صفحات العالم

ويكيليكس: السلطة السادسة

خيري منصور
يبدو أن عالمنا أصبح مهدداً بمتوالية من السلطات . فبعد أن كانت الصحافة سلطة رابعة، جاء الفضاء الطليق والعابر لكل الحواجز والرقابات ليكون سلطة خامسة لا تسلم من نفوذها السلطات الخمس بما فيها الميديا، خصوصاً بعد أن تمت أدلجتها، وبالتالي تسليحها كتابع لاستراتيجيات وأهداف سياسية، وما سمي السلطة الرابعة لم يكن في أي يوم متجانساً أو قابلاً للتصنيف في خانة واحدة، ما دامت هناك صحافة داجنة تردد الصدى، وأخرى صفراء تتملق الغرائز، وثالثة متمردة تحاول السباحة ضد التيار وتبيض على طريقة سمك السلمون في طريق عودته .
ومثلما كانت هناك موجات تصنف تطور العلم ومنها ما سماه توفلر الموجة الثالثة أو صدمة المستقبل، فإن هذه المتوالية من موجات السلطة قد لا تنتهي عند أي حدود، فالفضاء مشرّع والرقباء التقليديون يتثاءبون أو يقضمون أظفارهم من ضجر البطالة، لأن ما حدث في هذا العالم منذ تسلل أحد الهواة إلى كمبيوتر الرئيس أوباما ما اضطر مخابراته لأخذه منه ينذر بسقوط الحائط الرابع . فالمسرح الآن في الهواء الطلق، والممثلون يصعدون من صالة المتفرجين ويتبادلون الأدوار معهم، وما من سيناريست أو مخرج واحد يتحكم في المشهد .
كشفت الصحافة “غيتات” كبرى بدءاً من “ووتر غيت” التي أودت برئيس وطاقمه في أمريكا، لكنها أيضاً توقفت عند حد ما زعم أنها كانت حبلى بهذا الوليد التكنولوجي العجيب الإنترنت بحيث لم تعد هناك أسرار، وما من اثنين يهمسان إلا وراءهما ثالث يرصد ويسجل .
لكن هذه السلطة الخامسة بكل ما أحدثته من انقلابات كونية لا تقل تأثيراً عن انقلاب كوبرنيكس في علم الفلك لا بد أن تسهم في ولادة السلطة السادسة وهي سلطة السلطات كلها لأنها سلطة الناس أو ما يسمى الرأي العام بعد قرن من التلاعب بالعقول والتضليل وتقديم بوصلات مزيفة يشير سهمها إلى جهة واحدة بدلاً من البوصلات الحقيقية التي تعترف بكل الجهات .
وقد تكون هناك سلطة سابعة لمن يسمون الأغلبية الصامتة المقهورة، وهم ضحايا المسكوت عنه حتى الآن في السلطات كلها .
فالمرأة والطفل والفقير هم ثالوث هذا العصر الأسود، وهم أقانيم القارة الغارقة في الدم والعرق والدمع، وليس في الماء كقارة أطلانطس .
إن صدمة المستقبل لم تكن مجرد نبوءة أطلقها توفلر قبل زمن ليس بالقصير، فالعالم الآن يترنح تحت تأثير عدة صدمات متعاقبة ما إن يصحو من واحدة حتى تغرقه الأخرى في حيرة الأسئلة التي تبقى بلا أجوبة .
إن تقارير “ويكيليكس” ذات الصدى الزلزالي الآن بالنسبة للإدارة والمخابرات الأمريكية تعتبر نقطة التحول الثانية بعد دور التلفزة والصورة في الحرب الفيتنامية، وكان ماكلوهان أول من استخدم مصطلح العولمة في هذا السياق الذي يتجاوز الاقتصاد والسلعة والسوق، فقد قال إن التلفزة والصورة تحالفتا مع فيتنام ضد الولايات المتحدة، لهذا لم تكن الجرائم كاملة أو تتم في الظلام .
هذه المتوالية من السلطات يلد بعضها ما يليه، ولن تتوقف عند الإعصار الذي أصاب مؤسسات ودوائر عالمية بالدوار والغثيان .
فالإنسان على موعد مع لحظة يصبح فيها كل شيء مرئياً، كما لو أنه تحت أشعة إكس أو سونار .
وبانتظار السلطة السابعة لمن صمتوا قروناً كي يشهدوا أو يستشهدوا .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى