صفحات العالمما يحدث في لبنان

حكومة لبنان وأخواتها المعطّلة

سليمان تقي الدين
لا معطيات جديدة لتسريع تشكيل الحكومة برغم التصريحات الهادئة والمتفائلة. مصادر العرقلة ذاتها لم تفرج عن قرار التأليف، لأن الأزمة هنا تستخدم كواحدة من عناصر الضغط في الإطار الإقليمي. كلمة السر التي تسربت بعد نتائج الانتخابات مازالت سارية المفعول.
حكومة المشاركة لا يراد لها أن تؤمّن التوازن الوطني المنسجم مع قواعد النظام الطائفي. الأكثرية النيابية، التي لم تعد أكثرية منسجمة سياسياً خاصة في الموقف من طبيعة الحكومة بعد تمايز فريق عنها، مازالت تتحدث انطلاقاً من فرضية غير موجودة. هذه الطبقة السياسية تُسقط رغبات جامحة للسيطرة وتوسيع نفوذها على نظام لم يعد قادراً على استيعابها. تتظَّهر يوماً بعد يوم أحشاء هذا النظام بعد هزاله عن تقاسم طائفي يصعب إخفاؤه تحت شعارات ديمقراطية ودستورية. لم تعد هناك آليات سلمية لضبط الصراع على السلطة إلاَّ بالخضوع لمقتضيات الأمر الواقع، أو فتح أبواب الإصلاح والتغيير لاستيعاب حاجات اللبنانيين الى دولة تتجاوز الطوائف ولا تخضع لأهوائها ومصالحها.
حكومة الوحدة الوطنية المؤجّلة أو المستأجرة ليست ظاهرة عرضية أو تفصيلية. بدأنا نعتاد على الفراغ في المؤسسات الشرعية الرسمية لصالح تنامي المجتمعات المذهبية الانفصالية التي تتعزز بغياب الدولة المركزية أو تلاشي ظلّها.
الاقتصاد تديره المصارف. الأمن الوطني تتولاه المقاومة. القضايا الاجتماعية التربوية والصحية، الرعائية والخدماتية، هي في عهدة المؤسسات الطائفية. السياسة الخارجية منوطة بزعماء القبائل الذين يتواصلون مع سفراء الدول مباشرة ويتشاورون في كل شاردة وواردة. بحكومة أم بغير حكومة يتفاعل الاهتراء على جميع الصعد. لن يوقف هذا المسار “فخامة الخطاب” ما لم يتحول الى مشروع وطني يستنهض المجتمع لمقاومة عناصر الفرقة والتفكك، ويستدرك موجات العنف المستشرية من حولنا.
الإرهاب المنظَّم التي تمارسه أعظم قوة في العالم شق الطريق الواسعة لكل ألوان الإرهاب الأخرى. يتغذى العنف من العنف، والدم من الدم، والعصبية من العصبية، والمذهبية من نقيضها. لا يخترق العنف الأنظمة الأمنية القوية وحسب، بل هو يستوطن في المجتمعات المشرعة على المشكلات الاجتماعية وأزمات الحرية. لم تعد ثقافة التعايش قادرة على حماية المجتمعات المتنوعة الانتماء، بل صارت الحاجة الى ثقافة العيش الواحد ضرورة للبقاء. العيش الواحد لا يقوم إلاّ بين مواطنين متساوين أحرار. ينتشر وباء العصبيات في لبنان وسائر دول المنطقة مسهِّلاً أو حاملاً لكل اختراق سياسي خارجي. يراد لنا أن نتجاهل عنف الخارج المحتل أو المهيمن أمام وقائع العنف الذي يتفجَّر من مجتمعاتنا نفسها. يراد لنا أن “نستلطف” الحروب العدوانية علينا أمام هول الصراعات الأهلية والثقافية التكفيرية والإلغائية للآخر.
البحث عن المناعة هو الهم الأساس الذي نواجه به مستقبلاً حافلاً بالنزاعات وبالأزمات. ودائع المصارف لا تؤشر على واقع اقتصادي واجتماعي صحيح. الخمسة في المائة الذين يجولون على المرابع السياحية بسياراتهم الفارهة لا يعكسون واقع الناس كلهم. التعددية اللغوية لم تعد مظهراً أكيداً على ثقافة وطنية منفتحة ومتقدمة. صار الانحباس المذهبي يعبر عن نفسه في لغات عدة. ارتفعت الحواجز النفسية بين أصحاب اللغة الواحدة. صارت التقيّة السياسية نمط حياة ترتفع وتهبط على وقع الإثارة التي يمارسها الزعماء ومؤسساتهم الإعلامية التابعة.
تتراجع حساسيتنا الوطنية والقومية والإنسانية أمام الأحداث المهمة والتطورات لصالح مشاهد القتل العبثي المتوسع في اليمن وأفغانستان وباكستان والعراق وفلسطين وإيران. مسألة السلطة هنا أو هناك لا يمكن أن تحجب هذه التحديات. لا تأتي مناعة إلاّ من أنسنة المشكلات وعقلنتها، ورحابة التفكير وسعة الأفق وروح التسامح وقبول الآخر في عمق هذه المعاني والسلوكيات لا في الخطب والبيانات. إن الاستسلام للأمر الواقع تحت حجج وذرائع شتَّى لم يعد إلا شراكة في سوء المصير.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى