صفحات ثقافية

لندعه يرقد بسلام!

null
بيار أبي صعب
إلياس خوريإلياس خوريإذا جاز الحديث عن أخطاء تشوب قصائد محمود درويش الصادرة بعد موته، فربّما كانت تلك الأخطاء مسؤوليّة مشتركة يتقاسمها كلّ الذين كانوا، من قريب أو بعيد، وراء إصدار «الديوان الأخير»… القصّة التي رواها إلياس خوري مانحاً ضمير المتكلّم دور البطولة، هل تكفي لإدانته منفرداً على مبادرة وافق عليها الآخرون، وتبنّوها منذ اللحظات الأولى وحتى صدور المجموعة عن «دار الريّس»؟ ترى ماذا سيكون ردّ فعل الشاعر لو أنه يراقب هذه الخناقة من غيمته البعيدة؟ كل ذلك حدث في غيابه. حتى إن عنوان القصيدة التي أعطت اسمها للكتاب ـــــ «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» ـــــ ليس هو من وضعه. هناك شيء فظيع في الموت، موت الشاعر تحديداً، إذ إن أوراقه لا تعود ملكه. هل طلب محمود، على فراش المستشفى في تكساس، أن تنشر قصائده الأخيرة؟ هل نحترم حقّه الغيابي… أم حق القرّاء في التواصل مع آخر نصوصه؟ مسألة يصعب حسمها، علماً بأن تاريخ الأدب حافل بالأمثلة المعبّرة: لو احترم ماكس برود وصيّة صديقه كافكا، وأحرق مخطوطاته كما طلب هذا الأخير، لحرمت البشريّة من تلك الأعمال الاستثنائيّة.
محمود اجتمع أصدقاؤه (وأخوه) وقرّروا نشر القصائد كما هي. هل كان سيعهد إلى هؤلاء، كلّهم ودون سواهم، بالمهمّة لو سئل رأيه؟ لم تعد تنفع الأسئلة. قد تكون المشكلة في هالة الشاعر التي يتسابق الجميع على امتلاك جزء منها. قد تكون المشكلة هي التعجّل في النشر، علماً بأن الريّس وافق عليه وكان وراءه. الأكيد أن الضجّة التي أثيرت لها علاقة بنجوميّة الشاعر ووقع اسمه وشعره على «الجماهير»… هو الذي كان سريّاً، وحميمياً، ومنطوياً. حتى صائدو الأخطاء، مهما صفت نيّاتهم، وأصابت ملاحظاتهم، من يؤكّد أنّهم لا يطلبون لأنفسهم ـــــ بصورة لاواعية ـــــ شيئاً من ألق الشاعر وأمجاده؟
تلك الضجّة حول «الديوان الأخير» تشبه نزاع الورثة. ولعلّها لا تخدم الشاعر، ولا شعره، ولا قرّاءه ومحبّيه. إذ ليس لنا، في النهاية، إلا الامحاء التام، بصمت ونكران للذات، «في حضرة الغياب». لو كان بوسع محمود درويش الآن أن يستردّ موته منّا، لما تأخّر لحظة واحدة!
الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى