صفحات ثقافية

رد على مقالة سليم بركات “إنها ليست الأندلس يا يسوع”: ثقافتنا ليست مسرحاً لمجازر “سيفو” أخرى يا بركات

null
نينورتا داوود
طالعتنا جريدة النهار بمقال للكاتب والروائي والشاعر سليم بركات بالعنوان المذكور أعلاه, الذي صنع لنفسه اسماً مرموقاً في عالم الأدب العربي, وعرفناه ذاك الإنسان الذي ذاق ظروف الحياة القاسية كما يقول في طفولته فحمل هم الإنسان المليء حباً وشغفاً وطموحاً يريد أن يحطم أصنام الاستعباد والقهر بفكره وأحلامه سلاحه لغته. وعرفناه حاملاً لرؤى الإنسان النابض بالعزم من جهة, ومدافعاً عن المظلومين في أي مكان من جهة أخرى. لكن هذا الذي طالما أسكرنا بلغته الرقراقة الحسَنة السبك الفائقة العذوبة, ظهر أنه يتحدث عن شعبه الكردي تحديداً, وليس السوري بحكم كونه سورياً, في رحلة عذاب واضطهاد. عندما كنت أقرأه كنت أمتليء عطفاً على شعب مقهور اضطهده الأتراك في مرحلة الصراع التركي الفارسي. هذا ما اعتقدته على الأقل, فالأكراد لم يتعرضوا لأي اضطهاد سوى من الأتراك العثمانيين ثم من الصفويين عندما تحالفوا مع العثمانيين وهذا ما سوف نراه لاحقاً. فكانت مسارح اللجوء هي الشمال السوري العراقي الذي احتضنهم كما احتضن كل من لجأ إليه من اضطهادات الدولة العثمانية وحماهم كالأرمن. هذه الأرض التي احتضنت الأكراد أول الأمر كلاجئين هي التي احتضنت سليم بركات وإبداعاته الأدبية الأولى فعشش بركات في داخلنا كما عشش الأكراد داخل أراضينا ومجتمعنا آمنين متآخين. لكن ذكائي خانني, وإحساسي بالعطف تحول إلى لغز أبحث عن أجوبته. والفضل في هذا التحول, هو سليم بركات في طبعته الأخيرة التي حكمت على نفسها بالإعدام الأدبي في ذاكرتنا الحضارية ليتحول إلى شيء بغيض.. منصهر إلى درجة التماهي في نار الحقد على كل ما هو عربي.. معمي القلب إلى درجة الظلام الكامل تسود كتاباته حول عنصرية أطلقها على الشعب السوري لم يعرفها الشعب السوري (وهذا وضح عندما قرأت له دينوكا بريفا الفتاة الكردية المضطهدة في الجزيرة السورية اعتقدت لفرط سذاجتي أنه قصد بها فترة العثمانيين لكنني اكتشفت أنه يتحدث عن بدو يلاحقونها لقتلها! ومن هم هؤلاء البدو؟!).. ماسكاً بالخنجر المسموم بالسم الصهيوني ضد كل ما هو مسلم ليطعن به قلوبنا جميعاً. صدمة, عشتها وأنا أقرأ تلك المقالة وعاشها العديد من المثقفين ومن معجبيه الكثر من العرب. وإن كم الحقد والكره والتزييف المثير للغثيان الذي وجدته فيها استدعاني للوقوف عندها مطوّلاً وتفنيدها والرد عليها, عسى هذا يقدم فائدة للأجيال القادمة حتى لا يجري تلويثها بإشعاعات فكر بورصة العهر العالمية التي يربح أسهمها كل من يصوب سهامه ضد العرب وضد المسلمين. ولنبدأ:
ملاحظة: كل ما بين قوسين هو كلام الكاتب صاحب المقالة.
–    يتحدث بركات في المقدمة عن تلميذين سوريين يهوديين يشعران بالتمييز حيث لم يكن لليهودية امتحان خاص, لكنه يعود فوراً بالذاكرة ليقول عن الحي اليهودي في القامشلي: “لكن لم يحاصر أحد كنيسهم الوحيد في المدينة بدعوى حشدهم أسلحة لتفتيت الدولة بعد انتصار بني جلدتهم..”. ثم يقفز بنا إلى مرحلة الثانوية التي كانت بلا يهود, اختفى يهود القامشلي فيعطينا الجواب فوراً تبرعاً منه: “ولا حاجة بنا لتخمين أين سيظهر الذين أحكمنا عليهم إقامة في الشبهة: لقد عادوا عبريين برشى الدولة العبرية للأتراك.. إلى بني جلدتهم”. لكنه لا ينسى في معرض حديثه هذا أن يغمز إلى (عنصرية العرب الشوفينية) بقوله: “والعروبة المختارة نقاءً يُنكر أعراقاً أخرى في أرض لم تتكلم العربية قبل الغزو العربي”. وهذا لغاية في نفسه سوف نوضحها لاحقاً.
–    ثم يعرض لنا بركات النفاق الإسلامي على أيدي “فقهاء الخفة” ويجعلهم مُختارين عنصريين “الأمر بتبسيط هو نزوع المُختارين إلى التسيّد حكماً وأحكاماً, الهدنة المستورة بنفاق التسامح تنهض ثانية هدنة معلنة”. هنا يبدأ بركات بالإشارة إلى تفجيرات كنيسة الموصل في العراق التي جرى فيها اتهام التنظيمات التكفيرية الإسلامية “أمراء جماعات التكفير أطاحوا الهدنة وقوّضوا التصالح, هم الآخرية التي أوجب الله بها خضوع الآخر بيقينه أو بجزية تُجبى”. ثم يلقي هذا الفكر الدميم الذي تتبناه مجموعات محددة تدّعي الإسلام على كل الدين الإسلامي (الإرهابي): “طائرات متفجرة, أحذية متفجرة, أجساد متفجرة, تلك هي الرسالة”. ثم يحدثنا عن (رقيّ) بلاد الغرب المسيحي في المقابل بالتعامل مع هذا المسلم الإرهابي الدموي “لقد قدم الغرب المسيحي للمسلم المهاجر من بلده طوعاً أو كرهاً تغاض عن تبشير المؤسسة الإسلامية.. السعة على عمارة المسجد.. طعاماً حلالاً وزياً براقع وحجبا, وأتحفه بحرية كحرية أهله وحقوق كحقوق أهله وكرامة أمام القضاء ككرامة أهله”. ثم وبخباثة رشيقة يبرّيء كل الأديان من الجرائم ضد الإنسانية إلا الإسلام ضارباً بكل مجازر إسرائيل عرض الحائط “لم نسمع بيهودي أو مسيحي أو بوذي حمل نكال يقينه قنبلة في الجيب إلى سوق بلد مسلم, لم يجرّد غارة بطائرة تسقط على من تسقط, لم يفجّر نفسه في حافلة طريق”. ثم يصور الصراع كأنه صراع بين إسلام همجي ومسيحي متحضر “الكون المسلم يصرف حقد شعوبه صوب المسيحي صرفاً به عن هولة الاقتصادي”. ثم يطلق العنان لحقده الدفين بتعميم حادثة قبيحة مثيرة للاشمئزاز على الشخصية العربية وبتبرئة الأميركي من الجرائم ضد المسيحيين “لا يُسأل الأميركي الغازي بل يُسأل كيف انكشف الغطاء عن شيطان من صناعة أم المكان وأبيه, كراهية تُلمس مكتملة الجوارح قروناً لم يأتِ بها الأميركي محمولاً على دبابة…. فليشرح أحد ما كرم العربي مغدقاً على خادمات من آسيا غرزاً بالمسامير في أجسادهن….. كي نصرف النظر عن تعارض الثقافات الموجبة لكراهية الغربي بلا إطلاق للمهاجر المسلم حيث تغدو ثقافة المهاجر مساءلة للغربي في بداهة أمنه… فيما لا تسمح وضاعة أعراق الخادمات المغتصَبات بمساءلة في تسامح العرق المختار (العربي) تسامحاً يكتفي بالركل واللكم وغرز المسامير في اللحم” (!).
صدقوا أو لا تصدقوا, هكذا اختزل بركات الإنسان العربي!..
–    ثم يلقي الضوء على رحابة بوش وسعة صدره التي “مكّنت عراقياً من قذفه بالحذاء في جغرافيا شاسعة لم يتجرأ عربي فيها أن يقذف شرطياً بنظرة من غير أن يختفي”, ونسي ما ناله منتظر الزيدي من تعذيب على مدى أسابيع عقوبة له بأمر وعلم من بوش.
–         ثم يصف من يقول بأن تهجير مسيحيي الشرق خطة صهيونية لإفراغ الشرق من مسيحييه بأنه “طريف ظريف يستخف بخيال رعاع الأمة”.
–    ثم ينتقد الشعب العربي المبعثر المشتت الذي أصبح يقدس تضاريسه (تقسيمات سايكس بيكو) والذي لا يهزه شيء ككرة القدم (مصر والجزائر) وبأن ساكن كل بلد عربي يعتقد أنه الأعظم (وهذا صحيح أؤيده به زرعه بهم حكام الدول العربية حفاظاً على عروشهم)… ويعجز العرب من المحيط إلى الخليج عن حماية الكويت من صدّام وحماية جنوب السودان المسيحي من شماله المسلم (مع أن جنوب السودان كان دائماً ملجأ للمسيحيين الهاربين من المذابح في أفريقيا ومع أنه من المعروف أن المعونة الإنسانية كانت تتم تحت سقف التبشير ودخل الكثير من السودانيين في العقد الأخير بالدين المسيحي كي لا يموتوا من الجوع وهذا موثق في فيلم أمريكي), ويعجزون عن حماية لبنان من ايران (وليس من إسرائيل فإسرائيل ليست عدوة بالنسبة له على الأغلب). ثم يدّعي قصة على حاتم الطائي الذي كان مضرب مثل في الكرم بأنه منح نوقاً مستلبة من غزوة لأعرابي امتدحه. طبعاً مكان السخرية هنا هي أخلاق العرب أنفسهم في معرض حديثه عن مظلمة دارفور بأنها إن استقلت عن السودان فهذا ليس كرماً من العرب إذ لا يمكن أن يكون الشخص كريماً من مال غيره استلبه منه على حد وصف بركات, فجنوب السودان مسيحي فهو إذن ليس للإسلام العربي الشمالي وله حرية الاستقلال!. وهنا لا يخفى عنا الغمز إلى مسألة الأكراد الذين يبدو أن بركات ينتمي إليهم ضارباً بعرض التاريخ والجغرافيا بلده سوريا. فهو الذي أشار في رواية أخرى إلى سفر الحجارة في الشمال السوري العراقي (الكردي) وبأن له ملكاً في تلك الحجارة. فانفصال (كردستان) إذن ليس كرماً من العرب العراقيين والسوريين بل هو ما يجب أن يكون عودةً للأصول والتاريخ “وسيرضى المظلوم إن اُعطي بعضاً مما سُلب من حقه”.
–         ثم يختم مقالته بالتشديد على أن العرب المسلمين ليسوا سوى غزاة همج اغتصبوا اسبانيا من أهلها المسيحيين. “فلينتظر المسيحي إذن كرماً بعد غزوة… خسروا الأندلس هناك بعد غزوها فأرادوا تصويب خسارتهم؟ لكن الأرض هنا ليست أندلسهم يستردونها من مسيحي لم يغزها مذ كانت له بيقينها طوع يقينه”.
كان هذا سرداً سريعاً لما جاء في تلك المقالة.. وسنبدأ بالرد عليها مستلهمين التاريخ, وهذا ما يجب أن نشكر بركات عليه فقد جعلنا نعود إلى حقبة هامة كنا نسيناها في زحمة الحياة وصراع الصمود للإبقاء على ما تبقى لدينا من جذوة تتكالب كل الدنيا بعاليها وسافلها لإطفائها فينا.. فاسترجعنا ذاكرتنا بضربة على الرأس لكنها مفيدة وسترون أنتم أيضاً كم ستستفيدون من هذه الرحلة عبر التاريخ الذي أصبح الصنم الذي يريد كل واحد أن يؤلهه إلهاً خاصاً به سرمدياً فيلبسه ما يريد ويطلق عليه الاسم الذي يريد وينسبه لمن يريد.. والصنم يبقى صنماً.. حجة, يقتتل حولها الرعاع ويقدمون القرابين البشرية ويقسمون به لإثبات بصمة حجرية ما تربض بين أصابع قدميه..
ولنبدأ معاً هذه الرحلة:
1-  إن يهود سوريا والعرب لم يتعرضوا يوماً للاضطهاد العام الجارف كالذي تعرض له يهود أوروبا بالحرق والقتل المتمثل بالهولوكوست, والعرب حتى أثناء احتلال عصابات اليهود لفلسطين لم يقتلوا يهودياً عربياً. بل إني اطّلعت على اللقاءات التي أُجريت معهم تؤكد أنهم هاجروا من سوريا بسبب تضييق صهيوني عالمي عليهم منعهم من ممارسة التجارة التي يتقنونها فهاجروا إلى الولايات المتحدة والقلة القليلة فقط هاجرت للكيان الإسرائيلي.
2-  يصف بركات هجرة اليهود السوريين إلى فلسطين المحتلة ب (عودتهم لبني جلدتهم العبريين) مؤكداً المقولة الصهيونية التي قامت على أساسها إسرائيل بأن كل يهود العالم شعب واحد, وإن اليهودي السوري هو ابن جلدة اليهودي الروسي أو الحبشي! فيعتبر بركات اليهود أبناء جلدة واحدة ليبرر بذلك قيام أبناء الجلدة باحتلال فلسطين وجعلها وطناً لهم لكي يبرر فيما بعد تجميع الأكراد على بقعة واحدة ولو كانت احتلالاً, فهذا حقهم طالما أنهم مضطهدون كاليهود ولا وطن لهم.. فليكن لهم وطن إذن أينما كان وكيفما كان ولا يهم.. المهم أنهم أبناء جلدة واحدة!.
3-  نذكّر هنا ما كتبناه في مقالة سابقة على موقع شام بريس بعنوان “الأمن الثقافي رديف للأمن القومي” بأن مقولة الشعب العبري بدعة صهيونية ألمانية بينما عبري هو مصطلح توراتي أُطلق على كل من يعبر النهر باحثاً عن مرعى لمواشيه, لكن الصهيونية لم تجد وسيلة أخرى إلا تلفيق هذا الأمر لتستطيع جمع اليهود تحت سقف اسم واحد يعبّر عن شعب ما. وأوضحنا أيضاً كيف أن آري هو اختراع لغوي ألماني. لنرى ماذا كتب المؤرخ الفرنسي بيير روسي في كتابه مدينة ايزيس التاريخ الحقيقي للعرب حول هذا الموضوع: “إنها لمرفوضة نظرية العرقية التي اخترعوها (علماء الغرب) مقسمين العالم تعسفاً إلى ساميين وآريين لم يستطع أي تحليل علمي إثبات وجودها, إنه ادّعاء وابتذال…, وإنها روح استعمار أبوي تحاول فرض نفسها” ص 10. ويقول: “إن هذا التقسيم الذي صاغه الألماني اليهودي شلوتزر هو اختراع من مخيلتهم قسم الشعوب إلى شرقية سامية وغربية آرية هندو أوروبية. في الحقيقة إن تعبيري سامي وآري لا يدلان على شيء ولا شيء في ميدان الحقيقة يفرض تمييزاً بين آريين وساميين. إن تعبير آري هو اختراع بسيط واضح وإن يافث بن نوح هو الذي نسل اليونانيين والأناضوليين والأوروربيين.. بطبيعة الحال إنه ليس بريئاً ذلك الاقتفاء” ص 19. و “وفي كل الأحوال فإن الكتابات المكتشفة في البلاد الميدية والفارسية وهي الأرض المقدسة بالنسبة للقائلين بالآرية هي كتابات مسمارية وكذلك المصرية والآرامية وكلها لغات سامية (سريانية)” ص 23. أما “الجغرافيا المصنوعة للعبرانيين فهي الصمت الكلي”. ص20. (راجع كتاب بيير روسي والذي قال بصريح العبارة نحن الأوروبيين أبناء العروبة, نحن أبناء آسيا السورية).
4-  يتحدث بركات عن الغزو العربي الإسلامي لشرق المتوسط الذي “لم يتكلم العربية قبله” ثم لحوض المتوسط كله وصولاً لأوروبا واسبانيا وهنا تتعرى ثقافته الهزيلة التي تضاف إلى مزاياه, فهو لم يذكر الغزو البيزنطي المسيحي ولا الفرنجي الصليبي ولا الفرنسي والانكليزي والايطالي والأمريكي ولا اليهودي الإسرائيلي!.. وهنا يسعدني جداً أن أتحدث عن تلك الحقبة الهامة من تاريخنا العربي والتي جرى تشويهها:
إن تسمية بلاد العرب مذكورة في تاريخ هيرودوتس ويسمي حدها الساحلي سوريا. (انظر تاريخ هيرودوت الذي ولد عام 900 ق.م في هليكارنو التي كانت سورية كما يقول جنوب آسيا الصغرى – تركيا اليوم). ويقول فيليب حتي: “في الموسوعات الغربية سوري كتسمية عرقية شملت كل من تكلم السريانية (الآرامية) لتضم العراق وايران. أما كمصطلح ديني فهو يضم أتباع الكنيسة السورية القديمة” ص63… أي أن سوريا وبلاد العرب كانا يدلان على شيء واحد وسوريا هي السيدة بالسريانية وسكنها سوريون ودعاهم هيرودوت بهذه التسمية تحديداً “والفينيقيون يقطنون سوريا” (هيرودوت). والسريانية هي لسان نوح وأولاده ولهجة الانجيل وهي لهجة عربية قديمة كلهجة القرآن. هذا الشرق السوري امتد حتى اليونان وايطاليا حيث عمّروا تلك البلاد وأنشأوا حضارتها كما يقول المؤرخون وحكم الأباطرة السوريون الامبراطورية الرومانية أضخم امبراطورية في تاريخ العالم القديم. ثم استولى برابرة أوروبا الجرمان على روما وأحرقوها واحتلوا سوريا عسكرياً فقاوم السوريون الاحتلال الروماني الجديد (الملكة زنوبيا هي عنوان تلك المرحلة), ثم البيزنطي الذي حمل شعار الدين المسيحي وقتلوا مسيحيي سوريا ممن لم يقبلوا بفكرة ألوهية المسيح “وحولوا أنطاكيا العاصمة الروحية لسوريا والشرق إلى مسلخ بشري للنصارى السوريين ولمعتنقي عقيدة الخصب ومتبعي المدارس الفلسفية كافة أي لكل من رفض التنصّر بالطريقة البيزنطية” (انظر كتاب أواخر الوثنيين بيير شوفان). في هذه الفترة جاء العرب المسلمون من القسم الجنوبي لإنقاذ إخوتهم في الشمال من الاحتلال البيزنطي وليس لمحاربة المسيحيين ثم لتحرير كامل الأرض العربية القديمة منهم لهذا سميت بالفتوحات. ولا يمكن أن نقول إن صلاح الدين قد حارب المسيحيين بل حارب الفرنجة الحاملين شعار الصليب وهناك فرق كبير فنحن لا نحارب الدين اليهودي في إسرائيل بل نحارب الصهاينة المغتصبين للأرض بحجة الدين اليهودي. أما بخصوص اسبانيا ف “إن اسبانيا كانت مستوطنة فينيقية منذ الألف الثاني قبل الميلاد”. (انظر معجم الحضارات السامية ص75). ويقول سيديو في كتابه تاريخ العرب العام: “وقعت اسبانيا الفينيقية في قبضة قبائل الجرمان ثلاثة قرون فقط قبل مجيء العرب المسلمين الذين كانوا قد طردوا الروم البيزنطيين من بلاد المشرق وفي اسبانيا كان يجري من الروم والجرمان استرقاق للفلاحين واضطهاد لليهود وتخييرهم بين العبودية أو النصرانية” ص 182.  أما الغرب الذي تغزل به بركات ولم يتحرش بتاريخه كما نبش قبورنا فمن المعروف أن عصور الظلام أُطلقت على القرون الوسطى في أوروبا لكثرة الجهل والتخلف وكانت الكنيسة تحارب العلوم والفنون وتحرق العلماء وتحرم الكتابة. سأورد لكم أمثلة من كتاب شمس العرب تسطع على الغرب للمؤرخة الألمانية زيغرد هونكه: “أردت أن أقدم للعرب الشكر على فضلهم الذي حرمهم من سماعه طويلا تعصب ديني أعمى أو جاهل أحمق وآمل أن يكون هذا الكتاب سجلاً لماضي العرب العظيم وأثرهم المثمر على أوروبا والعالم قاطبة” (انظر المقدمة ص9). وهذا الكتاب نموذج عن الكتب التي تتحدث عن منجزات العرب في الطب والعلوم والفلك والموسيقى والفنون وفي إبداعاتهم بالهندسة ومشاريع الري التي حولت اسبانيا إلى أخصب بقاع الأرض, وعن أخلاقهم الحميدة واحترامهم للمرأة وحبهم لها, والتسامح مع الناس ومع الأديان الأخرى. لكنني سأورد الخاتمة اختصاراً بقولها “وبانتهاء السيادة العربية انتهت أعظم حضارة عرفتها أوروبا في القرون الوسطى وانتهى عصر عظيم نعمت فيه اسبانبا بالرخاء والخير العميم فارتفعت صناعاتها واستُغلت مواردها وزاد سكانها وازدهرت فيها العلوم والآداب والفنون بدرجة عظيمة, لكن ما لبث أن لاقى المسلمون أهوالاً أفظع من أن توصف سببها التعصب الديني الأعمى (على يد الأقوام التي اعتنقت المسيحية بدعوة من أساقفة روما للانتقام من العرب الذين هزموا أسلافهم البيزنطيين) وأصبح السجن والتعذيب والحرق هي عقوبات من يمارس شعائر الإسلام ولم يقبل بدخول المسيحية, أو من ينطق بالعربية أو يتغنى بها, وحرقت يد التعصب مليوناً وخمسة آلاف من المجلدات من مجهود العرب وعلومهم” ص535.
وتسخر هونكه من مقولة أن العلماء المسلمين ليسوا عرب قائلةً: “إنها أشبه بالقول المثير للضحك بأن الرئيس الأميركي آيزنهاور ألماني!”.
وأما عن تسامح العرب مع الغرب فيذكر سيديو في كتابه تاريخ العرب العام: “كان العرب أرقى من الأوروبيين أخلاقاً وعلماً وصناعة بمراحل ومن العبث أن نبحث لدى غيرهم عن مثل طباعهم من الكرم والوفاء وحب الخير ولم يفرضوا على أحد اعتناق الإسلام” ص312.
ويقول لوبون في كتابه حضارة العرب: “لا نرى في التاريخ أمة ذات تأثير بارز كالعرب, وذلك أن جميع الأمم التي اتصل العرب بها اعتنقت حضارتهم… ولم يتجلى تأثير العرب في الشرق في الديانة واللغة والفنون وحدها بل تجلى في ثقافته العلمية أيضاً ومن ذلك أن المسلمين كانوا ذوي صلات بالهند والصين ونقلوا إليهما قسماً كبيراً من المعارف العلمية التي عدها الأوروبيون من أصل هندوسي أو صيني, والحقيقة إن البوصلة والورق منجزات عربية”. انظر ص564
5-  بالطبع إن بركات لن يجد يهودياً ولا مسيحياً يحمل قنبلة في جيبه, لكنه سيجدهم يحمّلون في الطائرات كل أنواع القنابل ليفرغونها فوق رؤوس الناس في هيروشيما والعراق وفلسطين. وإن تصوير الصراع كصراع ديني أمر مرفوض من كل ذي عقل وبصيرة فالصراع هو بين قوى تحاول فرض سيطرتها بالقوة من أجل نهب ثروات الشعوب وبين قوى وطنية تقاوم هذه الاستباحة. فالملام هنا ليس الدين بل الإنسان. وإن كل التيارات المشبوهة التي تصوّر الصراع صراع أديان إنما هي تصب في خانة الصهيونية. والعرب كانوا دائماً منتبهين لهذا الأمر فسموا الحروب التي شنتها أوروبا علينا بحروب الفرنجة بينما في أوروبا اسمها الحروب الصليبية وهنا يتوضح من الأكثر تحضّراً وعمقاً.
أما ذرفه للدموع على أقدام المسيحيين والتباكي على مصيرهم وإصراره على تصوير العرب  كغزاة متعطشون للدم سلبوا الأراضي من المسيحيين.. فهذا يجعلنا نعود بالذاكرة قليلاً إلى من سلبهم أرضهم وقتلهم بلا رحمة, من؟. ومن ينسى مذابح سيفو التي ارتكبها “أبناء جلدته” بحق الآشوريين السريان والأرمن واحتلال أراضيهم التي كانت لهم بيقينها طوع يقينهم؟. لنرى ماذا يقول التاريخ الحديث:
6-    حقيقة الشمال العراقي السوري, ومقولة (كردستان التاريخية):
تقول الوثائق بأنه في عام 1503 تشكل أول تجمع كردي في العراق الذي نزحوا إليه من الجبال شمال غرب ايران أثناء الصراع الصفوي العثماني سُمي بمخيم السليمانية للّاجئين الأكراد نسبة لسليمان القانوني, ثم وفي معركة جالدران عام 1513 تحالف الأكراد مع العثمانيين مما أدر عليهم مكاسب كثيرة تمثل بالتوسع الاستيطاني في أرمينيا وشمال العراق على حساب الأرمن والآشوريين السريان شعوب الأرض الأصليين. إذ استقدم السلطان سليم العشائر الكردية من مناطقهم الأصلية في شمال غرب ايران ليوطّنهم في شمال العراق وشرق تركيا ولقد مارس الأكراد أبشع أنواع الجرائم بحق المواطنين الآمنين وكانت أشبه بإبادة جماعية. فقد ذبحوهم بلا رحمة وحتى العرب لم يسلموا من هذه المجازر (هذه وثيقة عراقية موجودة في العديد من الكتب). يقول الباحث سليمان صايغ في كتابه تاريخ الموصل الجزء الثاني ص 266: “كان هؤلاء الأكراد ينزلون من الجبل (جبال زاغروس الشمالية) كالسيل الجارف ويغيرون على القرى الآمنة فيقتلون وينهبون”.
إن محمد الراوندوزي الكردي والذي يعتبرونه بطلاً بدأ حملاته الدموية ضد السريان عام 1832 فاستولى على قراهم وأراضيهم…وأصبح الشمال العراقي والسوري القريب من العراق (الجزيرة) مركزاً لاستقطاب كل أكراد ايران. ويقول المؤرخ باسيل نيكتين المختص بتاريخ الكرد: “إن الأكراد الذين يعيشون على حدود الرافدين اعتمدوا القتل والسلب والنهب في حياتهم”.. وأرخ القنصل البريطاني تلك الفترة قائلا: “إن هناك أكثر من 360 مدينة وقرية سريانية قد دمرها الزحف الكردي فقلبوا التركيبة السكانية للشمال تماماً”. وآلاف الأرمن والسريان هربوا ونزحوا للجنوب فمنهم من قضى نحبه على الطريق ومنهم من التجأ إلى العائلات السورية والعراقية العربية التي حمتهم وغيرت أسماءهم وأخفتهم عن أعين المجرمين وهذا مشهود لهم في التاريخ. .وإن الأكراد لا يذكرون الآشوريين والسريان بل يصفونهم كمسيحيين فقط وكأنهم بلا وطن وبلا هوية. (انظر. اياد محمود حسين).
وثّق لنا التاريخ الحديث هذه المجازر التي فتكت بالملايين من الأرمن والسريان والعرب بأسمائها: مجازر تلكيف  1832 – مجازر نينوى وأربيل ودهوك عام 1843 – مجازر سيفو (السيف) وهي مجازر اورميا وديار بكر وأورفة وشمال سوريا عام 1915 – مجازر سيميلا 1935 – مجزرة عامودا عام 1937 (“عامودا والقامشلي تشبه ماردين السورية التي استولت عليها تركيا وسلمتها للأكراد بعد طرد العرب والسريان منها, ولقول الحق لم يكن كل الأكراد ضالعين بهذه الجرائم, بل هنالك من الأغوات الأكراد من قام بالدفاع عن السريان ومنهم عبدي ونواف وأحمد آغا الذين أنقذوا حياة الكثير من السريان لكن للأسف إن مثل هذه المواقف الشريفة لم تستطع أن توقف مسلسل الرعب الذي عاشه السريان والذي أدى إلى هجرتهم وتكريد مناطقهم. ثم حاول المتطرفون الأكراد إقناع العشائر العربية بالمشاركة في إبادة السريان إلا أنهم رفضوا ذلك وقام زعيم عشيرة طي العربية بتحذير السريان من تعرضهم للإبادة مثلما جرى لهم في تركيا, وفعلاً أعاد الأكراد الكرة ففي عام 1941 قامت العشائر الكردية بمحاولة إبادة السريان في مدينة المالكية لكن كان السريان قد تسلحوا ودافعوا عنها” – شمعون دنحو).
إن من لديه مثل هذا التاريخ “المشرّف” يا سليم بركات لا يتهم العرب بالإجرام بحق المسيحيين.
هنا لا بد لي من وقفة اعتذار للأكراد في بلادنا الذين اندمجوا فيها منذ دخولهم الإسلام وجاؤوها طلباً للعلم والرزق وبرعوا في حياتهم ونجحوا في مجتمعنا المتسامح المنفتح ونجدهم في كل مكان من الدولة حتى وصلوا لمنصب رئاسة الجمهورية كالشيشكلي. ولم يلقوا من السوريين والعراقيين بكل أطيافهم أي تعصب أو اضطهاد وهم جزء هام من نسيج مجتمعنا الوطني.
دعونا الآن نتتبع أثر كردستان التاريخية, ما هي حقيقتها؟ وأين؟
استُخدم مصطلح كردستان (الذي يعني بالتركية منطقة الأكراد) لأول مرة في زمن السلاجقة الأتراك في القرن الثاني عشر الميلادي عندما قام السلطان سنجار بفصل القسم الشمالي من جبال زاغروس غرب ايران الحالية ودعاه مقاطعة كردستان لأكثرية الأكراد به مركزه بهار شمال غرب همذان ومحاذياً لأذربيجان في الشمال على بحر قزوين. هذه المنطقة تقع شمال غرب ايران ولم تكن تضم أي شبر من أرض العراق وسوريا وتركيا وهي تسمية مناطقية. أما الكُرد كأنساب وجنس فهم نوعان كما يؤكد المؤرخون العرب: أحدهما عربي صميم وهؤلاء هم سلالة كُرد بن مرد بن صعصعة الذي ينتهي نسبه إلى نزار وهؤلاء انتشروا في بلاد العرب وبقوا عرباً. (انظر المسعودي – مروج الذهب ج2 – ص122). والآخر سكن بلاد فارس كما يقول ابن الكلبي في جبال زاغروس اختلط معظمهم بالأقوام الساكنة هناك باتجاه بحر قزوين فحالوا عن لغتهم الأم وهذا يفسر اختلاف وتباين لغات الأكراد بسبب اختلاف أصولهم. ويقول الطبري الأكراد هم أعراب الفرس. أي أنهم أعراب كأعراب العرب وليسوا عرقاً لا آرياً ولا غيره لأن كلمة أعراب تطلق على كل من تخلف عن حياة الحضر وعاش حياة البداوة والتنقل. وإن ايران هو ابن آشور بن سام بن نوح ونوح سرياني كما هو معروف ولهذا فإن النظرية العرقية الآرية ساقطة كما قال بيير روسي لأن ايران هو من سام بن نوح بينما الأوروبيين من سلالة يافث بن نوح.
إنه لشيء مثير للسخرية فعلاً أن نجد أنفسنا في القرن الواحد والعشرين نتتبع شجرة سلالات عمرها آلاف السنين يوقظها الغرب بنظريات عرقية كاذبة لغايات استعمارية.
يقول المؤرخ ماكدويل المختص في تاريخ الكرد: “إن اصطلاح كرتي كان يطلق على المرتزقة البارثيين والسلوسيين الساكنين في جبال زاغروس” ص913. أما المؤرخ مورني فيقول في كتابه: “إن كلمة كرد كانت تشير إلى شريحة اجتماعية مثل سكان الجبل أو إلى قطاع الطرق”. ص265.
سنعتمد التعريف العربي لأنه الأقدم, إذن هم أعراب الفرس عاشوا في الجبال وحالوا عن لغتهم الأم (السريانية) لأنهم اختلطوا بأقوام أخرى حول بحر قزوين.
الآن لنرى كيف انتقلت مقاطعة كردستان السلجوقية المذكورة إلى تلك الدولة التي تضم جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسوريا بحسب ادّعاءاتهم:
قلنا كيف لجأ أكراد الجبال الايرانية أول الأمر إلى شمال شرق العراق (مخيم السليمانية) هرباً من الصراع الصفوي العثماني وكان نزوح كبير. بعد معركة جالدران عام 1513 استقدم السلطان سليم العشائر الكردية السنية من مخيم السليمانية ومن مناطقهم الأصلية شمال غرب الجبال الايرانية وقام بتوطينهم في شمال العراق في أربيل ودهوك, وفي شرق تركيا في كاري وديار بكر ليكونوا عوناً لهم ضد الصفويين الشيعة, وطلب العثمانيون منهم إبادة الأرمن والسريان والآشوريين خوفاً من تحالف مسيحي مع روسيا القيصرية ضدهم مقابل توطينهم. وهكذا حصل وتوسعوا في شمال العراق وسوريا وجنوب تركيا بدعم من العثمانيين على حساب العرب والأرمن والسريان كما ذكرنا سابقاً. ثم في عصر الاستعمار الحديث حاولت بعض القيادات الكردية التحالف مع الغرب لمساعدتهم على بناء دولتهم القومية. فتحالفوا مع الصهيونية (قياداتهم وليس كل الكرد) التي رأت أن تستخدمهم كما استخدمت اليهود بتسويق مقولة الاضطهاد لايجاد وطن للشعب المظلوم وإنهاء آلامه. وإن هتلر وصدام حسين ساهما بارتكاباتهما في تدويل القضية وتضخيمها وصار فجأة كل الشعب العربي هو صدام حسين. يقول اياد محمود حسين: “مخطط الأكراد هو السيطرة على الأراضي التي لا تعود لهم واستغلال الشعوب الأخرى بشكل تام لدعم موقفهم وقضاياهم بتحرير الشعب الكردي “المضطهد” أي أنهم يستعملون نفس الأسلوب المخادع الذي اعتمدته إسرائيل في المظلومية والاضطهاد. والقيادات الكردية تحاول إخضاع الآشوريين وقطع جذورهم الأصلية بأراضيهم, ويعملون على طمس كل كلمة آشورية من أجل تزوير التاريخ بأية طريقة ممكنة تماماً كما فعل اليهود من أجل إسرائيل. ومن أهداف القيادة الكردية الراهنة إجبار المسيحيين العراقيين على التقوقع في نينوى ليصبحوا حاجزاً بشرياً بينهم وبين عرب العراق”. إذن من له مصلحة في إرهاب مسيحيي العراق؟
إن كل اسم لمدينة على مدى سوريا القديمة وحوض المتوسط هو اسم سرياني, كركوك تعني المدينة المحصَّنة, السور. أربيل هي ربِّ زد وبارك من أريب (ربا زاد) + ايل. دهوك هي مقر ديني منها الدهقان. نينوى هي بالسريانية سيدة الحياة من نين + ايوا (صارت ايف). بابل هي باب الرب. دمشق هي الأرض المسقية. اللاذقية هي الربة الحارسة…. وهكذا.. إن كل شبر من أراضينا ومدننا طبعها السوريون القدماء بأختام لغتهم القديمة (البابليون والآشوريون تسميات سياسية بحسب عواصم الدولة السورية كأن نقول أموية وعباسية…).
إذن, العرب المسلمون لم يعرفوا الاضطهاد ضد عرق أو دين, بل على العكس قاموا بترميم الكنائس التي دمرها البيزنطيون وحافظوا عليها في سوريا كلها. ولم يتعصبوا لانتمائهم العرقي كما يزعم البعض. إن مفهوم المواطنة والعلمانية هو مفهوم صنعه العرب وإن تسليم مفاتيح المدينة يعني أنها أصبحت بحماية المسلمين ولم يذكر التاريخ أن الخليفة عمر أجبر أسقف القدس ونصاراها على اعتناق الإسلام. حسبنا هنا أن نذكر إجابة فارس الخوري, ذاك السوري المسيحي النموذج الرائع للسوريين, عندما ادّعت فرنسا حماية الأقليات المسيحية في سوريا بقوله: “لا أكثرية ولا أقليات, فنحن جميعاً مواطنون في سوريا, ونستغرب أن يصدر مثل هذا التصريح من ممثل دولة علمانية كفرنسا”. (انظر عريضة وقعت علناً من آلاف المسيحيين في حلب ضد التصريح الفرنسي. جريدة القبس بتاريخ 20 -10 -1930).
إن من يبحث عن وطن عزيز للجميع لا يتحدث بلغة الأقليات. فالغرب يعزز روح المواطنة في دوله لكنه يعزز فكر الأقليات في بلادنا ليزيدنا تفككاً, فالأمريكي أمريكي والسويدي سويدي والألماني ألماني ولو كانت شعوبهم خلطة من الأعراق المهاجرة.
نستغرب حين نقرأ بعض مبدعينا ممن يستسهل شتم العرب والحط من شأنهم معنوياً وحضارياً. إن واقعنا المزري تمر به أية أمة في مرحلة ما لكن الغربي لا يسمح بشتم شعبه على أساس عصور الظلام بل يستنهض جذوة عصر النهضة, إلا العرب, فهم باتوا يستسهلون شتمهم بل ويساهمون فيه طوعاً كأمثال أدونيس الذي بشّرنا أخيراً بانقراض الثقافة العربية (وهذا بفضل وجود أمثاله من اللا منتمين). ومن أمثال سليم بركات الذي انتقل في هذه المقالة من قمم “الأدب” إلى قمم “قلة الأدب”.
سليم بركات ابن القامشلي, ابن الشمال السوري الذي كان دائماً لسوريين لم يغزُوه مذ كان لهم بيقينه طوع يقينهم, حبذا لو تذكرتَ طعم الماء الذي شربت, ورائحة الزهر, وحبذا لو بقي في دمك ذرة أصالة لذرة تراب واحدة ضمت آثار قدميك.. أنتَ امتلكتَ صنعة اللغة العربية, تديرها كما تشاء, لكن أين أنت من روح اللغة العربية, غرزتَ المسامير في جسدها وأشبعتَ أرضها ركلاً ولكماً حتى باتت بين يديك تشبهك.. مرآتك.. تعكس صورتك…

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى