صفحات الناسفراس سعد

المريض السوري 2 : أخاف على خوفكم عليّ

null
فراس سعد
“يا روح روحي و سلمي على حبابنا ….” موّال لبناني سوري قديم …و يزغرد من بعده بزق الأمير الكردي يشعل ليلي و ليل دمشق في عينيّ و يحرق غرفتي فأقوم واقفاً لأدبك وحيداً دونما صاحب أو صاحبة أدبك على ساقي المصابة ليس في حرب ، أو لعلها الحرب …… قادمة، كذلك ليلنا الطويل آت و هو يذهب أيضاً ، ذهب الكثير منه لم يبق سوى أصعبه، كلما تباطأ كلما كان سهلاً، كلما اشتدّ كلما مرّ أسرع .
أقلقني حقاً خبر تناقلته مواقع الإنترنت عن أضراب في سجن صيدنايا بسبب سوء الأوضاع هناك , أتمنى من كل قلبي ألاّ يتكرر ما حصل سنة 2008 من استعصاءات ثلاثة راح ضحيتها العشرات من السجناء و الشرطة و أتمنى من السيد العميد طلعت محفوظ أن يدير المسألة بحكمته المعهودة التي كانت سبباً في إخراجنا من صيدنايا أحياء تحديداً في الإستعصاء الثالث – كانون اول 2008، فالسجين عموماً لا يريد أكثر من معاملة إنسانية و طعام مقبول و شمس و هواء و زيارة يحترم فيها هو و أهله وكتاب ، و لن أقول ماء ساخن أو تلفزيون أو.متابعة التعليم الجامعي.. و كلها مسائل ممكنه و ليست مستحيلة , آملاً منه تفويت الفرصة على من يريد جر السجن إلى مجزرة جديدة و خصوصاً بعض الأنانيين من المساعدين و الفسافيس السجناء الذين يفعلوا أي شيء من أجل مصلحتهم الخاصة و هذين العنصرين المساعد الفاسد و السجين الفسفوس كانا السبب الأساسي لما حصل في صيدنايا من أحداث دامية سنة 2008إضافة لسوء الإدارة .
لم تقلقني الورقة التي ألصقت على باب بيت أبي بعنوان ” مذكرة حكم تنفيذية”الصادرة عن محكمة أمن الدولة و فيها قرار تجريمي ” بجناية النيل من هيبة أمن الدولة و من الشعور القومي بنقل أنباء من سورية يعرف أنها كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة و الحكم عليه من أجل ذلك بالإعتقال المؤقت مدة أربع سنوات ….” .
أجمل تعليق على قضية الأنباء الكاذبة كان من أحد رفاق صيدنايا الظرفاء قال لو أنها كاذبة لما سألك أحد عن الكحل بعيونك خصوصاً أنهم يكذبون علينا منذ ال 48 – أي منذ تأسيس الدولة السورية تقريباً -، لقد حكموك يا صديقي لأن أنباءك صادقة لكن ليس صادقة فحسب بل مؤلمة . أما قصة ” توهن نفسية الأمة ” فلقد عرفتم و لا شك من هو المسؤول عن هذا الإحباط العربي الممتد من المحيط إلى الخليج ؟ أنا المسؤول عن هذا الوهن و الضعف الوطني و القومي، الذي يضرب أطنابه طولاً و عرضاً ؟ أنا و أمثالي طبعاً …
و لم تقلقني كثيراً السيارة التي صدمتني مساء يوم الجمعة 3 -12 بالقرب من باب شرقي في دمشق و نجم عنها رضوض في ساقي اليسرى و صعوبة في المشي ، رغم أن ما أقلقني هو السائق الذي هرب تاركاً أياي على الأرض السوداء فاقداً الوعي لدقائق خلتها حلماً ، ثم عاد ليعتذر بعد بضع ساعات حينما علم بطريقة ما ، أني اشتكيت لقسم الشرطة في مشفى المجتهد فأصرّ على أخذي إلى مشفى آخر قائلاً أنه كان مضطراً لتركي و الهرب فقد كانت إلى جانبه أبنة المعلم و هي مصابة بمرض دماغي”. و هناك تعرفت على صاحب السيارة ” معلمه ” الذي ادّعى أنه ممثل في التلفزيون ، مثّل في مسلسل أبو جانتي و أراني صورة على الموبايل تجمعه و الفنان سامر مصري ( أبو جانتي ) كنت أرغب بالقول له أن أخلاق سائقك لم تتأثر على ما يبدو بالمسلسل المذكور حيث يبدو فيها بطل المسلسل سائق السيارة على درجة عالية من الرفعة و يبدو أبو جانتي شهماً ذو نخوة و لا يمكن أن يترك رجلاً صدمه بسيارته في عرض الطريق و يولي الأدبار كاللصوص و المجرمين ، صاحب السيارة الني صدمتني عرض علي هدية طبعاً مقابل تنازلي عن الشكوى فقلت له اعتبرني تنازلت و لا أريد منك شيئاً ثم لمّا علم أني كاتب قال ” أستاذ ليش ما بتكتب مسلسلات ؟ ترى هي بيعطوا عليها ملايين ” هنا ضحكت رغماً عني رغم ألمي ، و قلت له في سرّي يا أخي نحن هواة الفقر نرضى بالملاليم ، المهم اتركونا نعيش .
لا أنسى هنا أن أتمنى الشفاء لابنة ” المعلم ” في حال كانت فعلاً مريضة ، أقولها صادقاً من قلبي . و لكل المرضى بالروح و الجسد .
أكتب على أنغام الدلعونا و الميجانا و موال حبيبي من بعد الفرقة عود و ابعتلي من صدرك وعود و لا تنسى بلادنا الحنوني …. مختلطة مع ترانيم عيد الميلاد أعاده الله على الجميع بالخير و السلام و المحبة
لقد أقلقني حقاً ثلاثة من أصدقائي الجدد نصحوني بالسفر ، أنا قلق لأنهم يرون أنه لا أمل لي أو لهذه البلاد في شيء من الحياة الحرة الكريمة بحياة آمنة شريفة، لا أمل إلا في السفر ، أشكر خوفهم عليّ ، لكني أخاف على خوفهم أن يأخذهم و يأخذنا إلى أماكن لسنا مضطرين أن نذهب إليها لو أنّا نمتلك قليلاً من الهدوء من الشجاعة ،
متى كان السفر حلاً ؟ هل يسافر الشعب السوري كله ؟ من سنترك في هذه البلاد – أتذكر المبدع ياسر العظمة في سكيتش السفر و المسؤول من ضمن مسلسله مرايا – أنا يا أصدقائي لا أستطيع السفر فهنا أحبتي هنا أهلي هنا حبيبتي و أنا أحب دمشق أحب اللاذقية و طرطوس أحب حمص و السويداء و الجزيرة أحب الجبل و البحر في بلادي، أحب لهجاتنا القريبة إلى القلب : أين سأسمع الشامية السلسة الخفيفة كحفيف الروح أين سأسمع الساحلية بقافها المشبعة و موسيقاها الدافئة كلغة القلب ؟ أين سأسمح لهجة جبل العرب الآسرة بنغمتها الحنونة و لهجة الحلبي الممتلئة رجولة و ودّاً؟ أين سأسمع العربية الكردية الظريفة ؟
هل تصدقوا أني ما عدت أكره شيئاً أو أحداً في هذه البلاد حتى الجلاد الذي صفعني في الزنزانة ما عدت أكرهه والجلاد الذي كان يضربني على رأسي طوال عشرين يوماً ما عدت أكرهه , حتى الذي صدمني في سيارته و هرب لا أكرهه بل أشفق عليه حقاً , حتى حبيبتي التي تركتني لا أكره فعلها فلربما كانت مضطرة لذلك .
خرجت من السجن في سلام داخلي يشبه سلام الماء مع الضوء , خرجت من ذلك الجحيم بنقاء أحسد نفسي عليه، محباً حتى لمن يجعلون أنفسهم أعداءً لي أو خصوم و أنا لا يمكن أن أعاديهم، بل لا يمكن إلا أن أحبهم .
سلام لبلادي و لأهل بلادي فأنا لا أريد تركهم أريد أن أبقى قربهم أحيا بدفئهم و فقرهم و خوفهم , فهؤلاء مني و أنا منهم ….
و السلام في ذكرى رسول السلام لأهل المحبة و الحب و السلام.

فراس سعد
سورية العزيزة 15- 25كانون اول 2008
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى