صفحات مختارةطيب تيزيني

حوار الثقافات

د. طيب تيزيني
برز مفهوم “حوار الثقافات” بمزيد من الوضوح مع الانهيارات الكبرى التي اجتاحت العالم وأسست للنظام العالمي الجديد، والطريف في ذلك أن هذا المفهوم أتى بفعل قلب لغوي، فالصيغة الأولى أتت ملازمة للصراع، بحيث كان التشديد على “صراع الحضارات” كبديل عن “الصراع الطبقي أو السياسي والعسكري وغيره”، وحين ندقق فيما أتى به هنتنجتون تحت عنوان “صراع الحضارات”، ونلاحظ أنه يتحدث عن الحضارات عبر ما يراه حاسماً فيها، وهو الدين يتضح لنا أنه – في ذلك – كان يعني الأديان التي تلفعت بها الحضارات الثماني التي تحدث عنها، وأهمها أو أخطرها هما الاثنتان الإسلامية والصينية.
لقد أتى هنتنجتون بمفهوم “صراع” الحضارات في سياق التبشير بالنظام الجديد، الذي واجه العالم بأنماط جديدة من الحروب، تبرز منها تلك التي تقوم على محاسبة الخصم عبر النوايا التي يملكها فهو صراع يستمر حتى “كسر العظام” دونما سماح لتدخّل وسائل أخرى تحل المشكلات مثل الدبلوماسية والسياسة، وقد عمل أصحاب القرار والرأي على تعميم مقولة الصراع والحرب والمنازلة في كل كبيرة وصغيرة، بحيث بات الأمر يهدد العالم والمهزلة اتسعت أكثر وغدت أكثر خطراً، حيث كان على رأس الامبراطورية الأميركية مجموعة من المهووسين كانوا يرون الكون من ثقب السلاح، وكان على العالم (ومايزال) أن يدفع الثمن غالياً، وإن برز مؤخراً صوت يحتكم بقدر أو بآخر للعقل والسلم وكذلك وإن اتضح أن حوار الثقافات وليس “صراع الحضارات”، هو الذي يقود إلى الحقيقة.
هكذا كان على البشرية أن تمر في طريق الحروب المدمرة قبل أن يحدث تحول ما في السياسة الأميركية على أيدي الأوباميين، وعلى رأسهم ذلك الرئيس، لقد كان حواراً حدث بين مجموعة من الباحثين والكتّاب السياسيين وثُلة من طلبة الدراسات العليا حول المسألة، التي ماتزال ملتهبة في عصرنا، نعني السلطة وآلياتها وآفاقها في الولايات المتحدة، واعتقد البعض أن الأزمة المالية التي نظر إليها باحثون وسياسيون على أنها قد تكون مدخلاً لخلخلة النظام الرأسمالي هناك، ها هي تباشير الفرج قد بدأت تفصح عن نفسها لتخيّب آمال أولئك المتفائلين في انهيار جزئي لذلك النظام: لقد أعلن بعض المتحاورين أن نظاماً سوسيو اقتصادياً من نمط ما يوجد في الولايات المتحدة وفي أوروبا الغربية، يكاد أن يكون قد أصبح متلازماً مع طبيعة العلاقات الإنسانية العامة، أو يكاد أن يكون قد حقق “طبيعة ثانية” ثابتة، بعد مرور مئات السنين على هيمنتها في الواقع الحياتي.
بالطبع ليس سهلاً الحسم في ذلك الأمر وأتت آراء مفادها أن الاعتقاد بانتهاء “الأزمة” أمر فيه شيء من التسرع أولاً، أو هو تفاؤل مصدره النظام الاقتصادي نفسه هناك ثانياً، ناهيك عن أن الكلام على نظام اقتصادي يتجاوز التاريخ وتاريخية الأحداث غير مستقيم ثالثاً، وقد توقف الحوار هنا ليأخذ طابع الحديث بلغة “شاهد على العصر”.
الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى