صفحات العالمفايز سارة

قوة الشباب والتغيير نحو المستقبل

فايز سارة
ثمة سؤال تطرحه نهاية العام 2010، يتعلق بما ظهر خلاله من حراك شبابي هز العالم في العديد من البلدان، حيث طرح الشباب قضايا وتحركوا من أجلها ساعين من أجل تحقيق تقدم على أكثر من صعيد، وفي سياق ذلك، جاءت التحركات الشبابية الاخيرة، والتي شملت بلداناً، كانت منها بريطانيا وتركيا واليونان والعراق ومصر، التي طرحت عدداً من القضايا، ثم اتبعتها بإجراءات سعت من خلالها الى تحقيق خطوات عملية على طريق انجاز تلك القضايا او التأثير عليها في مرحلة اولى.
كان بين التعبيرات الابرز حراك الشباب من طلبة الجامعات البريطانية، وهدفه مواجهة خطط الحكومة البريطانية السماح للجامعات رفع سقف الرسوم الجامعية الى ثلاثة اضعاف، مما يجعل من الطلاب مدينين لفترة طويلة من حياتهم من اجل تسديد ديونهم بعد تخرّجهم وانخراطهم في سوق العمل، والتي ستكلف لثلاث سنوات من التعليم الجامعي أكثر من سبع وعشرين ألف جنيه استرليني رسوماً، تُضاف إليها آلاف أخرى لتغطية إيجار السكن وتكاليف المعيشة خلال فترة ثلاث سنوات دراسية.
ورغم قوة الاحتجاجات الطلابية التي حولت شوارع لندن الى ساحات مواجهة بين الطلاب والشرطة، فإن الحكومة استطاعت تمرير الخطة الحكومية في مجلس العموم، لكن ذلك ليس نهاية المطاف كما رأي قادة الطلاب، لأن ثمة نتائج سياسية، سوف يفرزها الحراك الطلابي على الوضع السياسي عموماً وعلى الائتلاف الحكومي بين حزبي المحافظين والديمقراطيين الاحرار، ذلك ان الثاني كان قد عارض رفع الرسوم الحكومية، عندما كان خارج الحكومة، لكنه بدل موقفه لاحقاً، مما سيرتب تغييرات على الموقف منه ليس من جانب الطلابي فحسب، وانما من اوساط أخرى عندما تتم انتخابات برلمانية مقبلة، لان الحزب لم يلتزم تعهداته امام الطلاب والجمهور. وكان التعبير الابرز عن هذا التحول ماقاله آرون بورتر، رئيس الاتحاد الوطني لطلاب بريطانيا “هذه ليست النهاية، وتظاهراتنا وعملنا أطلقا موجة جديدة من النشاط الذي سينمو بشكل أقوى يوماً بعد يوم… إننا مستعدون للقتال معاً في المرحلة المقبلة من هذه الحملة. إن مستقبلنا على المحك”.
والمسار الثاني في الحراك الشبابي، تمثله تحركات شباب يونانيين وأتراك، هدفه اخراج البلدين والشعبين من انسدادات سياسية، تكرست بين البلدين والشعبين عبر أكثر من ثلاثة عقود مضت منذ الازمة القبرصية، وعرفت تصاعدات وصلت حد المواجهات العسكرية بين البلدين رغم ما بينهما من روابط جوار ومصالح، تدفع نحو تقاربهما والميل الى معالجات سلمية للمشاكل القائمة بينهما، وهو مايسعى للقيام ببعض الجهود فيه الحراك الشبابي في البلدين، والمؤلف اساساً من شباب حقوقيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان وصحافيين وباحثين متطوعين، ينتمي معظمهم أيديولوجياً إلى اليسار وجماعات مدنية وحقوقية، وتشكل النساء أكثر من نصف المنتمين الى هذه المجموعات، التي تركز في لقاءاتها المتصاعدة في خلال السنوات الخمس الماضية على مناقشة قضايا إنسانية وحقوقية مثل أوضاع طالبي اللجوء السياسي في البلدين، وأحوال الحدود والعبور من تركيا إلى اليونان، ومعاملة رجال الأمن في البلدين لطالبي اللجوء، إضافة إلى أوضاع الأقليات في البلدين، وقد اصبحت تلك الانشطة ذات اثر ملموس من الناحية العملية، وصارت التقارير التي يصدرها الناشطون مصدراً مهماً للمعلومات حول هذه المسائل.
لقد أدت هذه الانشطة الى قيام منظمات المجتمع المدني ولاسيما في اليونان بتقديم خدمات مادية وثقافية وحقوقية متعددة للمهاجرين واللاجئين، وعززت تبادل الزيارات بين البلدين، وساهم وجود حكومتي باباندريو الاشتراكية في اليونان وأردوغان في تركيا في نمو هذه الظاهرة الإيجابية، إذ كانت للرجلين مبادرات تقارب وتفاهم بين البلدين في السنوات الماضية، ساهمت بالتأثير على نشاطات الشبان وتعزيزها، وقربت من خلال اللقاءات والمؤتمرات اعمال جمعيات الشباب الحقوقية والإنسانية المسافات على ضفتي بحر إيجه، بعد عقود من الغموض والحذر بالنسبة للمهتمين بهذه الموضوعات، ولعل هذا أكبر حسناتها وأهم دواعي استمرارها.
ومجريات المسار الثالث في الحراك الشبابي، تواصلت في العراق، حيث نشط شبان عراقيون في المنتديات الالكترونية وفي موقع فيسبوك للتعبير عن آرائهم في مناصرة الحريات المدنية التي انطلقت في بغداد، اثر قرار مجلس محافظة بغداد إغلاق محال المشروبات الكحولية والنوادي الليلية في العاصمة العراقية والذي سبقه صدور قرار من وزارة التربية بغلق قسمي الموسيقى والمسرح في معاهد الفنون الجميلة، الامر الذي اعتبره البعض تعدياً كبيراً على الحريات العامة والفردية في العراق وبداية خطيرة لمصادرة الحريات الفردية وفرض نمط معين من العيش، وقد ساند الشباب العراقيون من الجنسين هذه الحملة بصورة واسعة على الشبكة العنكبوتية وفي برامج متلفزة مبرزين عبارات ومقارنات حول الوعود التي قدمها السياسيون العراقيون لجهة تأكيد وصيانة الحريات العامة في العراق، خلافاً لما يجري من تضييق على الحريات.
وركز كثير من الشباب على التنوع والتعدد القائم في العراق والذي يفرض جواً من مراعاة المختلفين بدلاً من الذهاب الى فرض سلوكيات وآراء تجبر الآخرين، وأشاروا إلى الاثار الاجتماعية والسياسية التي يمكن ان تترتب على التدخلات الجارية اضافة الى تأثيرها السلبي على الحقوق العامة التي يضمنها الدستور والقانون في العراق، واضاف كثير من الشباب، أن الصمت على ما يجري في مسه بالحريات سيؤول بالنهاية إلى تطاول أكثر مالم يوضع له حد.
وثمة مسار رابع من الحراك الشبابي تمثله نشاطات شبان مصريين في مواجهة الفساد، وما يتركه من أثر في الحياة المصرية. ويركز الشباب على ما يتركه الفساد من نفوذ متنام لرجال المال والاعمال، يشجعهم على ارتكاب اخطاء وتجاوزات، لاتتم محاسبتهم على ارتكابها، لأن الفساد، يجعلهم خارج أطر المحاسبة، بحيث يلعبون في الحياة العامة والاسواق، فيولودون الفساد مجدداً، ويوزعون السلع الفاسدة في الاسواق مستغلين حاجة الناس وفقرهم، ليكدسوا ثروات فوق ثرواتهم.
وتتعدد مسارب الحراك الشبابي المصري موزعة مابين الكتابة على المواقع الالكترونية واللقاءات المباشرة، التي دخلت الجهات الرسمية على خط تنظيم بعضها مثل وزارة الدولة للتنمية الإدارية ووزارة التربية والتعليم بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة في محاولة للوصول إلى حلول هدفها تطويق الفساد الذي اعترى مظاهر الحياة اليومية.
خلاصة القول، ان ثمة ظواهر ومظاهر متزايدة في كثير من دول العالم وفي منطقتنا، يسعى الشباب من خلالها الى تكريس اشكال متعددة من حضورهم في التصدي للشؤون العامة وظواهر الاختلال السياسي والاقصادي والاجتماعي والثقافي في المجتمعات ومعالجتها مستغلين في ذلك وسائل متعددة، تؤدي دورها سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة باتجاه الهدف، وهو ما يعزز حضور الشباب قوة في التغيير نحو المستقبل.
الوطن العمانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى