صفحات سورية

سوريا بين الكركدان والأرانب

null
وليد خليفة ـ باريس
بالقرار غير الحاسم والخجول والمرتبك ، الذي اتخذه المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا ، علي صدر الدين البيانوني ، بالانسحاب من جبهة الخلاص الوطني المعارضة للنظام في سوريا ، يكون البيانوني قد أطلق رصاصة ، لا يستهان بمفعولها على الجبهة التي يقودها النائب السابق للرئيس السوري ، السيد عبد الحليم خدام  ، ولكنها رصاصة لا تميت ، وما لا يقتل هذه الأيام ربما يزيد قوة ومناعة ، أو كما يقول المثل ” الضربة التي لا تقتل ، تقوّي ” أو ربما تعوّر ، لنر إلى الأيام القادمة .
القرار الذي أعلنته جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ، أيام حرب غزة ، بتعليق أنشطتها المعارضة ، كان بداية خجولة لما سيأتي من قرارات ربما تنهي حالة القطيعة بين سلطة أشبه بالكركدان وأحد أطراف الصراع على السلطة في زمن مضى ، ما زال يملك وبفعل كراهية الناس للسلطة الموجودة تعاطفا شعبيا ومحبة بفعل الكراهية المستشرية للنظام ، حولته المحبة والتعاطف إلى مركز ثقل داخل سوريا وفي أوساط السوريين في الخارج ، ولكن في ظل العودة المرجوة التي يحلم بها قادة الإخوان برفقة عرّاب الحركات الإخوانية ، وقاضي قناة الجزيرة القطرية ، الشيخ يوسف القرضاوي ، المصري سابقا والقطري بعد حلول النعم واحمرار الوجنات  ، والجزائري بعد الزواج العشقي من ابنة قسنطينة الغالية التي تصغر أبنه ، الشاعر عبد الرحمن بسنوات ، بعد هذه العودة “المحمودة ” والمأمولة التي  ـ لا علاقة لها ب” محمود ” بكل أنواعه ، ولا بأمل أو آمال أو مأمون وحتى أمين ، أية صلة بالعودة إياها ـ هل يظن قادة الجماعة أن صدور السورييين ستبقى مفتوحة لهم ؟، وماذا تقول سنوات التجربة المرة ، السنوات العجاف التي مارسوا إلى جانب جحافل النظام من ميليشيات سرايا الصراع والدفاع والموت ، عمليات القتل الطائفي العشوائية ، وظلت في رقبتهم دين شراكة سنوات عجاف ، لم يتغير أطراف المعادلة والصراع  في معايير الجماعة ومعايير السلطة  ؟
التجربة المرة والدامية ، التي عاشتها سوريا في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ، كانت إيذانا بطلاق بائن ـ بينونة كبرى ـ  بين السلطة والجماعة ـ الإخوان المسلمون ـ واستمر هذا الطلاق ، حتى اتفقت قيادة الإخوان في مصر ، بقيادة صاحب ” الطزات الثلاث ” ، مهدي عاكف ، على بيع جَمَل الحركة بما حَمَلْ ، للطرف الإيراني ، عن طريق الوسيط القطري المصري سابقا الجزائري آنفا ، شيخ الجزيرة ، يوسف القرضاوي نفسه ، فما كان من توابع الحركة الأم ، القابعين في عاصمة الضباب ، لندن ، إلا القبول بعرض القطري  المصري الجزائري ، وبالأسعار العالية ، خاصة أن الأزمة الاقتصادية ، أثرت على قيادات الحركة في المنافي ، ووصلت إلى درجة أن ابنة أحد القيادات الأمامية للجماعة ، تحولت إلى مادة إعلامية للصحف البريطانية بعد أن ظهرت كنادلة في الحانات الليلية .
أول علامات الانتصار الإلهي ، الذي أهداه خالد مشعل إلى بشار الأسد ومن ثم إلى ” ولي أمره ” مرشد ملالي إيران ، محمد خاتمي ، كان قرار الجماعة في سوريا ، تعليق أنشطتها المعارضة للنظام  ، ومن ثم الزيارة المرتقبة لمراقبها العام إلى سوريا برفقة القرضاوي نفسه ، هذه الزيارة التي ستنهي حقبة من تاريخ الجماعة ، اتسمت برفض متبادل بين الطرفين ، الجماعة والإخوان ، لدرجة أن مادة من مواد القانون السوري ، يحكم بالإعدام على كل شخص تثبت عليه تهمة الانتماء إلى الجماعة ، وأن الشعار اليومي المكرر في مدارس سورية والتي كبر عليه أجيال كثيرة ينتهي ” بعهدنا … وأن نسحق أداتهم المجرمة عصابة الإخوان المسلمين العميلة ” وأن أكثر الكتب طباعة وتوزيعا في سوريا من قبل أجهزة السلطة في سوريا ، هو الكتاب العقائدي ” الإخوان المسلمون نشأة مشبوهة وتاريخ أسود ” وأما شعارات الإخوان داخل سوريا ، والتي يتبادله المحسوبون على مناطق انتمائهم ، والتي تتداول همسا وفي الغرف المغلقة وخلف الجدران ، بأن العدو العلوي الكافر المجرم ، والنصيرية المجرمين ، وأن يوم الفئة الضالة الكافرة ،النصيرية العلوية ، لقريب ، ولن نرحم طفلا أو امرأة أو شيخا منهم ، فكيف سيكون شكل الصلح بين طرفين وصلت الأمور بينهم إلى هذه الحدة ، عداك عن الدماء والمفقودين الذين تطول القائمة بهم .

العودة الإخوانية المرتقبة إلى سورية  تشير إلى ثلاث وقائع ستحصل ، أولهم : أن الجماعة ستتحول إلى أرنب من أرانب الحياة السياسية في سوريا ، حالها حال أحزاب الديكور المهلهل لواجهة السلطة ، الذي يطلق عليه اسم ” الجبهة الوطنية التقدمية  ” وفي سباق السلطة بين أرانبه يكون دائما الفوز للكركدان ” البعث ” ، بحكم أفضلية الكركدان السوري على الأرانب الأليفة ، التي لا تنفع إلا لطبخة الملوخية بالأرانب ، المفضلة لدى  خالد مشعل .
انسحاب الجماعة من جبهة الخلاص الوطني ، يفقدها الكثير من القوة ، وهي ضربة مؤلمة للجبهة ، ولكنها لن تنهي الجبهة ، فوجود النائب السابق وحنكته وتطور الوعي السياسي لدى بعض الكتل السياسية المعارضة ، قد يؤدي إلى وثبة أخرى في تاريخ جبهة الخلاص ، وعودتها إلى الواجهة بعد تعافيها السريع من أثر السقوط الإخواني المريب .
لا تستطيع السلطة ، وفي ظل الظروف الحالية التي تمر بها ، وفي ظل الفوضى والارتباك والفساد واللامحسوبية والانهيار التصاعدي ، التي تعانيه بفعل العزلة الدولية ، والأزمة الاقتصادية العالمية ، وقرب موعد المحكمة الدولية المختصة في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ، عن تحقيق أي مصالحة وطنية ، أو فتح أي صفحة من الصفحات القديمة ، وخاصة الصفحات الأكثر سوادا من عمر صراعها مع الجماعة على السلطة ، وهي عاجزة تماما عن فتحها ولو شكليا وللاستهلاك الإعلامي وجبر الخواطر ، وبالتالي تفقد العودة الإخوانية أي بريق لها ، ولا يمكن توظيفها من قبل الطرفين ، الجماعة و السلطة ، إلا بشكل تآمري يتقنه الطرفين ويشهد على ذلك تاريخهما ، وبالتالي ستكون المصالحة هشة ، سرعان ما ستؤدي في حال انكشاف أمر تآمرات صغيرة من قبل قادة الجماعة لجبر خواطر ضحاياها أو تقوم بها السلطة لإثبات فحولتها الطائفية إلى إعادة الخراب إلى سوريا بعد خراب جزئي على رأس الطرفين المتصارعين المتصالحين مؤقتا ، وبالتالي يدفع المواطن السوري ثمن خيبة أخرى من خيبات السلطة الديكتاتورية وأحزاب تغييب الفكر والمصلحة العامة لصالح التآمر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى