صفحات ثقافية

أريد لهذا النقاش أن ينتهي

null
اسكندر حبش
إن رحيل أيّ شاعر لا بدّ من أن يزيد بالتأكيد من «حصتنا الحالكة» في هذا العالم الذي نعيش فيه، لكن ثمة عزاء وحيدا في ذلك كلّه، إذا جاز القول، وهو أن نعود إلى قراءته كلّما أحسسنا بهذا الحنين الجارف إلى وجوده. فالشاعر في النهاية ليس سوى هذه الكلمات التي يتركها وراءه والتي تبدو ـ بمعنى من المعاني ـ سيرته الوحيدة الباقية التي تعيد التذكر بوجوده الفيزيائي الذي مرّ من أمامنا ومعنا.
زد على ذلك، إن هذا الوجود يعود ويتجدد حين نكتشف أن ثمة نصوصا أخرى لم تنشر. من هنا تأتي إعادة نشرها كأنها محاولة لتجديد وتمديد هذا الوجود الذي ـ ربما ـ كنا نرفض أن يغادرنا. لا أنوي، من هذه الزاوية، أن أدخل في نقاش حول أحقيّة نشر هذه القصائد (ولنقل هذه المخطوطات) أو عدم نشرها. فهذه القضية لا بد من أن ينقسم حولها الكثيرون.
ما يعنيني هنا ـ أو ما أريد أن أصل إليه في واقع الأمر ـ هذا النقاش الذي لفّ العالم العربي مؤخرا، (وقد بدأ مؤخرا ينتشر في العاصمة الفرنسية، حيث كتب إيف كيخانو غونزاليس وبيير أسولين حول هذه القضية)، حول «الديوان الأخير» للشاعر الراحل محمود درويش والذي صدر تحت عنوان «لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي». ربما تعرفون اليوم كلّكم ما رافق صدور هذا الكتاب من نقاش ومن مجادلات، لن أتدخل فيها، إذ لا تدور فكرتي من هذه الناحية. بل أريد أن أتساءل فقط حول غزارة ذلك، حول غزارة هذا الأخذ والرد الذي بدا كأنه القضية الثقافية الوحيدة التي تشغلنا.
سؤالي بسيط: ألا يدخل الأمر برمته في «متاهة التقديس» التي نبجلها ونعليها شأنا؟ بمعنى آخر، لو حدث ما حدث مع أي شاعر آخر، فهل كنّا نجد هذه القيامة التي تقوم؟
بالتأكيد لا أشير مطلقا إلى مكانة محمود درويش في مسارات القصيدة العربية الحديثة، ولا إلى جودة شعره ولا إلى أي شيء آخر مما جعله ـ حقا ـ واحدا من أبرز الشعراء المعاصرين. أشير فقط إلى حجم النقاش الذي بدا كأنه غيّب أي نقاش آخر.
هل ثقافتنا وصلت فعلا إلى هذا الحضيض بحيث إن جملة من أخطاء في العروض والوزن واللغة، يمكن لها أن تؤرقنا إلى هذه الدرجة، بينما نعاني من جملة قضايا تبدو كأنها تهدد وجودنا برمته ولا أحد يشير إليها أو يرغب في مناقشتها؟
لا شيء عندي ضد شعر محمود درويش، لكن أيضا لنملك الجرأة ونقل إن درويش لم يكن وحده الثقافة العربية، إذ هناك كثيرون غيره، وهناك قضايا أخرى، أحدّ وأعنف، علينا أن نلتفت إليها ونفكر فيها فعلا. لا أحد يرغب في أن تنتهي هذه القصيدة، لكني أشعر فعلا برغبة عارمة في أن ينتهي هذا النقاش، فالثقافة ليست هنا فقط، بل هي أيضا في مكان آخر…

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى