صفحات العالمما يحدث في لبنان

خطوة مقابل خطوة؟

وليد شقير
من الطبيعي ان تخضع «التسوية الكبرى» حول الأزمة اللبنانية الناجمة عن الخلاف على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لتجاذب بين الفرقاء المعنيين بها، سواء محلياً أم خارجياً، فيسعى كل فريق الى تقديمها لمصلحته، مع تسليم الجميع بأنها ستنطوي على تنازلات متبادلة، أخذت معالمها تظهر شيئاً فشيئاً، في ظل التكتم الشديد على البنود التفصيلية لهذه التسوية.
بل ان هذا التكتم هو الذي يتيح للفرقاء إطلاق العنان لمخيلاتهم، لا سيما المحليين منهم في تصوير بعض جوانب هذه التسوية، على رغم ان بعض من يوزّع المعلومات عنها ويتحدث عما تتضمنه يفتقد الحد الأدنى من الصدقية التي تتطلب منه الاعتراف بأنه لا يعرف مضمونها لأن الذهاب بعيداً في التكهن حول هذا المضمون ستكون نتيجته خيبة الأمل، حين تعلن هذه التسوية.
لكن الحديث عن عناوينها العريضة، ونفي ما يشاع عما ستتضمنه، يبقيان قابلين للتصديق، وسط الغبار الكثيف الذي يحيط بتوزيع المعلومات والمعطيات في شأنها، والتي تعود إشاعتها الى الرغبات أكثر من الوقائع وإلى محاولات إيهام الرأي العام بدلاً من مصارحته.
إلا أن ما يمكن الركون إليه من المعطيات التي تتناول هذه التسوية يسمح بالقول إنها منجزة. وإذا صح ان الوقت المستقطع قبل إعلانها يستفاد منه لإجراء اتصالات من اجل تحصينها دولياً، ومن أجل ان حصول سورية على ضمانات في العلاقة مع الدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية مقابل «انخراطها» في تحقيق مطلب غربي ملح هو الحفاظ على الاستقرار في لبنان عبر التسوية التي أعدت بنودها مع السعودية، فإن إطلاق تسمية «التسوية الكبرى» على التفاهم السعودي – السوري يصبح مطابقاً للواقع.
وبعيداً من المناورات اللبنانية الضيقة فإن الأنباء عن تلك المساعي الهادفة الى تأمين ضمانات أميركية ترضي سورية تكسب هذه التسوية جدية أكبر، بصرف النظر عما ستؤول إليه هذه المساعي. المهم ألا يسبب عدم إرضاء واشنطن لدمشق بهذه الضمانات، انتكاسة للتسوية، والمهم ألا تكبّر دمشق حجر تلك الضمانات، وأن تتصرف الإدارة الأميركية مع الرغبة السورية في هذه الضمانات بواقعية تنسجم مع تأكيدها الحرص على حفظ الاستقرار في لبنان، لا سيما ان هذه التسوية تتم على الأرجح، على قاعدة فصل مسار المحكمة عن مسار العلاقات اللبنانية الداخلية بما يضمن السلم الأهلي، من دون التنطح الى مطلب إلغاء المحكمة أو معاكسة عملها، من قبل من يعترضون عليها. وهو ما يهم الإدارة الأميركية والدول الغربية.
وفي التسوية الموعودة ما يمكن ان يشكل قاعدة بحث بين سورية وأميركا على ما يسمى الضمانات للأولى إزاء ما تخشاه من استمرار السياسة الأميركية الضاغطة عليها أو على الأقل سياسة إدارة الظهر لقرار الرئيس الأميركي باراك أوباما الانخراط في الحوار معها، مقابل قرار دمشق انتظار ما ستقدمه لها واشنطن لاعتقادها بأن فشل السياسة الأميركية في المنطقة يوجب عليها ان تعطيها انفتاحاً بلا مقابل.
ثمة نافذة تتيحها التسوية السعودية – السورية لحصول دمشق على ضمانات، إذا جرت مقاربة الأمر ببعض التواضع. وإذا كانت القاعدة التي قررت واشنطن اعتمادها عند انخراطها مع سورية هي سياسة الخطوة مقابل الخطوة، بدلاً من الاتكال على وعود دمشق التي تعتبر واشنطن ان نتيجتها كانت خيبة الأمل، فإن بعض بنود التسوية يستأهل اعتبار ما تقدم عليه دمشق خطوة تتطلب مقابلها خطوة أميركية.
وإذا صح ان التسوية السعودية – السورية تتناول بين ما تتناوله الإشارة إلى وضع آلية من اجل معالجة قرار إزالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات (على رغم ان لا أحد يعرف مدى صلابة النص حول هذا البند في التسوية) فإن توجهاً كهذا مقابل موقف رئيس الحكومة سعد الحريري باستيعاب تداعيات القرار الاتهامي المحتمل عن المحكمة الدولية، يستحق التوقف عنده. فالجدية في معالجة هذا العنوان تعني تطبيقاً لأحد بنود القرار الدولي 1559 الذي لا تنفك واشنطن تلح على التزامه، إذ انه وارد في البند المتعلق بنزع سلاح الميليشيات غير اللبنانية. وحتى لو التزمت دمشق التسوية بهذا البند من دون الرجوع الى نص القرار، وسعت مع حلفائها اللبنانيين الى تنفيذه، فإنه تطبيق لهذا القرار الذي لا يبقى منه في هذه الحال إلا نزع سلاح الميليشيات اللبنانية. وهو أمر قرر اللبنانيون إحالته الى الحوار بينهم وسبق للإدارة الأميركية ان تفهمت هذه الإحالة.
خلاصة القول ان باستطاعة واشنطن ان تسحب من الدرج خطوة ما تقابل بها، خطوة دمشق في دعم تطبيق القرار الدولي، في سياق سعي الأخيرة الى الضمانات…
الجياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى