ما يحدث في لبنان

حـــوار

سليمان تقي الدين
يتحاور المختلفون ليصلوا إلى تفاهمات حول القواسم المشتركة. المتحاورون عندنا حتى الآن مختلفون في النظرة السياسية إلى موقع لبنان ودوره في محيطه. السياسة الخارجية كانت وما زالت لها الأولوية في النزاعات اللبنانية. كل التسويات كانت سياسية، ظرفية خاضعة لتوازنات القوى المتغيّرة. وحدها تسوية »الطائف« ذهبت حتى الجذور، لأنها خرجت بمشروع متكامل لبناء الدولة. لقد تضمن »الطائف« المطالب التاريخية لجميع الفئات السياسية والاجتماعية اللبنانية. كرّست مقدمة الدستور هذا الإنجاز ووضعت قواعد عامة لبناء الدولة، شملت هذه ثلاث فئات من المواضيع: الهوية والسياسة الخارجية، المؤسسات الدستورية والسياسية والإدارية، والجانب الاقتصادي والاجتماعي.
لا يحتاج اللبنانيون إلى جدول أعمال جديد لحوارهم الوطني. يحتاج اللبنانيون إلى الحوار حول آليات تطبيق »الطائف« الذي لم ينفذ منه إلا الشق السياسي المتعلق بتوازنات السلطة والعلاقات الخارجية وهو ما تعرّض لنكسة بسبب تبدّل المناخ الإقليمي.
رئيس الجمهورية الذي يشرف على الحوار ويديره أقسم اليمين على حماية الدستور. لديه مسؤولية وطنية تاريخية أن يقود الحوار إلى الموضوعات التي جعل منها الدستور ركائز لعلاقات اللبنانيين في ما بينهم، جماعات وأفراداً، ومع الآخرين.
باسم الدستور نطالب »بحركة دستورية« وندعو إلى رفض الانخداع بالتحويرات السياسية التي تهدف إلى مناقشات سطحية وتفاوضات على تقاسم السلطة مجدداً خارج أي بُعد إصلاحي.
جميع القوى والتيارات ترفع حتى الآن راية »الطائف«. في »الطائف« مسائل سياسية لها علاقة بوقف الحرب وبالظروف الإقليمية. لكن الدستور وما صار جزءاً أساسياً منه يتعامل مع المسلمات الوطنية والثوابت التي ترعى اجتماع اللبنانيين. الحوار الوطني الفعلي هو ما يرسم خارطة طريق لتجسيد الصيغة اللبنانية بكل ضماناتها وتوازناتها السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية طبعاً. ما يحل النزاعات اللبنانية هو مرجعية الدولة الواحدة التي تحتكر القوة وتخضع الجميع لقواعد الشرعية القانونية. ما يحل النزاعات اللبنانية هو الاعتراف بحقوق متساوية للمواطنين وكذلك في الواجبات. إلغاء الامتيازات السياسية وهي تتحصن بالتبريرات الطائفية، وكذلك توفير تكافؤ الفرص الاقتصادية والاجتماعية والتوزيع العادل للخدمات بين المناطق والجماعات والأفراد هي المداخل الطبيعية لشرعية السلطة وللاستقرار السياسي والأمني.
الحوار الوطني حول هذه القضايا لا ينتهي ببضع جلسات، بل هو حاجة دائمة قبل اكتمال مشروع الدولة. لذا نحن نعتقد أن هيئة الحوار يجب أن يكون لها إطارها الدستوري فتتشكل »الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية« بصفة هيئة حوار ويكون اختيار أعضائها منسجماً مع التمثيل الوطني الواسع للفئات السياسية وللفئات الاجتماعية فلا تكون مجرد انعكاس لقوى السلطة. هذه الهيئة نص عليها الدستور وأناط بها مهمة رعاية صيغة العيش المشترك واقتراح الخطط والوسائل الكفيلة بحمايتها على مستوى الدولة ومؤسساتها.
إن الحوار الوطني لن يكون وطنياً، بمعنى أن يكون شاملاً، ما لم تتمثل فيه جميع القوى والاتجاهات والتيارات. في الحوار لا تختصروا لبنان ولا تحتكروه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى