجديد , وهل تعتقد أن هناك نظام عربي يحظى بالرضا الأمريكي والإسرائيلي أكثر من النظام السوري ؟! فالمسألة ليست في الجزئيات من المواقف , بل في محصلتها العامة التي هي من صنع النظام وهي واضحة في كل الساحة العربية , والشعوب العربية تعرف جيداً من أهانها وأحبطها وجوعها ومن كذب عليها ومن يتاجر فيها , والقمة العربية أياً كانت هي روتينية وتمريرية وتغطية النار بالرماد, والعزلة الحقيقية هي ليست بين الحكام بل بين الحاكم وشعبه , ولا أعتقد أن هناك شعباً معزولاً عن حاكمه أكثر من الشعب السوري , والنظام السوري آخر من يحق له الحديث عن الممانعة والتحرير ,لأنه كما تعرف هو الذي وقع على معاهدة فك الاشتباك مع إسرائيل بعد حرب تشرين عام 1973 وتنازل عن الجولان وأغلق الجبهة السورية وضبطها بإحكام غريب مدهش ومشكوك في أمره , وهو معروف بتسهيله دخول شارون بيروت أول عاصمة عربية , والقضاء على الثورة الفلسطينية والبقية معروفة لكل الشعوب العربية والعالم , ومعاهدة السلام التي تتحدث عنها هي مشروع النظام السوري الذي عمل عليه عشرات السنين وهي تتويجاً لمقولة ” السلام العادل والشامل” الذي يعني جر العرب جميعاً إلى حظيرته , فالقضية الفلسطينية كما تعلم ليست قضية تفاصيل في الاستيطان أو غزة أو الضفة أو العقوبات , بل هي في المنهج الأساسي بين التمسك بالحقوق وعبر مشروع عربي واضح وممهور بالضمانات العربية والدولية , وليس متاجرة بأشلاء القضية الفلسطينية ودماء أبنائها في سبيل البقاء في السلطة ,وتسهيل تمرير المؤامرات الخبيثة التي تفتك في العالم العربي من فلسطين إلى كل أطراف الوطن الممزق الجريح.

رابعاً – السؤال الموارب الذي تسأله وتسقطه على لسان الشعوب العربية المقطوع في سورية قبل غيرها , “عن ما أنجزته دول الاعتدال العربية” ؟! ورغم أننا نرى فيها بعض ما ترى , لكن السؤال الذي يسأله الرأي العام العربي هو ماذا فعلت وأنجزت أنظمة الصمود والتصدي على مدى عشرات السنين وبدعم مالي وسياسي سخي من دول الاعتدال نفسها ؟! لن نخوض في مقارنة عبثية , فكلهم في الهوى سوى ,بفروق ملموسة أوضحها أن شعوب أنظمة الاعتدال العربية حققت قدر بسيط من التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والتكامل والتعاون ومثله من الحرية والديمقراطية والكرامة واحترام المواطنة , في حين النظام السوري تعرف ماذا أنتج ! الدولة الأمنية وفقدان الأرض ووقف التنمية بكل صورها والقضاء على الحرية والديمقراطية وزعزعة التضامن العربي واستبداله بحلف مذهبي إيراني , رغم أن سورية كانت من أكثر الدول العربية حرية وديمقراطية وبحبوحة إقتصادية , والشعب السوري كان محور الشارع العربي ومحركه , انظر أين هو الآن ! في السجون , في المنافي , في الطوابير , معصوب العين والأذن و محزوم العقل واليد والبطن , ومحروم من أدنى الحقوق المدنية وأبسط شروط الحياة , ويعيش تحت قمع أمني هو الأسوأ في العالم , والأخطر من هذا كله هو استخدام النظام للشعب السوري كحاضنة للتطرف والعنف خدمة لأهدافه الشريرة من فلسطين إلى أفغانستان مروراً بالعراق وصولاً إلى لبنان الذي يدحرجه إلى الفتنة من جديد , ولا نريد أن ندخل في صفحة النظام الخاصة في العراق فأنت أدرى فيها , من عاصفة الصحراء إلى الآن , لكن عواهن الكلام والشحن اللفظي في وقت الأزمات المفصلية التي يمر فيها العالم العربي , هي أخطر بكثير من سكب البنزين على النار .

خامساً – عن أي استقطاب ومعسكرات جديدة غير مسبوقة تتحدث ؟!ألا ترى حالة التمزق والتشتت والمهانة والتهميش والتطريف والتجويع الذي تعيشها الشعوب العربية ؟! معك حق …لقد تموضع الانقسام العربي في إحداثيات مهينة , وأعني تقسيم الشعوب العربية التي أصبحت أرتال من المهمشين والمعتقلين والجائعين والباكين والمشردين واللاجئين والساكنين في خيام البؤس داخل أوطانهم وبين الحدود العربية , نعم هناك استقطاب حاد وواضح بين معسكرين , الأول النظام السوري الإيراني الشرق أوسطي المذهبي الذي يشكل الحاضنة المطلوبة لتصفية حساب الاستراتيجيات الخارجية تحت هذه اللافتة أو تلك على حساب معسكر العرب الفقراء ومصالحهم وثرواتهم ومستقبلهم , والثاني المشروع العولمي الغربي الواضح الغاية والوسيلة , وكلاهما الاثنين معاً يعملان بتناغم مع مظهرية يعبر عنها بشكل صارخ دور النظام السوري الإيراني الممانع الكاذب على حساب القضية الفلسطينية والقضايا العربية , فعن أي خنادق تتحدث ؟! والمحورين تجمعهم زيف الخنادق وصدأ البنادق وصفر البيارق التمثيلية لخلط الأوراق أمام الشعوب العربية التي أصابها الإنهاك من سياسة حكام لا يجيدون غير الانبطاح والمتاجرة وقمع الشعوب , كل الأرجل والأيدي والأدوار والخطابات الممانعة البائسة في خندق واحد ,هو خندق الموت الرخيص والرقص على الضحية .

وأخيراً وبعد كل هذا التنظير لمعسكر الممانعة والصمود , تصل إلى النتيجة التي ربما سقطت سهواً , مقولتك …بأن القمة مؤسسة فاشلة ومتعفنة ولا أسف عليها إذا انهارت ! والغريب أن هذا الاستنتاج هو بالضبط مراد المخططات الخارجية التي تمعن في تفتيت حتى الهياكل التقليدية للعمل العربي المشترك, بعد أن فتت الشعوب والحكومات وأصبحت قبائل وإمارات ومذاهب وأحزاب الله والنظام السوري هو المكوك اللوجستي لها الذي يحيك أفعالها , وفي خاتمة المقال تتكهن بأن انهيار العمل العربي المشترك هو البداية لمرحلة جديدة !, الجددي هو المزيد من الانهيار… نعم , بكل تأكيد كما تشير إليه محددات الواقع الذي نحن فيه .

وأخيراً أعتقد أنك بخلت كثيراً على المواطن السوري الكريم بالتضحية والدماء , بعد أن أغرقت نظامه بسخائك الوطني القومي التحريري, الذي يقف لأمريكا وإسرائيل بمرصاد تسول سلام الضعفاء, لكن من حق المواطن السوري على إعلامي عربي بمكانتك أن يجود عليه بأكثر من أربع كلمات عن حقوق الإنسان في مقالة طويلة عريضة وكله في سجن كبير..! , فعارف دليلة وميشيل كيلو وأنور البني وكمال اللبواني ورياض سيف وشباب سورية الأحرار ورمزهم الدكتورة فداء حوراني و…. هم رموز الوطنية والحرية على المستوى الوطني والقومي , والشعب السوري أنت أول من يعلم كيف يعيش وأين يعيش ومن يأسره ويهينه , ومن يمنعه من الدفاع عن أمنه الوطني والقومي, بعد أن تخاذل الصامدون والممانعون اللذين تتغنى لهم وفيهم !.

المشكلة كلها فينا يا سيدي , فالغرب هو قوة ومادة ومصالح يسهرون عليها ويعبرون القارات لحمايتها وهذا معروف حتى أدق التفاصيل, ونحن معه أو ضده ليس هنا بيت القصيد , وحكامك الممانعون يتخلون عنها في عقر دارهم وينهبون ثروات بلادهم ويستهترون بحقوق شعوبهم وينامون على الاحتلال والذل والعار , والغرب أيضاً مطبعة وحاسوب وسيارة وطائرة وسفن فضائية وحقوق إنسان وديمقراطية وقلم ورأي وتعبير , والأهم وجود إعلام نزيه يمثل سُلْطة حرة … وليس سَلَطَة مرّة !.

الإعلام الغربي الذي فرض نفسه على الحكام والرؤساء وأجبر بعضهم على الاستقالة والكشف الشفاف عن ممتلكاتهم وهداياهم والمثول أما القضاء لأبسط التجاوزات القانونية , صحيح هناك بعض التمثيل في الإخراج وهناك مؤامرات في هذا العالم وستبقى , لكن الغريب أننا نحن محكومين بأنظمة ولّفت وعينا على عقلية المؤامرة وعلى كره الغرب وتصويره أنه سبب كل تخلفنا ومصائبنا , ليس غائباً أبداً محددات الصورة العربية بفاعلها ومفعولها وتداخلاتها وخيوطها العربية والأجنبية …من فلسطين إلى العراق إلى لبنان إلى سورية إلى القادم من الحروب وشلالات الدم وخيام الصمود والأدوار البشعة , المهم أين دور الإعلام العربي في توضيح الصورة وقول الحقيقة أو جزء يسير منها على الأقل أمام الشعوب العربية التي حجبت عنها أنظمة الممانعة كل صور الحياة وحتى ضوء الكهرباء وحصرتها في الموت المجاني منه والمأجور…!.

هل سنستمر في تبصير كف القمم العربية ونسترسل في ضخ الأوهام ؟ ! وقراءة طالع هذا الممانع وذاك الصامد سيء الفعل والصيت ؟! إلى أين سنصل ؟! المصيبة كلها أن نضطر لتفسير التمحور حول مصلحة الممانعين الذاتية وفسادهم وزعزعة العمل العربي ورهن الشعوب العربية والتخلي عن حماية الأمن القومي وتعطيل التنمية وتقنين التخلف وتغييب الحرية وانتهاك حقوق الإنسان والزحف إلى الاستسلام … بقراءة فنجان قهوة زعيم عربي أو فقيه فارسي , لا فرق , فما بداخله سواء…!.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى