صفحات الشعر

حدّثني قلبي قال

null
سمر عبد الجابر

خيبة
ضيقٌ شديدٌ في التنفّس
ضيقٌ شديد
ولا أملك قلباً أكبر من هذا الكون
ليتّسع لكلّ هذا الحزن
ولا أملك قصبةً هوائيّةً أوسع من هذي السماء
لأتنفّس جيّداً
عتمةٌ شديدة في العينين
ولا تكفي مئة شمسٍ أخرى
لأرى هذا الصباح
ألمٌ كثيرٌ من فرط الخيبة
وأحتاج مئات من سيّارات الشرطة
لتغلق الطريق المؤدّي من الدماغ إلى القلب
وملايين من العمّال
لإصلاح الحفر العميقة
في الطريق المؤدي إلى الرئتين.
***
لو أعود بالزمن
لو أملك أن أعود بالزمن
لمررتُ قرب المقهى نفسه ذاك الصباح
من دون أن ألتفت إليك
ذاك الصباح
حين وقعت في الحب فجأةً
كما وقعت أليس في حفرةٍ عميقة
وكنت أجهل
مثلها تماماً
أنّي سأواجه وحشاً – ألماً
ذا عشرات الأيدي
الممتدّة نحو عنقي الضعيف.
***
كنت أتألّم
وأنا في التاكسي، أغمضتُ عينيّ
لكي لا أربط حبلاً وثيقاً بين الشوارع هذه
وبين قلبي المتألم
لكي أحرم ذاكرتي من متعة استحضار هذا الألم
لو مررت من هنا مجدّداً
أغمضتُ عيني لكي أغوص في العتمة
كما لو أنّ العالم كلّه لم يعد له وجود
كنت أتألّم
وكنت أردّد في قلبي “أريد أن أذهب إلى المنزل”
لم أكن أحتاج جدراناً وأرضيّة
كنت بحاجةٍ إلى منزلٍ منزل
في قاعة الإنتظار في المطار
كانت الذكريات تقوم باستعراضات فنية
في الهواء من حولي
كنت أحدّق الى مواعيد الإقلاع
وفي ساعتي البطيئة
وأردّد في قلبي “أريد أن أكون قريبةً من السماء”
ولم أكن أحتاج زجاج نافذةٍ وجناح طائرة وبضع غيوم
كنت أتألّم
وكنت بحاجةٍ إلى سماءٍ سماء.
***
في لحظة واحدة
خيّل إليّ في تلك اللحظة
أنّ صوت المكابح
وصل إلى الجهة المقابلة من الكرة الأرضيّة
وأنّ تسارع دقّات قلبي
سيتسبّب بزلزال في المدينة
ورأيت إسمي في زاوية جريدةٍ ما
كعشبةٍ منسيّة في زاوية الطريق
ورأيت جسدي على متن طائرة في صندوقٍ خشبي
بلا عناء الحقائب
وبلا ملل الإنتظار في طابور جوازات السفر
ورأيت قلبي مقفراً من الدم والألم
أبيض أبيض
كزهرة غردينيا تفتّحت للتوّ
نظرتُ حولي
كنت لا أزال في مكاني
وفي الراديو
كانت الأغنية لا تزال تدندن
بصوتٍ خفيض.
***
هل ينتهي العالم؟
فجر عيد ميلادي –
أصحو فجأةً
بي رغبةٌ شديدة
لأن أقع في حبٍّ جديد.
*
عامٌ آخر يمضي
أفكّر:
كيف الثواني الصغيرة الصغيرة
تتراكم لتصبح عمراً.
*
أتذكّرها بين حينٍ وحين
الأيّام التي كنت أصحو فيها بحزنٍ شديد
ظننت أنه لن يزول أبداً.
*
حين تكون الأشياء جيّدةً
أفسدها
بقلقٍ أكيد
من أنها ستسوء مجدّداً.ً
*
هذا الموّال الحزين
الذي كان يُدمع عينيَّ عند سماعه
لماذا لا يفعل ذلك الآن
وبي رغبةٌ شديدةٌ في البكاء.
*
لكي أنقذ نفسي من رتابة الحياة
أسترجع أحياناً تلك السعادة الغامضة
في اليوم الأوّل لي في هذه المدينة.
*
لكنّ الحزن
كما الغبار
لا مهرب من تراكمه مجدّداً.
*
عناقنا الأخير
كان أقصر
من أن لا أفتقدك
فوراً
بعد أن غادرت.
*
أريد أن أصبح في الثمانين من عمري
وبالكاد أتذكّر شيئاً.
*
أعرف أنّي حزينة جدّاً
حين أحاول عبثاً
تذكّر آخر مرة شعرت فيها بالسعادة.
*
كم أمضي من الوقت
وأنا أفكّر
بأنه عليَّ أن أفكّر أقلّ قليلاً.
*
حين أشعر بالسعادة
أستغرب الأشياء التي كانت قبل قليلٍ
أسباباً لحزني.
*
كم أحسدهم
أولئك الذين لا يزالون يؤدّون الصلاة
بجدّية بالغة.
*
أتخيّل احياناً
السكون الهائل
الذي سوف يعمّ الأرض
حين ينتهي العالم.
*
حين أدرك أنّ العالم سينتهي
سأقترح عليك أن نمضي ما تبقّى من وقت
في ممارسة الحب.
*
وقد أذهب إليكم واحداً واحداً
وأخبركم أشياء لطالما أردت قولها.
*
وفي النهاية، سأقف على شاطئ البحر
في انتظار ما سيحدث.
*
هل أكون على قيد الحياة
حين ينتهي العالم؟
*
هل سينتهي العالم؟

***
ذاك الحبّ لم يعد يعني لي شيئاً

ذلك اليوم
حين قتلتُ الفراشة عن قصد
لم أفكّر أنّي ربّما أقتل معها
فرحة طفل
كان سيلتقيها ذات صباح.
*
هل حقّاً تدعو الفراشات بالسوء
لمن يؤذيها؟
*
بي رغبةٌ
أن أعود إلى أوائل أيّام البشر
حين كان الكلام لم يُخترَع بعد
فلم يكن الحبّ يسمّى حبّاً
ولا الألم ألماً
ولم يكن أحدٌ يتحدّث عن ذلك.
*
ماذا يحلّ بأرواح الحشرات التي نقتلها؟
ماذا يحلّ بأرواح النباتات التي لا نعتني بها؟
*
بعد أن ماتت الصبارة
لم يعد ثمة ما أعتني به حين أعود إلى الغرفة
لم يعد ثمة من ينتظرني.
*
وحين كانت تحلّ عتمةٌ شديدة فجأةً
كنت أحسبها روح الصبارة
تحلّق بحزنٍ شديد.
*
حدّثني قلبي، قال:
لك عندي خبران
أحدهما مفرحٌ والآخر محزن
سألت: ما المفرح؟
قال: ذاك الحبّ لم يعد يعني لي شيئاً
قلت: وما المحزن؟
قال: ذاك الحبّ لم يعد يعني لي شيئاً.
***
إيشيكاوا تاكوبوكو

ليلة أرقٍ طويلة
يساعدني على اجتيازها
صديقي الجديد
شاعرٌ ياباني
ولد عام 1886.
*
كم كان حزيناً في حياته
وكم أتمنى لو كنت أستطيع
في ذاك الوقت
أن أساعده أنا أيضاً
على اجتياز إحدى ليالي أرقه الطويلة.
*
لماذا
يموت شاعرٌ بارعٌ إلى هذا الحد
بالسلّ
في السابعة والعشرين من عمره؟
*
لماذا يموت شاعرٌ بارعٌ إلى هذا الحد؟
*
كم تحزنني سيرته الذاتية
كم مرّة رغبت في عناقه.
*
لو بقي حيّاً
هل كان ليكتب قصائد أكثر حزناً ممّا كتب؟
هل ثمّة قصائد أكثر حزناً ممّا كتب؟
*
هو الذي كان فقيراً حدّ الجوع
كم أرغب بأن أتقاسم معه قوتَ يومي.
*
هو الذي كان حزيناً حدّ تمنّي الموت
ترى هل ما عاد يشعر بالحزن الآن؟
*
ترى هل يفرح أم يحزن
لو عرف انّ قصيدةً
كُتبت عنه
بعد ثمانية وتسعين عاماً من موته؟! ¶

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى