صفحات من مدونات سورية

في تفسير جانب من تحميل الدين كل التخلف الذي نعاني منه

من خلال متابعتي لمجمل الردود التي تصاحب التصريحات والفتاوى الدينية أجد أن الكثيرين يردون مجمل التخلف الذي نعاني منه والمصائب الكثيرة والمتنوعة التي ابتلينا بها إلى الدين وعلماءه وحدهم دون سواهم مع يقيني أن معظم هؤلاء يدركون ضمنا أن التخلف الديني هو جزء من كل وهو ليس أصل العلة لأنه ليس المحرك والصانع الفعلي للأحداث، بل غالبا ما كانت الآراء الدينية تاريخيا بعلاقتها الجدلية مع السلطة منفعلة ومتشكلة وفقا لمزاج السلطة العام، وبأحسن حالاتها لم تكن تتجرأ على الخوض فيما يمس شرعية تلك السلطة بأي شكل من الأشكال المؤثرة.
لكن رغم ذلك نرى وجود نزعة عامة متنامية في نقد أي رأي ديني لا يعجب سامعيه بطريقة تنم عن كبت عميق نعاني منه جميعا، مع ميل واضح وجامح إلى تحديد من هو المسؤول عن تخلفنا . والمشكلة ليست بالنقد من حيث المبدأ بل هو أمر مطلوب، وإنما في حالة التعميم واستسهال تحميل التراث الديني المسؤولية الكاملة.
أعتقد أن نزعة اعتبار التراث الديني مسؤولا عن حالة الجمود الذهني والسلوكي والكثير من الأشياء الأخرى التي نعاني منها، بدأت على شكل موجة تجديدية سرت بين مجموعة من المفكرين المهتمين بالشأن الإسلامي، حاولوا فيها معالجة حالة التخلف الشاملة بردها إلى أصولها الفكرية ممثلة بالدين، وعليه قاموا بجهد لافت وكبير في محاولة تجديد الإسلام على مستوى الأحكام والعقيدة، إنطلاقا من إيمانهم بأهمية وتأثير الفكر الديني في صوغ طريقة التفكير الجمعية للأمة وعلاقته المتداخلة حد التماهي مع القيم الكلية التي تحكم وجداننا والتي غالبا ما تحدد كيفية تفاعلنا مع الوسط المحيط بنا.
مثل الدكتور محمد شحرور والذي اعتبر أن معالجة الجانب الديني معالجة معاصرة ستفضي إلى معالجة جوانب الحياة الأخرى، ومثل الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي إعتبر في كتابه “ نقد الخطاب الديني” أن الأصول العقدية في الإسلام -الأشاعرة- سببا مباشرا لحالة القهر والإستبداد التي نعيشها اليوم من خلال تقديم الحضور الطاغي لله على حساب غياب كامل للفعالية الإنسانية، واعتبر أيضا في معرض نقده لمفهوم حاكمية الله، أن مثل هذه المفاهيم تكرس استلاب الإنسان وعجزه التام عن تغيير واقعه:
وإذا كانت حاكمية البشر يمكن مقاومتها والنضال ضدها وتغييرها بأساليب النضال الإنسانية المختلفة، واستبدال أنظمة أكثر عدلا منها، فإن النضال ضد حاكمية الفقهاء يوصم بالكفر الإلحاد والزندقة بوصفه تجديفا وهرطقة ضد حكم الله. ويصبح المفهوم المفهوم بذلك سلاحا خطيرا يفقد البشر أيه قدرة على تغيير واقعهم أو تعديله . . الخ.
وبالمثل تدور كتابات محمد أركون والصادق النيهوم في نفس الإطار التجديدي الذي اعتبر أن تجديد التراث الديني ومنهجيات التفكير المتعلقة به ضرورة أولى لما لها من أهمية في النهوض الحضاري للأمة.
أي أنهم فسروا حالة القهر والتخلف التي نعيشها بدلالة الدين وحده دونا عن سواه. وجعلوا التحذير من الإستبداد الديني وطرائق تفكيره من خلال نقد بنيته الفكرية أولوية على الإستبداد السياسي، رغم أن الثاني هو الأولى بالنقد كونه هو الذي يدير الأمور على أرض الواقع وهو المسؤول الفعلي عن كل المفاسد التي أصابتنا سواء في الماضي أو الحاضر، ولا يعني هذا بأي حال من الأحوال التهوين من شأن الإستبداد الديني، أو إغفال العلاقة الجدلية بين الدين والسياسة والدور الذي لعبته الآراء الفقهية تكريس الإستبداد السياسي وإيجاد السند الشرعي له، بل على العكس أعتقد أن نقد ومعاينة الشأن الديني عموما لا يزال بحاجة إلى الكثير من الدراسات والأبحاث.
في السنوات العشر الأخيرة خرجت هذه الفكرة من إطارها الأكاديمي والبحثي إلى المستوى الشعبي مستفيدة من عوامل عديدة أبرزها ثنوية الإرهاب والإسلام وتهافت الكثير من الفتاوى الدينية، وتردي الأوضاع العامة للمجتمع مع استمرار حاد لغياب الحرية أدى إلى كبت عميق نعاني منه جميعا، لا نستطيع معه رفع الصوت عاليا والإشارة إلى المسؤول الحقيقي فضلا عن محاسبته، إضافة إلى المثال الغربي الذي حقق ما حقق بعد أن أقصى الدين بعيدا.
والسؤال المطروح لماذا الدين هو الُملام على مصائبنا دون سواه؟ أو لماذا هو الذي يحظى بحصة الأسد من الملامة ؟
أعتقد أن الناس بجانب من الجوانب يريدون إيجاد سلطة مسؤولة يمارسون معها كامل حريتهم في نقدها ومحاكمتها وربما شتمها وتحميلها كافة المصائب دون أن يخافوا من العقوبة والأذية.
والدين نموذج مثالي لهذه الغاية، فهو من جهة سلطة، إذ لا توجد بجواره سوى السلطة السياسية –إذا ما حيدنا السلطة الإجتماعية على اعتبارها سلطة متشكلة من مزيج السلطتين السابقتين مع الأعراف والتقاليد-، ومن جهة أخرى هي سلطة لا تملك من الأدوات القمعية المرعبة ما تملكه السلطة السياسية.
لذلك نقد الدين وتحميله كافة المشاكل أسهل وأهون ملايين المرات من رفع السبابة والإشارة إلى السلطة المسؤولة فعلا وعملا عن كل شيء. وأعتقد أن هذا ينسحب “بطريقة ما” على مجمل المفكرين الذين تناولوا الشأن الديني نقدا وتشريحا.
المفارقة أيضا تتمثل بأن الكثير من علماء الدين والمشايخ يردون عجزنا وتخلفنا إلى تركنا اتباع الدين، وليس إلى الأسباب الموضوعية الحقيقية، ليس هذا فحسب وانما يردون المشاكل التي نعاني منها على تنويعاتها المختلفة إلى أسباب تدندن على نفس الوتر، دون أن يتجرأوا هم أيضا على الإشارة إلى المسؤول الحقيقي وللأسباب الفعلية. الدين مرة أخرى هو جملة المقارنة.
كمثال قريب عما أحاول قوله الآن مقتطف من إحدى المقالات التي تناولت الدكتور البوطي عقب تصريحاته الأخيرة:
مشكلتنا ليست بالتأكيد مع نجدت أنزور ولا مع ممثلي ” وما ملكت إيمانكم ، ولا مع وزير التربية ولا مع عدم الفصل بين الجنسين في المدارس ولا..، بل هي مع معظم رجال الدين الجدد منهم والقدامى والذين يستغلون الدين من أجل إقناع الناس بأن حدوث الكوارث هو تدبير نابع من حكمة إلهية لا يمكن للعقل البشري استيعابها أو حتى تفسيرها، فقط رجال الدين متاح لهم معرفة وتفسير الحكمة الإلهية من حدوث أية كارثة أو مصيبة في هذا البلد أو ذاك. ويستغلون ذلك لبث الرعب في قلوب الناس وإجبارهم على الطاعة والخضوع والتسليم في النهاية إلى مقولتهم الدائمة “أن كل ما يحدث في هذا الكون من كوارث وغيرها هو نتيجة ضعف الإيمان بالله”، مستغلين انخفاض الوعي الاجتماعي والمعرفي لدى أغلبية الناس.
فالكاتب لا مشكلة لديه مع أحد أبدا بل كل مشكلته محصورة برجال الدين لأنهم يرعبون الناس ويجبرونهم على الطاعة والخضوع لهم.
هل هذا هو الواقع حقا ؟ هل الناس يعيشون رعبا دائما من رجال الدين ويخضعون لهم بصورة قهرية كما نستشف من النص؟ وهل فعلا لا توجد لدينا مشكلة مع وزير التربية والحكومة من وراءه، رغم حال التعليم المزري ؟
وهل البلاء الذي يحيق بنا سببه مسلسل؟
سؤال مفتوح برسم الإجابة.
http://www.3bdulsalam.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى