صفحات العالمقضية فلسطين

ما بعد غولدستون

خيري منصور
هل نجح الثلاثي نتنياهو وباراك وليبرمان في زجنا بهذه الرطانة السياسية حول قضايا وسجالات تهدف أخيراً إلى تهريب الواقع وإدخال العرب جميعاً إلى طراز عجيب من الحفلات التنكرية؟ ولا يحتاج الكشف عن استراتيجية التهريب والتمرير إلى مهارة فائقة، فالمشهد ساطع الوضوح. تهويد تتصاعد وتائره وكسب للوقت، وتعميق للصدوع في السقف الفلسطيني، الذي يهدده هذا الشتاء بإغراق من يعيشون تحته في دمائهم وربما للمرة الأولى تكون الضحية طيعة إلى هذا الحد، ومتأقلمة حد التناغم مع الطعنات المتعاقبة في الصدر والظهر معاً. وليس هناك ما ينبئ عن نهاية سعيدة أو تعيسة لهذه المتوالية التدميرية لشعب يراد له أن يضل الطريق، ويتورط مجدداً في التيه الذي طالما أدى إلى نزيف مجاني، وكأن هذه التضحيات لا تقبل الالتئام في أي سياق ولا تسعى نحو مصب.
إن جذر البلاء الآن في البيت الفلسطيني ذاته الذي انقضت جدرانه على بعضها، وأصبح كل ساكنيه مهددين بالتشريد مجدداً، حتى داخل وطنهم، وفي عقر دورهم.
ما الذي يمكن لعدو أن يتمناه أكثر من هذا الذي تحققه له، من اعترافات مجانية وتطبيع سري وتوقيع على بياض؟
كم هي محظوظة هذه المستوطنة الصهيونية الكبرى بأعداء بلغ الكرم والتسامح لديهم مستوى حاتمياً قدر تعلقه بالغزاة، لكنه يندفع إلى أقصى الضد في حروب التوائم والاخوة الأعداء. فقد تحول الانشقاق الفلسطيني إلى مشجب تتدلى منه مختلف الذرائع، فهو ذريعة لمن قرروا الاستقالة حتى من جلودهم، وهو أيضاً ذريعة عالم أوقعته الصهيونية في كمائنها ففقد رشده السياسي، وخلع ضميره كحذاء أو قبعة واستراح.
المسألة أبعد من غولدستون وتقاريره ومن التأجيل الذي هو سلاح ذو حدين، فقد ينتهي إلى نتائج أسوأ مما يعتقد المؤجلون لأن الثلاثي الدموي نتنياهو وجنراله وخوذة دبلوماسيته طافوا العالم شرقاً وغرباً، وتوغلوا في شعاب آسيا وإفريقيا تمهيداً لهذا الحصاد.
إن العالم ليس مستعداً لأن يكون عربياً أكثر من العرب، وفلسطينياً أكثر من الفلسطينيين، والتقصير العربي في توسيع الرقعة البيضاء التي لم تلوث بعد بأحذية الثلاثي الصهيوني آخذ في التزايد.. وليس العكس، والأمر الآن يدعو إلى الريبة، لأن ما يحدث تجاوز ما يسمى الخلل في معادلة القوة، فأضعف الكائنات لا تقبل حتى بالغريزة مثل هذا الانصياع والامتثال ومد العنق للسكين.
لقد أتاح الانشقاق الفلسطيني على طريقة حيوان الهايدرا الأسطوري الفرصة للاحتلال كي يعجل في تنفيذ كل ما هو مؤجل من برامجه، سواء في الاستيطان أو التهويد أو في تدمير ما تبقى من عروبة وإسلامية ومسيحية القدس، فكل ثانية وليس دقيقة لها ثمن الآن وحسب ما يقول أحد الراديكاليين اليهود فإن هزة أرضية خفيفة لا تصل إلى الدرجة الخامسة من مقياس ريختر ستكون فرصة ذهبية لتقويض الأقصى، وثلاثة أرباع البيوت الفلسطينية في القدس! لكن من وضعوا في آذانهم طيناً وعجيناً وناموا لا يدركون بأنهم على موعد مع لحظة كارثية لا ينفع معها الندم أو عض الأصابع.
ما يجري باختصار هو تهريب الوقائع واستبدال الأولويات، وتقديم الوقت كله هدية لمن قرروا أن هذا الزمان زمانهم وأن القرن الحادي والعشرين سيكون يهودياً كسابقه.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى