صفحات سورية

بين البائع والشاري يفتح الله

null
بلال خبيز
يقولون: الدمشقي تاجر «شاطر». يبيعك ما ليس لك حاجة به، ويكثرون الحديث عن فنون التجارة الدمشقية وأساليبها الملتوية أحياناً والخبيثة أحياناً أخرى والطريفة في كل الأحيان. الدمشقيون تجار، يحق لأهل الجبال والمدن الساحلية والداخلية أن يتعلموا منهم.
يُنقل عن الرسول الكريم أنه قال: التجارة والنجارة، هذا ليس حديثاً مسنداً، لكنه متداول في المشرق العربي خصوصاً، والمعنى أن المرء ما لم يكن تاجراً فالأفضل أن يصنع ما يمكن استعماله وبيعه.
يقولون إن الدمشقي تاجر «شاطر»… إنما لم يعرف عنه أنه تاجر وصانع، صاحب يد حاذقة وعقل تجاري معد للبيع والشراء، ومع ذلك الرئيس الأسد، ربما بسبب أصوله الجبلية وتربيته المدينية يحاول أن يجمع الصفتين: التجارة والنجارة.
يقول: حان الوقت لمفاوضات مباشرة مع إسرائيل وبرعاية أميركية طبعاً، وهذا من ضروب التجارات السياسية الناجحة، لكنه يقول أيضاً إنه سيعمل على إشراك «حزب الله» وحركة «حماس» في هذه المفاوضات، والمشتري الأميركي يحسب أن هذا العرض السوري يعني احتواء الحركتين المسلحتين وضبط حركتهما السياسية والعسكرية على الحد الذي تنص عليه الاتفاقيات التي قد تعقدها سورية مع إسرائيل برعاية أميركية.
هذا عرض لا بد أنه مغر، بعد جهد أميركي وإسرائيلي غير خاف على أحد في محاولة كف هذا السلاح عن قدرته على التهديد، فما المانع إذن أن يتم ضبط السلاح وتقنين حركته بإشراف أميركي-سوري؟ فلا تطلق طلقة من جنوب لبنان أو من قطاع غزة لا يوافق الأميركي على إطلاقها بموجب هذا العرض.
والبضاعة المعروضة نفسها يفترض بها أن تهلل سعيدة لهذا العرض، حيث إن اتفاق السلام بين سورية وإسرائيل ينهي عملياً حال الصراع، فلا يعود ثمة موجب لحمل السلاح، والمشاركة في المفاوضات بالنسبة لهاتين الحركتين تعني، بحسب الدلاّل السوري، أن اعترافاً دولياً قد حصلتا عليه كان عزيزاً وغير ممكن من دون هذا النصر السوري على العالم مجتمعاً.
يريد النظام السوري أن يوصل رسالة للأميركيين تفيد أن ليس ثمة من وسيلة ناجعة لضبط قطَّاع الطرق غير الاعتراف بحقهم في قطع الطريق الذي يرتزقون منه. ويريد أيضاً أن يقول إنه ليس ثمة أحد قادر على جر القوى النافرة إلى الحقل الأميركي غير سورية ونظامها.
والحال، البضاعة ستكون سعيدة بشاريها والشاري سيكون سعيداً ببضاعته. والصفقة تكاد تكون تامة بلا خروق، وأغلب الظن أن السيد محمود الزهار كان يفكر في حسنات هذه الصفقة حين أعلن بالحرف: لو وضعتم الشمس في يميننا لن نقبل سلام فياض رئيساً للحكومة الفلسطينية العتيدة.
الحلول محل حكومة سلام فياض التي يقال عنها، بشهادة القاصي والداني إنها أسست فلسطين الإدارية بجدارة وعن وجه حق، بالنسبة لقادة «حماس»، أثمن من الشمس نفسها. ولا أحد يدري ما الذي ستطالب به «حماس» مقابل القمر الذي في يسارها؟
الأرجح أن قادة «حماس» و«حزب الله» يفكرون في العرض السوري ملياً، لقد حقق المحارب ما كان يصبو إليه: اعتراف دولي وفارسي ونصف عربي، ويبقى أن يحكم في المناطق التي تقع تحت سيفه سعيداً ومطمئناً وعادلاً. غير أن التاجر نفسه ينسى أن الشاري ليس بهذه السذاجة، وربما تكون البضاعة نفسها ناطقة وقادرة على الاعتراض، على ما أوضح أمين عام «حزب الله».
وحيث إن البضاعة المعروضة ستكون ثمناً لعودة الجولان المحتل وتثبيت هيمنة سورية على جزء من لبنان وجزء من فلسطين، فإن البائع السوري يضيف في المفاوضات التي يجريها مع الأميركيين جائزة ترضية أخرى: سنضمن لكم إشغال الوضع العربي برمته بخلافات وانقسامات لا يمكن حصرها، تنطلق من لبنان وفلسطين وتعم العالم العربي من دون استثناء أي من زواياه، وفي هذه الحال، ليس ثمة مَن يعود ليطالب بالدولتين القابلتين للحياة، على أراضي 1948 وحدود 1967. وهذا أمر يفترض أن يكون مغرياً للشاري الأميركي، بحيث يعفيه من مغبة الضغط على الحكومة الإسرائيلية اليمينية التي يزمع بنيامين نتانياهو تشكيلها، فتضمحل فكرة الدولة الفلسطينية ويضيع النضال الفلسطيني بين طرفين يتبادلان الاتهامات في من أضاع المُلك ومن يبكي عليه.
التاجر السوري «شاطر»، لكن اليد السورية ليست حاذقة، والأرجح أن المساهمة السورية في صناعة قوة «حماس» و«حزب الله» لم تكن مساهمة أساسية. على الأكثر كانت مساهمة في صناعة الثوب والعمامة والتاج الذي يسعى خالد مشعل إليه من دون كلل، لكن الصانع الفعلي يحذر حتى سورية نفسها من مكائد الأعداء. هذا وقد يكون للبضاعة رأي آخر.
* كاتب لبناني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى