صفحات الشعر

المرور المستحيل

null
آخين ولات
(سوريا)

لن يكون دليلي، أكثر من مرورٍ خفيٍّ إليكِ ، أيتها المدينة المستعصية.
شارع مزدحم. نساءٌ، فاتناتْ، ورجلٌ ينتصب. يفتتن بهنّ، جميعاً.
يغويهنّ…
لكلّ امرأةٍ، سحرٌ لا يقاوم. لكلّ امرأةٍ لونٌ يُبهر. لكلّ امرأةٍ سرٌّ، ومكاشفات.
لكلّ امرأةٍ، نظرةٌ قاتلة.
هذا ما اتفق عليه الشّعراءُ، كلّ الشعراء.
الشعراءُ يكذبون. الشعراءُ خائنون. الشعراءُ يقتلون ويحيون. الشعراء يمرقون.
الشعراء يثرثرون. الشعراءُ يُقتَلون.
على القتل إذاً، يتفق الشعراء.
يقتلونَ ويُقتَلون.
على الهذيان.
على النميمة.
على حبّ الذات،
والتسكّع،
ولعنة الأوطان.

***

أحمر، أصفر، أخضر.
تركيا لن ترفع العلم الكردي.
تتمنى الأزرقَ، في إشاراتها، بدل الأخضر.
ظلٌ، ينفرُ…
تشظى العالمُ، منذ بياضٍ تعَكّر.
منذ تباين الألوان.
الصالة،
وضوءٌ شاحبٌ.
سأبذل التعتيم أكثر.
أُغلق الستائر. ضوءٌ، يتسرّب. سأُنزل الأباجورَ، المعدني. معدنٌ نقيٌ. ليس هو معدنك بالتأكيد.
معدنٌ أخّاذٌ.
معدنٌ لا يخون.
معدنٌ لا يكذب.
معدنٌ بوجهٍ واحد،
بلونٍ راسخ.
معدنٌ، ليس بشاعر.
معدنٌ هو النقاء لا أكثر.

***

الصالة معتمة تماماً.
ضوءٌ ينبعث من شاشة الكومبيوتر. الشرفةُ، خلف الأباجور. صالةٌ مدهشة، لعرضٍ مثير:
حركةٌ خفيّة.
همسٌ، كالوجعِ، يتكوّر. يمور. يتكوّر، ويتصلّب.
وجعٌ بلا ملامح.
لن أخمّن أنك تقترب.
لستَ بحصانٍ، وثرثراتك لا تشبه الصهيل.
يعدو الحصانُ شامخاً،
والفارسُ؟
به بعض نعاس.
كلّ الأضواء انطفأت،
لقدومه.

***

لن يعبأ الحصان بإشارات المرور التحذيرية، التنظيمية، ولا بالتوضيحية منها، والتثقيفية.
ممنوع التجاوز قطعياً…
لن يستوقفه الأصفر الخفّاف.
لن يمهل الشاعرَ، أخضرٌ رجّاج.
طريق إجباري للمشاة.
طريق إجباري للدرّاجات.
طريق إجباري للحيوانات.
عليك أن تكون درّاجةً، لتمشي بين الدرّاجات. وسيّارةً صغيرة، لتنحشرفي الزاوية، هناك.
خذ أحد جانبي الطريق.
خفّف السرعة.
أمامك دورانٌ إجباريٌ، صوب اليمين واليسار.
خذ الاتجاه الإجباري لليسار.
أمامك حقل ألغام.
بشرٌ مُعبّؤون بالديناميت،
واتجاهٌ مستدير.

***

سيخطف أحدهم الشاعرَ، في بغداد. لن يكون طليقاً إلا بفديةٌ كبيرة. سيكفّره آخرٌ، ذو لحيةٍ طويلة. طويلة جداً. سيُهدرُ، آخرُ دمه.
إحذر أيها المتهور.
تقاطع سكةٍ حديد، بدون بوّابة.
صخورٌ متساقطة.
أسلاكٌ كهربائية، فمنحدرٌ خطِر.
الطريق زلقٌ، وقُطّاعُ الطرق، مثل الأرانبِ، يتكاثرون.
سُيهدَر دمي. سأقول: هذا كثير. سيُحكم على ذراعي الأيمن، وساقي الأيسر، بالبتر.
ألم تسمع آخر صيحاتِ قضاةِ طهران، في شابٍ كردي؟
“صادق زماني”؛ هذا هو اسم الشاب.
احتجّ على سجنه، وأخويه، فقالوا: لك ما تريد. و البترُ، كان حُكماً عادلاً على يده اليمنى، ورجله اليسار.
ثلاثة إخوة. يُناهضون نظام الملالي.
ثلاثة أيامٍ للرجم.
حزبٌ محظورٌ، يشتبكُ، ومحافظي الملالي. يأخذ الإخوة الثلاثة، جانبَ المحظور.
عدد من المحافظين يُقُتل… كان هذا قبل سبعة شهور.
أ هي حاضنةٌ، ستحتوي ذراعي وذراعك، ساقي وساقك يا “زماني”؟
أم حفرةٌ باردة؟
أم سنكون لقمةً خانقة للكلاب؟
سلسلة منعطفات.
من اليمينِ،
يضيقُ الطريق أكثر.

***

طفلٌ في أزقة “آمد”. كان سيلعب حتى المساء، لو لا أنهم كسروا ذراعه.
طفلٌ، يشتهي ذراعاً أقوى، ليحضن كلّ النساء عند إشارة المرور.
ألم تصلك صرخته؟
مللتَ أيها الرجل الطيب، أعرفُ هذا.
يُحكى أنّ ثعلباً، قتل الأسد.
يربط أطرافه بغواية المديح. يُحكم الرّبط، ويرميه لعُمق الوادي.
أليس من الحكمة أن نكون ثعالباً؟
وطفلٌ معصوب الفم. ما الذي يغويه، غير الصراخ؟
العُصابة متشرّبة بالدم. عيناه على العالم:
حزينتان. صامتتان. صارختان.
إثنان من عسكر أتاتورك، يضحكان عالياً. بينهما، يتلوّى الطفل.
واجبٌ مقدّسٌ، وكلّنا للوطن.
يشدّان الطفل، كلّ إليه.
ذراعه المكسورة باتجاه، وصرخته، باتجاه.
يسدّ العالمُ آذانه.
صفقاتُ الدم، في واشنطون.
تجار حربٍ وسلام.
جدرانٌ مرشوقة بالدم في الهند. قطاراتٌ ملغومة، في مدريد. حافلاتٌ في بريطانية، تتفجر.
تهوي الأبراج في نيويورك.
شيوخٌ، يلحسون عقول الشباب.
اغتيالاتٌ. خياناتٌ. نهبٌ. دمارٌ. قتلٌ، في كلّ مكان.
والقدس؟ أمّا عن القدس، فحدّث، ولا حرج.
بيروت، قنبلةٌ موقوتة.
توقّف.
خذ جانباً. سننزل.
يجبُ التغوّط.
ألا تريد التبوّل؟
تغوّط قدر المستطاع.
الطريق طويلٌ، ووَعِر.
أكثر.
أكثر.
تغوّط أكثر.

***

تنفّس عميقاً. دخّن سيجارةً طويلة، وفكّر جيداً.
منحنيان أوّلهما من اليسار.
طريقٌ فرعي من اليمين.
الطريقُ من الجانبين، يضيق.
نحن في منطقة السير على اتجاهين.
أمامك طريقٌ أفضلية، ثم نهاية االمزدوج.

***

في دمشق سيبترون لساني. في أنقرة سيبترون رأسي.
القاضي في ديار الله.
القاضي، يا رجل. هل نسيتَه؟
الذي حكم ببتر ذراعي الأيمن، والساق.
أيّة ساق؟
ساقي يا عمي الطيب. ساقي الأيسر، وساق الزمان.
لن يكون ذلك مؤلماً للغاية.
زمانٌ أعرج، وعالمٌ أحول.
ـ هل رأيته؟
ـ من؟
ـ القاضي يا طيّب. ركّز قليلاً.
استلم شهادة تقدير ـ القاضي ـ وحافظةَ حجارة رمي الجمار.
إنّه يصلي ـ القاضي.
يبتهل. يرتعب. يلطم، ينتحر…
ـ يندم؟
ـ لا أظن. وإن ظننتُ، فلن أصدّق.
ممنوع مرور الشاحنات، أطول من 3,5 متر.

***

“حافظاتٌ فاخرة، من القطيفة. في كلٍّ منها حجارةٌ تكفي لثلاثة حجّاج، أيام الرمي الثلاثة في مشعر منى.
حجارةٌ مقطّعة، نظيفة. جاهزة ومعقّمة وفق أسس ومعايير وضوابط تحقق أقصى درجات الجودة والنظافة الصحية.”* !!!
حجارةٌ صحيّة. مغسولة سبع مرّات.
سنأكل الحجر، ونعدل عن الأكروبايوتيك.
معقّمٌ، صحيّ. خالٍ من الدهون والشحوم. يحافظ على رشاقة البدن.
ـ والكولسترول؟
ـ كن مطمئناً، لن يزيد.
حجرٌ، لا يرفع الضغط، ولا يسدّ صمّامات القلب.
وصفةٌ سحرية، لحياة أطول.
كلّما أمسك بحجرةٍ ـ القاضي ـ
سال الدم غزيراً.
يضخّ الكيسُ دماً.
دمٌ يغطّي “مشعر منى”.
إنّه دمي.
بنكهة الفريز.
لا زالال طازجاً، نقيّاً، وصالحاً للشرب.
حافظاتٌ للدم الآري ـ العاصي.
حافظاتٌ لكل الأعراق، والقوميات، والأعضاء:
ألسنةٌ مبتورة، وآذانٌ، وأيدٍ، ورئات.
حافظاتٌ لتجميد الأدمغة.
حافظاتٌ، تضمن تفرّغ الحجّاج للعبادة وأقصى درجات الصفاء.
أسرع أيها الأحمق.
اللصوصُ، على الجانبين.
أقصى سرعةٍ، مسموحٌ بها هي الستين، والكاميرات ترصدك طيلة الطريق.
……………..
………

***

لن أستترَ أيها العالم الزّاني، وأنا أرتكب المعاصيَ، فيك.
دولةً فدولة، أدخلك.
مدينةً، مدينة. شارعاً، شارعاً. أحملك على كتفيّ.
آخذك، وكليمونٍ أعصرك إليّ.
أُعرّيك.
إليك كلّ الجراح.
تمرّغ فيها، واشرب.
إشرب.
إشرب.
إشرب.
للدم رائحة النعناع.
استنشق.
إشرب.
استنشق.
تمرّغ، كحمارٍ هائجٍ
حتى النخاع،
لأُدوّن عصياني كاملاً.
دوّن يا رجل، يا طيب.
دوّن اللحظة.
لا تكن شيطاناً، أخرس.

هوامش:

* خبر الحكم على الشاب صادق زماني: مأخوذ من موقع آفيستا كرد نت، بالكردية.
*العبارة التي بين قوسين عن حافظات الحجارة، مأخوذة من خبرٍ في موقع العربية نت.
*خبر طفل ديار بكر: نشرت أكثر المواقع الكردية، الخبر والصورة، وفيديو الاعتداء موجود في يوتوبي.

7-1-2009

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى