صفحات سوريةنبيل الملحم

الملك في دمشق

null
نبيل الملحم
الخيال في الرواية، يحيي موتاها، ولكن الخيال في السياسة، قد يميت أحياءها..
الأمر كذلك لأن السياسة تساوي: وقائع، وحركة مصالح في حضورها وانزياحاتها، ولأنها فعل الممكن، وحين تتخطى الممكن ستكون : حماقة.
الحال كذلك، وربما هذا هو السبب في الفشل الذريع الذي أحاط بحياة ميكافيللي، صاحب كتاب الامير، الذي اعمل الخيال وسقط في الوقائع، وبالوسع القول أنه (ونعني كتاب الامير) هو الكتاب الذي لم يفارق وسائد الكثير ممن حكموا هذا العالم من هتلر الى موسوليني، ومن ثم الى حكام فرضوا الهيبة والسلطة، دون أن يكون لهم لاخيال ميكافيلي، و لااستقراءات ميكافيللي، ولا لغة ميكافيللي، فكانوا :
ميكافيلليين، أما هو فكان المسافر من فشل الى انتحار.
كل المقدمة السابقة، لاتعفينا من ممارسة الخيال، ليس لأننا بمستوى ميكافيللي، فالأمر ليس كذلك، بل لأننا بشر نعاني، خصوصا في الشرق الادنى، ونعني هنا، في سوريا الكبرى التي تشظت الى ممالك، ودول، وهي مرشحة للمزيد من التشظي، بما يسمح بأن يكون سقف الطموح اليوم، هو الحفاظ على الموجود (منا)، لأن ماهو علينا سيمزقنا أكثر فأكثر، نعاني لأنانا محاطون بـ:
احتمالات العراق
احتمالات لبنان
احتمالات الزحف الاسرائيلي على شرق الضفة بعد أن انتزعت غربها.
وسوريا بمعناها الراهن، ليست معفاة من السيناريوهات التي تصب كذلك في التمزيق.
استطردنا في المقدمات، هذا هو واقع حالنا، لأن المقدمات غالبا ماستكون جاهزة، وعلينا الآن الدخول في الموضوع، وسلفا، دعونا نفترض اننا نسبح في الخيال، بما يسمح بالقول أن موضوعنا :” خيال”.
لنقرأ الخيارات الاردنية اليوم:
بلد بلا موارد ، الماء فيه بالقطارة، والزراعة لاتتجاوز الانتاج المنزلي، والنفط بعيد عن مأموله، وكل اعتماده على عائدات الاغتراب والمهاجرين، وفوق ذلك فهو شرق :”اسرائيل”، مايعني أنه على ذراع من سيناريوهات اعتمدتها اسرائيل منذ منشئها، وأبرز السيناريوهات: ” القاء القضية الفلسطينية والفلسطينيون شرق النهر”، مايعني باسترساله، تحميل المملكة اعباء قضية بناسها وسكانها، والمطروح على المستوى الاسرائيلي، وهو المستوى متوسط المدى :” أردنة القضية الفلسطينية”، وعلى المستوى بعيد المدى، خلق احترابات فلسطينية – اردنية، وعلى ذات المستوى تقطيع الاردن بعد أن يفقد الفلسطينيون الوطن المأمول، ويخضعون لواقع حال الوطن البديل، والنتيجة المتوقعة وربما المؤكدة لهكذا احتمال هي:” تقسيم الاردن”، لـ :” ترتاح اسرائيل”.
دون شك القيادة الاردنية تعرف هكذا سيناريوهات، ودون شك القيادات الفلسطينية من الاصلاحيين وصولا الى الراديكاليين يعرفون ذلك، وبلا شك أيضا، فان سكان المخيمات الفلسطينية من بائع المازوت فيها وصولا لتاجر النفط منها يعرفون ذلك، والكل يعرف ان الخسائر مزدوجة:
خسارة الوطن المأمول، واقامة الوطن الممزق، وسيكون : لاوطن.. سيكون زقاقا يتفرع من زقاق.
كل هذا الكلام اذا ماكان الخيار الاردني، خيار أن تكون المملكة :” شرق اسرائيل”.

ماذا لوكانت الاردن في خيارها السياسي :” جنوب سوريا بدل أن تكون شرق اسرائيل”؟
ستكون سوريا، بمواردها وامكانياتها وقدراتها مضافة الى القدرات الاردنية، مضافة الى الممكن الفلسطيني، وستكون الأردن:
في حدها الادنى قوة مضافة للقوة السورية، وفي الحد الأعلى، كتلة بمواجهة مشروعات الاردنة والتفكيك.
لا أحد بوسعه اليوم أن يعود للنشيد الشهير المنسي:
وحدة مايغلبها غلاب.
ولكن بالوسع القول أن حركة المصالح تقتضي اعادة النظر بما أنتجه الثنائي سايكس- بيكو، أقله لأن الصيغة أضعفت الجميع.
زيارة العاهل الأردني الى دمشق، هي أقل من تمزيق خريطة سايكس بيكو، ولكنها تجاوز للقول بأن الاردن :” شرقي اسرائيل”
زيارة الملك في بعد من أبعادها، فتح صفحة سورية – اردنية، تبحث عن الممكن في ظل الكثير من المفقود.. زيارة تمحو لحظة لم يدركها رئيس الوزراء الاردني نادر الذهبي فأخطأ، ربما لأنه لايملك المطبخ السياسي الذي يعلمه الصواب.. القصر الملكي اختار طريق الصواب.
في الوقائع السياسية، زيارة الملك الى دمشق، تعني تحريك الناس نحو ثوابت الجغرافية.
وفي الخيال:” ليس ثمة من يمزق خرائط سايكس بيكو”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى