صفحات العالم

أوباما المثابر على تحقيق وعوده

تقديم وترجمة فادي طفيلي
بعد الهزيمة التي مُني بها الرئيس باراك أوباما وحزبه الديموقراطي في الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، فإنّ مراقبي تجربته الرئاسيّة يحاولون اليوم تسليط الضوء على الوقائع الاجتماعيّة والاقتصاديّة في القواعد الأميركيّة التي مثّلت في الأساس جوهر وعود أوباما التغييريّة.
مواضيع وقضايا جوهريّة تاريخيّة، كمثل التفاوت العرقي والاقتصادي داخل المجتمع الأميركي، تعاود احتلال موقعها بقوّة في السجال بين مؤيّدي سياسات أوباما ومعارضيها.
العودة إلى المواضيع المبدئيّة، كمواجهة التفاوت العرقي ومكافحة الفقر والإجحاف الرعائي ودعم الطبقة الوسطى، تمثّل عودة دفاعيّة في مواجهة الانتقادات. على أنّ جوهريّة تلك المبادئ الإصلاحيّة بالنسبة للأميركيين تدفع البعض إلى التساؤل: هل سيحققّ أوباما من خلال خسارته الأخيرة ما عجز عن تحقيقه من خلال انتصاره المدوّي قبل سنتين؟ هل سيحققّ الدفاع عن المبادئ الجوهريّة وتذكير الأميركيين بها الاندفاعة التي كانت مرجوّة قبل سنتين ولم تتحقق بعد؟
في ما يلي نصّ كتبه جون ماكوورتر في مجلّة “تايم” الأميركيّة (6 كانون الأوّل 2010) تناول فيه ما يستمرّ أوباما مثابراً في تحقيقه بالنسبة للسود الأميركيين، الذين كانوا قد وضعوا آمالاً تاريخيّة في انتخابه. ماكوورتر هو كاتب أميركي أسود، وآخر كتبه الصادرة حمل عنوان: “لساننا الرائع اللعين: تاريخ اللغة الإنكليزيّة غير المكتوب”.

إذّاك في يوم التنصيب عندما وقف باراك وميشيل أوباما يراقبان معاً الطوافة التي أقلّت بوش وعائلته في رحلة العودة إلى ديارهم في تكساس، كانت تلك المرّة الأولى التي نشعر فيها حقّاً أنّه بات لنا رئيسٌ جديد. الأمر لم يكن في الجِدّة فقط، ولا حتّى في رئيس من الحزب الديموقراطي مختلف عن بوش. بل الأهم في أذهان الأميركيين، وهذا ما بوسعنا جميعاً الإقرار به، كان انتخابنا رئيساً أسود.
ماذا وراء الرمزيّة التاريخيّة هذه، وماذا عن معانيها؟ كثيرون أمِلوا أنّه مع رجل أسود في المكتب البيضوي، فإن أميركا السوداء قد تحظى بانطلاقة جديدة. لكنّ الأحلام والواقع يتناقضان. مع مطلع الأشهر الأولى لحملة أوباما، رأى الناس، تحديداً أولئك الذين يعيرون انتباهاً في العادة، أنّ أجندته المهتمّة بمآل الفقراء لم تتضمّن جهداً محدّداً “لنجدة” الشعب الأسود. هذا النقص في سياسات الإنقاذ غدا أكثر وضوحاً وإيلاماً خلال أزمة الركود الاقتصادي.
في وقت سابق من هذا العام استضاف المقدّم الإذاعي تافيس سمايلي مجموعة من المفكّرين السود في ندوة متلفزة دعوا خلالها الرئيس أوباما إلى سنّ قوانين تبدد مخاوف السود، غير أنّ ذلك لم يتعدَّ الكلام الخطابي كي يبلغ النتائج الملموسة.
في الإجمال، للناس نوعان من الأفكار الخاطئة المرتبطة بأوباما والسود.
أولى هذه الأفكار تتمثّل بالاعتقاد السائد الذي يقول إنّ أيّ رئيس، مهما كان لونه، بوسعه حلّ أزمات السود الأميركيين المزمنة في وقت لا يتعدّى بضعة أعوام. ثاني الأفكار المذكورة ترى أن التغيير الذي قد يحقّقه رئيس أسود لصالح الأميركيين السود سيكون تغييراً ثوريّاً، كمثل قانون الحقوق المدنيّة في العام 1964.
في الحقيقة ما قدّمه الرئيس أوباما لأميركا السوداء يتعدّى بكثير ما بوسع معظم الناس معاينته، لأنّه تغيير مختلف عن صنف التغيير الذي كانوا يتوقّعونه.
التحليل السياسي الشائع يرى بأن الأمر كان سيعدّ انتحاراً سياسيّاً لأوباما لو قام الأخير بممارسة الحكم كـ”رئيس أسود”. لكنّ التحليل الجوهري هنا يؤكّد أنّ الأزمات التي يواجهها الفقراء السود اليوم هي أزمات أكثر تجريداً وصعوبة في حلّها، بالمقارنة مع مظالم جيم كرو الصلفة.
إحدى المشكلات تكمن في المعتقدات القديمة الطراز المرتبطة بالتقدّم. إذ تعدُّ بعض أساطير الشارع الأسود أكثر إعاقة في هذا الإطار من الكلام الشائع الذي يقول إن رجلاً بلا شهادة جامعيّة كان بمقدوره، فيما مضى، إعانة عائلته من خلال وظيفة في المصانع لا تتطلّب مهارة عالية، أمّا في اقتصاد اليوم فإنّ الرجال السود غير المتعلّمين باتوا غير مؤهّلين للوظائف المنتجة. هذه الرؤيا القاتمة للتوقعات، المرتبطة برجال الغيتو السود، تفترض للتسليم بها نوعاً من العمى. حيث بات من النادر لدرجة الانعدام أن يكون فنّي تركيب الكابل التلفزيوني، أو المصلّح الميكانيكي، أو فنّي الصوت، أو المختص في تصليح مكيّفات الهواء، شاباً أبيض يحمل شهادة من “ديوك” (Duke College).
إلى هذا ثمّة شعورٌ يصرّ على أنّ عدم الذهاب إلى الجامعة وقضاء أربع سنوات فيها بدراسة الفنون الحرّة، بالمعنى التقليدي، لهو أمر يمثّل إعاقة كاملة. كثر منّا مقتنعون بهذا الأمر لأنّه جرى تعويدنا على التفكير بأن التدرّب المهني هو بمثابة جائزة ترضية، أو خيار أدنى. لكن ارتجافنا أمام فكرة اختيار المرء عملاً يتطلّب منه استخدام يديه، تبدّد منذ زمن ليس ببعيد.
للرضا المهني، أو حتّى للانتماء إلى الطبقة الوسطى، ثمّة طريق واحد اليوم ألا وهو الكليّات الأهليّة (كوميونيتي كوليدج). على ضوء هذا فإنّ تصميم أوباما في استثمار مليارات الدولارات على الكليّات الأهليّة في الولايات المتّحدة يندرج تماماً ضمن الأجندة السوداء التي ينبغي علينا انتهاجها.
ربّما لا تحتل برامج كهذه موقعاً بين عناوين الأخبار الساخنة كما احتلّت “قمّة البيرة” في البيت الأبيض إثر عجالة حديث عنصريّ مزعوم. غير أنّ ذلك لا ينفي أهمّيتها الكبيرة. كم من الناس سمعوا عن “الأحياء الموعودة”؟ دائرة التعليم في إدارة أوباما تخطّت ساعات الدوام إلى مواقيت عمل إضافيّة بغية تأمين الدعم المالي لواحدٍ وعشرين حيّاً فقيراً في أنحاء الولايات المتّحدة، وذلك في محاولة لمحاكاة جهود الناشط الاجتماعي جيفري كندا في “هارلم تشيلدرنز زون” (منطقة الأطفال في هارلم). كندا ذاك كان يسعى للقضاء على الفقر في سبعة وتسعين بلوك سكني في حيّ هارلم النيويوركي من خلال برنامج تضمّن مزيجاً من الخطط التربويّة المكثّفة (بدءاً بالمدارس الإعداديّة)، والدورات التدريبيّة المخصّصة للأهل إضافة إلى المبادرات الصحّيّة. خلال حملته أطلق أوباما وعداً في توسيع هذه المبادرات وتعميمها في جميع أنحاء البلاد، وقد وفى بذلك الوعد، إذ أنّ الدعم المالي للمبادرات المذكورة سوف يتزايد بمعدّل ستّة مرّات خلال العام المقبل (إلى 60 مليون دولار). الأمر لا يتطلّب من المرء سوى القليل من المخيّلة كي يدرك ما يمثّله هذا الأمر من “إيجابيّة سوداء” تعادل ما تتيحه القوانين، حتّى لو لم يقترن بالخطب الرنّانة المليئة بعبارات كمثل “الأزمة” وتعابير من طراز “وأخيراً”. كما تزداد القضيّة قوّة إن أخذنا إصلاح نظام الرعاية الطبي في عين الاعتبار (الموضوع ذو الأهمية الخاصّة بالنسبة للسود) وزيادة الدعم المالي للمدارس والجامعات المُعدّة تاريخيّاً مدارس وجامعات سوداء.
ما كان يُطلق عليه في ما مضى وصف “الصراع” ما زال قائماً، لكن على المرء أن يعرف مكامنه. غير أنّ المرجّح هو ألا يبقى الصراع المذكور محتلاً عناوين الأخبار الرئيسة. من ينتظر تحقّق التغيير في حياة السود الأميركيين مرّة أخرى عبر التظاهرات الدراماتيكيّة سيصاب بحِيرةِ من ينتظر العثور على موسيقاه المفضّلة مسجّلة على شرائط كاسيت.
الزمن يمضي. الوقائع تتبدّل. والناس يغيّرون عيشهم.
باراك أوباما بدا رئيساً “أكثر سواداً” ممن اعتبرته توني موريسون بمثابة الرئيس الأسود الأوّل لأميركا، بيل كلينتون. فما الذي يوحي بالسواد أكثر في النهاية إطلاق إحدى وعشرين عمليّة إنقاذ في إحياء سوداء معدمة أم العزف على الساكسوفون؟
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى