الأزمة المالية العالمية

حتى قيام الساعة

ساطع نور الدين
الاستفزاز بالارقام ما زال مستمرا، وقد بلغ ذروته في قمة العشرين التي كانت اشبه بحدث يجري على كوكب آخر، ويتحدث المشاركون فيه بلغة لا يفهمها سكان الارض عن ازمة لم يدركوا اسبابها وتفاصيلها.. برغم انها تمس لقمة عيشهم واسلوب حياتهم اليومية.
تداولت القمة بأرقام خيالية، بلغت خمسة او ستة تريليونات دولار اميركي، ستخصص لدفع الاقتصاد العالمي وانقاذ مؤسساته المالية، لكنها لم تجب حتى الآن على الاسئلة البسيطة التي يطرحها عامة الناس: اين ذهبت التريليونات الثلاثة او الاربعة التي قيل انها ضاعت خلال اشهر قليلة في اميركا وضاعت معها ودائع واصول واسهم وقروض؟ ومن اين تأتي المبالغ الجديدة التي يفترض ان تعيد التوازن والاستقرار والاطمئنان الى نحو سبعة مليارات انسان؟
ليست هناك مؤامرة اميركية وراء الازمة التي وصفت بانها الاسوأ في تاريخ النظام المالي العالمي الذي ارسيت دعائمه في اعقاب الحرب العالمية الثانية، لان الاميركيين يدفعون ثمنا اكبر مما يدفعه اي شعب آخر في العالم لهذه الازمة، ولان الثقة باقتصادهم وانتاجيتهم وعملتهم وانظمتهم تراجعت الى حدود لم يسبق لها مثيل منذ ان كانت بلادهم دولة عظمى. لكن مصدر الازمة كان ولا يزال اميركياً، وكذلك الحلول التي اقترحت حتى الآن والتي تقوم على فكرة رئيسية وهي ان انقاذ الاقتصاد الاميركي يؤدي الى خلاص الاقتصاد العالمي.. والا فان الجميع سائر نحو الهلاك او الافلاس.
ذلك هو جوهر قمة العشرين التي استمعت من الرئيس الاميركي باراك اوباما الى عرض مفصل للخطوات والاقتراحات التي قدمها من اجل الحؤول دون انهيار المؤسسات المالية الكبرى والشركات الصناعية الرئيسية في اميركا، وبينها طبعا اخضاعها لحكم القانون الذي طالما شعرت بانها هي التي تحكمه وتفرض صياغته، وهو ما لامس حدود التأميم او التدخل في ادارة هذه المؤسسات التي سبق ان نهبت الاميركيين كما سلبت المستثمرين من مختلف انحاء العالم.. وطلب اوباما من بقية المشاركين في القمة التأييد، كما اوحى الى الاوروبيين والصينيين والهنود والروس والعرب طبع،ا بضرورة نسيان اموالهم التي فقدوها في الجنة الضريبية الاميركية على مدى العقود الستة الماضية، التي اعقبت تحول نيويورك الى مقر لقيادة اقتصاد العالم وادارة مدخراته واستثماراته وودائعه من الذهب.
طرح بعض الاوروبيين اسئلة حول جدية هذه الخطوات الاميركية وجدواها ومداها الزمني، لكن الجميع اذعن في النهاية الى ان اميركا لا تزال مقر القيادة، ووافق على اعادة انتاج المؤسسات والقواعد والانظمة المالية الدولية التي ارسيت دعائمها في اعقاب الحرب العالمية الثانية، وعلى اعادة احياء الدولار الاميركي كعملة مرجعية وحيدة، وقررت القمة ان تنفق ستة تريليونات دولار اضافية على مدى العامين المقبلين من اجل اعادة الثقة بالاقتصاد الاميركي تمهيداً لاعادة الثقة بالاقتصاد العالمي كله.
لم يكن الامر خداعا اميركيا جديدا او تواطؤًا بين اغنياء العالم على فقرائه. لم يكن هناك بديل، كان الكلام عن النظام الاشتراكي او الاسلامي مجرد مزاح، لا يلغي حقيقة ان اميركا هي قدر سيظل يلاحق البشرية حتى قيام الساعة.. على يد الاميركيين انفسهم.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى