زين الشاميصفحات العالم

السودان… حين تهرب الحكومة إلى الدين

زين الشامي
قالوا قديما «الدين لله والوطن للجميع»، وهي عبارة وصيغة سياسية فلسفية تناسب كثيرا تلك الدول التي يعيش على أراضيها مواطنون من أديان وطوائف ومذاهب واثنيات مختلفة ومتنوعة، وهي عبارة لم تأت عبثا أو من فراغ، لأنه في القرنين العشرين والحادي والعشرين، لا بل منذ الثورة الفرنسية وانتشار مبادئ حقوق الانسان، أصبح من غير المعقول ان تعامل الحكومات بعضا من أبنائها على أساس انتماءاتهم الدينية والمذهبية أو حسب جنسهم سواء أكانوا ذكورا أم أناثا، او تصنفهم تبعا لقناعاتهم الفلسفية واتجاهاتهم الفكرية والسياسية، ان ذلك من شأنه ان يتعارض مع حقوق المواطنة التي كرستها جميع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان والمساواة بين البشر.
مناسبة هذا الكلام التطورات الاخيرة في السودان حيث أعلن الرئيس عمر البشير أن الشريعة الاسلامية ستصبح المصدر الرئيسي للدستور السوداني في حال انفصال الجنوب بعد الاستفتاء المقرر في التاسع من يناير/كانون الثاني المقبل على حق تقرير مصير جنوب السودان. ويتضح من اللهجة والسياق العام لهذا الموقف، انه أتى كردة فعل على تطورات ميدانية تحدث على الأرض، ولم ينبع من خيار ومطالب شعبية أفرزتها عملية ديموقراطية، أي أن الرئيس السوداني لم يخرج بهذا الموقف بعد مطالب شعبية واتجاهات عامة للرأي العام تؤيد مثل هذه التوجهات المصيرية، كما تجري العادة في
البلدان الديموقراطية حيث لا يملك المسؤول سلطة تغيير الدستور حسب أهوائه ومزاجه، او تبعا لردة فعل غاضبة على مجموعة سكانية معينة او حزب سياسي ما. ان الدستور وتغييره او تعديله، عملية في غاية الصعوبة وتحتاج الى اجراء انتخابات شفافة ونزيهة، بعدها يتحمل الشعب مسؤولية خياراته.
ثم من ناحية أخرى، هل يجوز ان يتحول الدين الى «عصا» نهدد فيها الآخرين الذين لا نتفق معهم او لا يتفقون معنا أو لا يريدوننا؟ إن ما أتى به وما فهم من كلام الرئيس السوداني، حيث قال إن الشريعة ستصبح المصدر الرئيسي للشريعة الاسلامية
بعد انفصال الجنوب وانه «اذا اختار الجنوب الانفصال سيعدل دستور السودان وعندها لن يكون هناك مجال للحديث عن تنوع عرقي وثقافي وسيكون الاسلام والشريعة هما المصدر الرئيسي للتشريع» نقول ان ما فهم من كلام البشير، يبدو كما لو أن المراد منه القول، «اننا في شمال السودان ونكاية بتوجهات الجنوب الانفصالية فسنعمل على تطبيق الشريعة الاسلامية».
ان ذلك ما كان يجب ان يقال، لأن الدين الاسلامي أسمى من أن يستخدم للتلويح او التهديد بتطبيقه، كما انه أنبل من المواقف السياسية والخلافات الآنية بين الشمال والجنوب، ان الدين يفترض ان يعامل على أنه علاقة ايمانية خاصة بين الفرد وربه الأعلى، ولا يجب اقحامه في الحياة السياسية اليومية. ان الدين لا يهدد به بل يتسلل من تلقاء نفسه الى القلوب.
لم يكتف الرئيس السوداني بذلك بل دافع عن رجال شرطة أظهرهم تسجيل على موقع يوتيوب على شبكة الانترنت وهم يجلدون امرأة، وقال «انه لا يجري تحقيق في حالة جلدها وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية». بغض النظر عن الموقف من موضع جلد المرأة، وهو موضوع وقضية حساسة جدا بالنسبة للرأي العام العالمي والنظرة عن العرب والمسلمين، نقول انه بغض النظر عن ذلك، فإنه من الصعوبة التسليم والقبول بما قاله البشير لأنه يحمل تناقضا كبيرا، لأن من يهدد بتطبيق الشريعة الاسلامية يفهم من كلامه ان الشريعة غير مطبقة، وان القوانين التي تطبق ليست هي ذاتها قوانين الشريعة، وطالما كان الوضع على هذا النحو، فكيف يعود ويقول انه لا يجري تحقيق في حالة جلدها وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية؟
من ناحية ثالثة، كلنا يعرف ان فرض الشريعة الاسلامية على الجنوب غير المسلم كان احد مسببات الحرب الاهلية التي لم تنته الا بالتوقيع على اتفاق نيفاشا للسلام عام 2005. وان ذلك شكل ذريعة أساسية لمطالب سكان جنوب السودان بالانفصال عن الشمال. واليوم تقول المعارضة السودانية ان البشير يهدف من وراء ذلك، اي التهديد بتطبيق الشريعة الاسلامية، ان يصادر الحريات ويحول السودان الى دولة بوليسية باسم الاسلام. وعليه فنحن أمام مواقف جديدة من الشمال ذاته، ومن كل الاقاليم التي يتشكل منها السودان ضد تصريحات الرئيس البشير، ما يعني ان هناك وجهات نظر مختلفة عن وجهة نظر الحزب الحاكم ورئيسه. ان ذلك يستدعي التساؤل عن الشرعية التي تخول البشير القول انه سيعدل الدستور، لانه كما قلنا سابقا لا يمكن تعديل الدستور الا بعد عملية ديموقراطية يحدد الشعب خياراته وشكل الحكم الذي يريده ويناسبه.
هذا ما يجب ان يكون، لكننا ومع كل أسف نعرف تماما أن الكثيرين لا يعيرون قيمة للدستور ولا للديموقراطية ولا لرأي الشعب وما يريد، هم يعتقدون انهم يختزلون كل شيء وانهم دائما على حق.
لكن لا هم ليسوا على حق، فقبل البشير، كان هناك قبله رجل اسمه صدام حسين يحكم دولة كبيرة وقوية وغنية اسمها العراق..ثم… انتم تعرفرن البقية.
كاتب سوري
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى