صفحات العالم

ويكيليكس: مع ويكيليكس ظالماً أم مظلوماً

أمين قمورية
ويكيليكس يواصل نشر الغسيل الوسخ للديبلوماسية الاميركية، وسيل التكهنات والاجتهادات في شانه لم يتوقف ايضا: من يحرك هذا الموقع ؟ من يقف وراءه؟ ماذا يريدون من وراء تسريب الاسرار؟ لماذا الان؟ ما الهدف؟ ومن المستفيد؟ ومن المتضرر؟
من يدقق في دفق التفسيرات والتحليلات الكثيرة التي تناولت ظاهرة ويكيليس يجد بحرا من الاتهامات والسيناريوات يكاد يفوق عددها عدد الكلمات والحروف الواردة في اطنان الوثائق المسربة. البعض يرى فيه مؤامرة اميركية لاعادة الامساك بالعالم عبر استراتيجية جديدة على انقاض الماضي. والبعض الاخر يضعه في خانة الصراع بين افرقاء اميركيين بهدف فرض اجندات على البيت الابيض. وثمة من يعتقد انه يستهدف اوباما لانه يساري او اسود او من اصل  مسلم، في حين يرى اخرون انه محاولة للتخلص من شوائب العهد السابق الذي اساء الى صورة اميركا، وخصوصا أن  الدفعة الحالية من البرقيات الديبلوماسية المسربة تعود إلى عام 2007، أي الى عهد جورج بوش. اما السياسيون العرب فنصفهم يميل الى اتهام اللوبي اليهودي – الصهيوني، وحجتهم في ذلك انه يتجاهل ما ترتكبه اسرائيل من فظائع بعلم الاميركيين وبتشجيع منهم، ونصفهم الاخر – وخصوصا الذين طالتهم شظايا التسريبات – وصف الوثائق بالتسريبات المفبركة لابتزازهم وتوريطهم في خلافات مع جيرانهم او تشويه طلتهم البهية امام شعوبهم! وربما نسمع قريبا انباء عن صلات تربط بين اسانج و”القاعدة” اذا لم تؤد تهمة تورطه في الاغتصاب غرضها في اسكاته. ومن يدري، ربما يربط احدهم  بين ويكيليكيس والارهاب او اسلحة الدمار الشامل او حزب البعث العراقي. وقد صدرت فعلا مثلا هذه التلميحات بعد الكشف عن تورط مسؤولين عراقيين كبار في “فرق الموت” وما ارتكبته من حمامات الدم.
وبغض النظر عن هذه الاجتهادات والتساؤلات ومدى صحتها، ثمة أمر لا يمكن  تجاهله: ويكيليكس جزء من ثورة بدأت للتـو ضـد كل المفاهيم الديبلوماسية التقليدية، كما أنها تعتبر تتويجاً بديهياً للعصر الإلكتروني المعرفي، الذي يعتمد على تبادل المعلومات وشفافيتها.
اهم ما في هذه الظاهرة انها دكت كل اسوار الاسرار، فلكل سر بعد اليوم “ويكيليكسه” ولا بد من “اسانج” اخر لكشفه ولو بعد حين. الا يطمح اي صحافي في العالم ان ينجز ربع ما انجزه هذا الرجل؟ واذا كان في استطاعة موقع الكتروني او خبراء اتصال او حتى جهاز مخابراتي ان يفعل ما فعله ويكيليكيس، فما الذي يمنع ان تتكرر هذه الظاهرة في مكان آخر بفعل عصر الانوار التكنولوجي والتقنيات الرقمية المتطورة التي تفوق الخيال؟
قيل وسيقال الكثير عن الدوافع الشخصية وغير الشخصية لاسانج وموقعه، وستلقى عليهما كل صنوف الاتهامات والنعوت. لكن هذا الرجل و”ويكيليكسه” اختزلا بكبسة فار الكترونية واحدة عمل مئات الوسائل الاعلامية والوكالات الانسانية وهيئات المجتمع المدني والمحاكم الدولية ولجان التحقيق الاممية التي وضعت نصب اعينها كشف المستور ونشر الحقائق وفضح مؤمرات الدول على شعوبها او على شعوب الدول الاخرى، لا بل وضعا روزنامة عمل لسنين طويلة في متناول منظمات حقوق الانسان بعد نشرهما الغسيل الوسخ للديكتاتوريات والديموقراطيات التي تشجعها، على سطوح العالم.
مع ويكيليكيس لا خفايا بعد اليوم، ولا ثقة بالديبلوماسيين   بل بـالسياسين الاميركيين. ولا بل سيتحاشى السياسيون المحليون – خصوصا العرب منهم-  الظهور بوجهين بعد الصفعة التي تلقوها. و”ويكيليكس” ايضا لم ترتكب جرما فاين الجريمة في كشف الحقيقة؟ واين البشاعة في الدلالة على البشاعة؟ واين المشكلة في فضح الانتهازيين والوصوليين والمنافقين الذين يقولون شيئا في العلن وعكسه في حضرة السفراء؟ لذا انا مع  ويكيليكس ظالما كان أم مظلوما.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى