صفحات أخرى

فارس مراد بعد ثلاثة عقود في المعتقل – مازال فارسا

null
فارس يحكي:
“اسمي فارس محمد مراد، مواليد عام 1950 مخيم النيرب بحلب. من أبوين فلسطينيين، أنا طفولتي كانت بشكل عام طفولة سعيدة ،والدي كان يحاول دائما أن يوفر لنا كل ما يرغب به اFares_muradلطفل بأيامنا. لا اذكر إني كنت بيوم من الأيام بحاجة لشيء، كل رغباتي كانت مؤمنة. والدي كان عاملا في  القطاع  الخاص. الشركة اللي كان يشتغل فيها تأممت وصار عامل بقطاع عام ، وصل لمرتبة مدير عمل بالشركة اللي بيشتغل فيها.
جو الانفتاح السياسي اللي والدي كان عايشه، ومحاولة مشاركتي معه في كل شيء أثروا فيني، والدي كان يحاول  دائما أن يزرع فيي قدرة اتخاذ القرار منفردا بدون الرجوع له. دائما كل الأشياء اللي تخصني أنا اتخذ بها قراري.  بدي اشتري البنطلون أنا بختار قماشته ولونه وقياسه. بدي اشتري قصة انا  باخذ مصاري بنزل على السوق  بشتري القصة اللي انا بدي ياها باقرا الشي اللي انا بدي ياه. غرس فيني حب الاطلاع  والقراءة. والدي من الناس اللي كانوا يقرأو كتير وخاصة القراءات السياسية  مع انها كانت مركزة بشكل اساسي على الصحف لكنه كان قارئ جيد وكان مناقش جيد وكثير اثر فيي  ونمّا عندي شخصيتي المستقلة لدرجة لما بس كبرت شوي تمردت عليه نفسه.
درست الابتدائية بمدارس حلب ، عام63 انتقلنا من حلب الى دمشق بسبب انتقال عمل والدي فدرست الاعداية والثانوية بدمشق وحزت على الشهادة الاعدادية بـ 66  . بنفس السنة بالصيف تعرفت على حركة فتح وبدأت العمل معهم. قدمت الباكالوريا لاول مرة بـ 68 /69 .ايام الفحص بحزيران  69/ صار اشتباك  بين المقاومة و السلطة في الاردن فتركت الفحص وسافرت إلى الأردن… رسبنا اول سنة . السنة التانية كمان بنفس الفترة او قبلها بحوالي اسبوع، اسبوعين تقريبا صار اشتباك بين المقاومة وجيش لبنان، كمان تركت ورحت على لبنان…. ورسبنا السنة التانية وما عدت قدمت الباكالوريا وتفرغت للعمل بفتح وبعدها اختلفت انا وياهم فتركت . امضيت  خدمتي الالزامية ،في فترة عملي مع فتح  اشتغلت فترة بمكتب الاعلام فتعرفت من خلال عملي هنيك على مخرج سينمائي فلسطيني اسمه مصطفى أبو علي ، وعملي معه فتح  أمامي آفاق جديدة للنظر الى السينما وخلتني اشوف السينما على حقيقتها كهدف تثقيفي او ادة تثقيف واداة نضال في نفس الوقت  فاتجه تفكيري لدراسة السينما.
وبدأت اجمع مراجع ودراسات خاصة وبعدين انتسبت للنادي السينمائي بدمشق على أمل ان أنمي ثقافتي السينمائية سعيا انه بعد ما انهي خدمتي الإلزامية أقدم لفحص الشهادة الثانوية واحصل على الثانوية وادرس اخراج سينمائي . خلال وجودي في الجيش تشكلت المنظمة الشيوعية العربية وانتسبتلها وشاركت معها ونسينا الدراسة ودخلنا على السجن ، اعتقلت بـ21/6/1975 اعتقلت لمدة 29 سنة إلا بضعة اشهر، أفرج عني في 31/1/2004 قضيت منها 16 سنة بتدمر قبلها كان في ثلاثة أشهر بالمزة وفترة التحقيق والمحاكمة وبعدها قضينا سبع سنوات  من 75/ 91  بسجن عدرا، نقلنا الى سجن عدرا تمهيدا لاخلاء سبيلنا فبقينا 7سنوات بعدرا، وبعدين نقلنا إلى سجن صيدنايا وقضينا ست سنوات الا اربعة اشهر واخلي سبيلي.
عناصر التنظيم اللي اعتقلنا  14والخامس عشر قتل أثناء اشتباك مع المخابرات وقت اللي حاولوا اعتقاله ، 5 اعدموا من رفقاتنا : غياث شيحة، علي الغضبان، علي الحوراني، محمد خير نايف، وليد عدوان. أما رفيقنا زهير شقير فقد قتل أثناء اشتباك مع المخابرات الذين حاولوا اعتقاله.
5 انحكموا بالسجن المؤبد: جميلة البطش، عماد شيحة، هشام القاسم، هيثم نعال وانا، و4 حكموا 15 سنة: سلطي نوارة ومحمود أبطح ونبيل كنيفاتي وبيهس كنيفاتي.
المنظمة الشيوعية العربية منظمة كانت تمارس العمل السياسي والعمل العسكري. هدفها بشكل أساسي، الهدف الرئيسي الاستراتيجي، بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد، الهدف التكتيكي اللي كان عم يتمارس بفترة العمل اللي اعتقلنا فيها هي مقاومة الوجود الاقتصادي والثقافي والمحاولات الأمريكية البريطانية للعودة إلى المنطقة بعد أن طردت منها بـالعام67 ولو كان الطرد شكلي لكن حقيقة أبعدت بشكل ما عن المنطقة او عن اغلب الدول ، بهذا الوقت كنا مجموعة من الشباب اغلبهم طلبة جامعيين ارتأينا أو ارتؤوا خليني اقول ، لانه انا بهداك الوقت صحيح عم نتناقش انا وبعض الرفاق بنفس المواضيع لكن نقاشي كان من خارج التنظيم لانه لم يسمح لي ان ادخل الى التنظيم الا بعد ان انهي خدمتي الالزامية . الرفاق اللي كانوا ارتأوا انه يجب أن يكون عملنا السياسي مرفق بعمل عسكري حتى نقدر نسمع صوتنا لأنه ما عنا امكانيات ما في  حدا يسمعنا اذا ما كان في شي مؤثر يفيدنا  لذلك استخدم العمل العسكري ليس كهدف وانما كوسيلة ورافعة لإسماع الصوت السياسي، وكان أساسي في عملنا العسكري أنه كان مجرد رافعة إعلامية  ما بيستهدف بشر على الإطلاق..”.
•    لو عاد بك الزمن إلى الوراء  أكثر من ثلاثين عاما هل كنت لتمشي الدرب نفسه؟
الزمن لا يعود. لا أزال اعتقد أن الوطن بحاجة إلى من يضحي، الآن وغدا وقبل ثلاثين عاما وبعد ألف عام. يجب أن يكون هناك ناس تمشي في دروب النضال. كان قدري أن أكون واحدا من هؤلاء. الآن وغدا ستبقى حاجتي للنضال مثل حاجتي للطعام.
•    بالمفاضلة بين ما كسبت وما خسرت بسبب نضالك السياسي تبدو خسارتك أكبر بكثير مما ربحت؟

أنا لم أخسر شيئا.
•    خسرت عمرك..
ليست خسارة. حتى لا يظن أحد أنني أتواضع تواضع كاذب، أنا معتد كثيرا بنفسي. لكن حقيقة، عندما أنظر إلى ما قمت به وقدمته إلى وطني، أراني مقصرا. هناك أشخاص قدموا روحهم ودمائهم في سبيل وطنهم. أنا قدمت جزءا من عمري ولم أضيعه. صحيح أنني كنت سجينا لكن كانت لدي القدرة خلال وجودي في السجن أن أستفيد من فترة سجني. نميت قدراتي العقلية وإدراكي، فهمت الحياة أكثر، فهمت طبيعة الصراع مع العدو الذي أحارب ضده. أنا لا أعتبر أبدا أنني خسرت شيئا، بل إنني رابح على طول الخط.
أفرج عن فارس مراد عشية عيد الفطر من عام 2004. أجمل أحاديث الخارجين إلى الحرية، هي أحاديث اللحظات الأولى، الخروج  من  باب المعتقل، سائق التكسي، والبحث عن المنزل الذي ضاعت تضاريسه في مدينة تكبر وتزداد شحوبا.
•    ماذا تذكر عن الدقائق التي قضيتها ما بين باب الفرع الأمني الذي خرجت منه وباب منزلكم؟
عند الإفراج عنا من فرع التحقيق استأجرت وسجين آخر خرج معنا سيارة        أجرة, بعد أن صعدنا إلى السيارة ( وكانت ليلة عيد ) حيانا السائق بتحية العيد ورددنا عليه التحية بمثلها. أضفنا، قل لنا ( الحمد لله على السلامة )،سأل أين كنتم؟ قلنا: هون، واشرنا إلى الفرع. قال منذ كم قلت أنا منذ30 سنة، الأخ منذ 14 سنة. كبح سيارته بشدة وضرب على رأسه صائحا 30سنة وخرجتم أحياء.أنا أوقفت لثلاثة أشهر وخرجت كالمجنون. قلنا له وجهتنا و نبهته إلى أننا قد نضطر للبحث عن المنزل قليلا. قال أنا معكم للصبح .أوصلني إلي باب المنزل من المرة الأولى، لكني أنكرته. الحارة تغيرت والمشهد غير المشهد الذي اعرفه. درنا حول المكان لمدة تزيد عن20 دقيقة وفي النهاية رأيت علامة يمكن أن تدلني إلى البيت وتوجهنا إلى المكان الاول الذي وقفنا أمامه. نزلت من السيارة ونفحته بعض المال الذي حاول ألا يأخذه لكني اصريت. طلبت منه انتظاري لمدة 5 دقائق فإذا لم اعد يكون هو منزلي، ويستطيع أن يرحل. صعدت والتقيت بأهلي ونسيت السيارة ومن بها . بعد أيام زارني زميلي السجين الذي كان معي بالسيارة واخبرني أن السائق انتظر مدة تزيد عن10 دقائق ولم يغادر إلا بعد أن أصر عليه زميلي بذلك.كما اخبرني أن السائق لم يتقاض منه أي قرش فوق ما أعطيته رغم أن عداد سيارته أشار إلى أكثر من ضعفي المبلغ الذي نفحته إياه.
إلى هذا السائق الذي لم اعرفه ولا اعرف عنه شيئا اقدم لك شكري. موقفك هذا اثر في كثيرا ولن أنساه وسأبقى أحدث به ما حييت كدليل على طيبة أبناء هذا الوطن.
•    ذكرت في أحاديثك الخاصة أن اللحظات الأولى للإفراج عنك كانت عصيبة. لماذا وكيف تجاوزتها؟
بعد29 سنة من الاعتقال- وهي أكثر بأربع سنوات من حياتي التي عشتها قبل الاعتقال، الانسان يتأقلم مع الظرف والوضع الذي عاش فيه. كان في تصوري أنني فقدت حياتي قبل ثلاثين سنة والآن سأعود إلى الحياة من جديد. هذه الفكرة كانت خلال اليومين أو الثلاثة التي أمضيتها بين السجن والحرية في فرع الأمن. كيف أستطيع أن أخرج إلى الحياة والناس سبقوني ثلاثين سنة كاملة بكل شيء. ثلاثون سنة بعمري ووضعي الصحي، كم يلزمني لكي ألحق بهم.
ثلاثون سنة من العزلة جعلتني أتخوف من لحظة الحرية. لكن في الحقيقة بعدما خرجت من السجن، ووجدت ما وجدته من الترحيب والتفاف الناس والأصدقاء حولي، وسعيهم للتواصل معي، ساعدني كثيرا. من ناحية ثانية كنت أخاف أن أكون قد تخلفت فكريا عن مستوى بقية الناس، لكن تفاجأت بأنه بحسن تدبير وعناية الأصدقاء والرفاق في المعتقل،استطعنا الحفاظ على عقلنا وروحنا داخل السجن. وبالتالي حالة الإحباط واليأس التي كنت أخشى الوقوع فيها انتفت عندما رأيت التضامن الموجود لدى الناس معنا.
•    ما هو الشيء الذي تفتقده بعد الإفراج عنه؟
لا شيء في السجن يفتقد. كل ما ذهب غير مأسوف عليه.

•    وأكثر ما افتقدته داخل السجن بالإضافة إلى الحرية؟
المرأة. حقيقة، حياة الإنسان في السجن عذابين. الحبس في المجال الضيق للغرفة أو الباحة أو حتى المهجع الذي نعيش فيه، والانقطاع عن العالم الخارجي وأحد أهم مكوناته المرأة. وحقيقة لا يشعر بقيمة  الشيء إلا فاقده. قبل الاعتقال كنت احترم المرأة. اكتشفت بعد الاعتقال كم كانت نظرتي للمرأة قاصرة وتعلمت أن أنظر لها نظرة مختلفة. ربما نظرتي إليها الآن تقترب من القداسة. أكثر ما افتقدت في السجن هو المرأة ولمستها الحانية.
•    فقدت والدتك أثناء اعتقالك، ولم ترتبط عاطفيا بعد الإفراج عنك، هل مازلت تعيش حالة الفقد تلك؟
هناك أسباب موضوعية وراء ذلك في الوقت الحالي. ما يمنعني جديا أن أبحث عن ارتباط بالمرأة الآن هو وضعي الصحي أولا ووضعي المادي ثانيا. عندما أفكر بالارتباط أود أن أتمكن من أن نعيش حياة طبيعية، نذهب ونجيء، لدينا رغبات نلبيها لبعضنا. أنا ليست لدي القدرات الجسدية للقيام بهذه الواجبات، ومن ناحية ثانية إذا أحببت أن أعزمها على فنجانه قهوة فليس معي ثمنه. فكيف أفكر بالارتباط بإنسانة لا أستطيع أن أتعاون وإياها لبناء حياة مشتركة  نساهم فيها سوية؟ تلك بعض الأسباب التي تجعلني أبطئ قليلا من البحث عن شريكة، لكنني لن أتوقف عن البحث.
•    ثلاثون سنة اعتقال، وكل هذا الفقد، هل أنت حاقد على من تسبب لك بذلك؟
أنا الذي فكرت وقررت وعملت في هذا الاتجاه، هذا قدري الذي اخترته بيدي.
•    أنت تبرر الاعتقال السياسي؟
كلا على الإطلاق، الاعتقال السياسي لا يبرر بأي شكل من الأشكال.  لكن الموضوع ليس موضوع حقد أو ثأر. هناك قوى متصارعة وكل قوة تحاول أن تحافظ على وجودها وكيانها وسيطرتها بوسائلها الخاصة. هذه الوسائل مدانة؟ طبعا أدينها من كل قلبي.  لكن لا أعتقد أن الحقد كلمة  مناسبة للاستخدام في هذا المجال. هناك محاسبة إذا جاء وقت المحاسبة، لكن بدون حقد.
•    هل كانت والدتك تزورك  أثناء اعتقالك؟ وهل سمعت منها لوما بسبب نشاطك السياسي وما نتج عنه؟
والدتي بقيت تزورني حتى قبل آخر ثلاث سنوات من حياتها، حيث مرضت وانقطعت زياراتها. لم أسمع منها يوما كلمة لوم، مرة واحدة   نقلت لي نصيحة من الأمن بأن أقدم طلب استرحام للإفراج عني، وقلت لها، لا أقدم طلب استرحام لا اليوم ولا بعد عشر سنوات أو خمسين سنة، وأصريت على أنه لا إمكانية للمساومة في هذا الموضوع حتى مع أمي التي أعتبرها أسمى مخلوق في العالم.
•    أنت عضو مؤسس في لجنة الدفاع عن أسرى الجولان التي تأسست منذ فترة، ما الذي دفعك إلى التحرك في هذا الاتجاه؟
لم يغب الجولان عن خاطري في يوم من الأيام. يوم إخلاء سبيلي كان يوم تبادل الأسرى بين حزب الله والعدو الصهيوني، هذا التبادل الذي استثني منه الأسرى السوريون. وهو ما أثر في نفسي كثيرا. بعد ذلك، قرأت ما طرحته ابنة الياهو كوهين الجاسوس الاسرائيلي الذي أعدم في سوريا منذ عدة عقود. تصوري أنها مازالت تطالب برفاة والدها منذ ذلك الوقت، بينما نحن نهمل أسرانا في سجون العدو الصهيوني. لذلك التقيت أنا وبعض الأصدقاء وتناقشنا في الموضوع واقترح أحدهم فكرة إنشاء تجمع يهدف لتحريك ملف الأسرى على الصعيدين الداخلي والخارجي، لكن للأسف نشاط اللجنة ليس كما كنا نأمل لأسباب عديدة داخلية وخارجية.
إيديولوجيا وجدل
•    هل ما زلت تحمل نفس الايدولوجيا التي كنت تحملها قبل اعتقالك؟
الايديولوجيا كما أفهمها هي إيمان، عقيدة، وليست مجرد كلمة. أنا انسان ماركسي وسأبقى كذلك، أو بالأحرى، أحاول أن أكون كذلك. والماركسية ليست شيئا مقدسا أو منزلا. بل هي نصوص مختارة مكتوبة يمكن تغييرها وتبديلها. لكن تبقى الروح الماركسية. خلاصة الأدب الماركسي السياسي والاجتماعي والاقتصادي هو ما يمكن  أن نبني عليه نظرة ايديولوجية جديدة للمستقبل كما نريدها نحن، وكما يناسب وضعنا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
كماركسي لا أحضر النص وأطبقه قسرا على الوضع الذي أعيشه حاليا. لا بد من تعديل النص وتغييره مع الحفاظ على روحه، ولا ننسى أن نضيف إلى ماركسيتنا ما يتناسب معها من ارثنا الثقافي الحضاري الإنساني التاريخي الإسلامي والقومي.بما يتناسب مع وضعنا وقدراتنا الاقتصادية وإمكانيات مجتمعنا ووضعه السياسي.
•  بعد الإفراج عنك، أنت ناشط ضمن الحراك الديمقراطي السوري المعارض، هل تغيرت أولوياتك من الصراع  ضد الامبريالية إلى النضال من اجل الديمقراطية والحرية؟
دعيني أصدقك القول. أنا ورفاقي الذين كنا في المنظمة، تناقشنا مطولا حول الطريق الذي يجب أن نسلك للوصول إلى أهدافنا. في أيامنا تلك، لم تكن وسائل النضال السلمي متاحة لنا مطلقا. لا يوجد وسائل متاحة لإسماع صوتنا لغيرنا.
كان الناس في كل مدينة كأنهم في سجن مستقل، فكان من الضروري اللجوء إلى وسيلة إعلامية رافعة للعمل السياسي الاجتماعي الذي نقوم به، وكان اختيارنا للعمل المسلح. عندما تكون لدي إمكانية لتوصيل أفكاري ومبادئي والسير باتجاه أهدافي بطريقة سلمية، لا داعي أبدا للعمل العسكري. طريقة العمل اختلفت مع الزمن. المبدأ والهدف لا يزال موجودا، لا أزال أؤمن بوجوب مقاومة الوجود الامبريالي الأمريكي في المنطقة العربية، وأؤمن بضرورة بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد. لكن طرق ووسائل الوصول إلى هذه الأهداف تغير مع الزمن.
•    أفهم انه حتى هذه اللحظة فإن بناء المجتمع الحر الديمقراطي ليست من أولوياتكم؟
بناء المجتمع الحر الديمقراطي الاشتراكي، من قال أن الاشتراكية تتعارض مع الديمقراطية؟
•    بغض النظر عن هذا الجدل، فإن خصمك بالدرجة الأولى هو الامبريالية وليس الاستبداد؟
الاستبداد والامبريالية معا هما خصماي، الاستبداد والامبريالية صنوان شريكان.
•    هل تعتقد أنه بالإمكان تحقيق الديمقراطية في سوريا بدون مساعدة الغرب؟
برأيي أننا يجب أن نبني الديمقراطية بأيدينا دون الاعتماد على أية مساعدة خارجية غربية أو شرقية، لن يقدم لنا الخارج من الولايات المتحدة إلى إيران أية مساعدة حتى معنوية بدون قبض ثمنها.
•    مارستم العمل العسكري في المنظمة، هل ما زلت تؤمن بهذا الشكل من النضال؟
عام 1975 لو كانت لدينا إمكانية، وأقولها بصدق، لإسماع صوتنا بشكل عادي مباشر للعالم، لم نقترب من العمل العسكري. الآن هناك مليون إمكانية. مئات المحطات الفضائية وآلاف المواقع البريدية. هناك إمكانية للاتصال مع الناس في أي مكان. أمام الثورة التكنولوجية العلمية الموجودة لا شيء يحد من قدرة الإنسان على التواصل.
•    هل قمتم في المنظمة الشيوعية العربية بنقد تجربتكم السياسية والفكرية؟
بدأنا بذلك واضطررنا إلى التوقف لأسباب خارجة عن إرادتنا  وسنتابع متى توفرت الظروف المناسبة.
الشخص الذي حمل في قلبه وأوجاع جسده  ثلاثين سنة من ظلام السجن، تجده في جميع محاكمات معتقلي الرأي، والاعتصامات السلمية المناهضة للاستبداد. يسلم على معتقل أفرج عنه، أو يزور عائلة من اعتقل للتو.. يضحك من  قلبه، ويحب من قلبه. يدخن بلا انقطاع، ويعتقد أن حياته أصبحت عدما، وهو لا يدرك زخم الحياة التي يبثها في الآخرين. ربما لأنهم يدركون ذلك، مازالوا يرفضون  السماح له بالسفر حتى للعلاج.
•    فارس مراد، ماذا يفعل الآن، كيف يقضي أوقاته، وإلى ماذا يطمح؟
حياتي باتت عدما لا يرجى منه فائدة. أقرأ أحيانا. ووضعي الصحي لا يساعدني للقيام بنشاط كاف. أحاول أن أقوم ببعض النشاط الاجتماعي وبالأخص مع عائلات المعتقلين وحضور المحاكمات وغير ذلك، لكن العمل الذي أقوم به غير كاف بسبب وضعي الصحي. طموحي كان أكبر بكثير من ذلك لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
•    ما قصة وضعك الصحي؟
أنا بشكل أساسي مصاب بمرض التهاب الفقار اللاصق، وهو ما يسبب لي عجز في الحركة يقدرها الأطباء بين 50و70%، وهو ما يتسبب أيضا بضيق التنفس، ويحد من قدرتي على المشي. حركتي  بطيئة. هناك انحناء في العمود الفقري يضغط على الرقبة والرئتين. أصبت بالمرض منذ نحو عشرين عاما.
•    ألم تتلق العلاج المطلوب في السجن؟
لم أتلق غير المسكنات.
•    لم تخبرنا إلى ماذا تطمح؟
كنت أطمح إلى أن أجد علاجا لمرضي، لكن آخر شيء وصل له الأطباء بأن مرضي وصل إلى حد النهاية. ولا يوجد له علاج على الإطلاق. طموحي الآن أن ألاقي عملا يناسب وضعي الصحي أستطيع من خلاله أن أنتج ما يفيدني ويفيد الوطن.
•    تتكلم عن فترة اعتقالك كأنك تسرد قصة شخص آخر، هل أنت متصالح مع سجنك وسجانك إلى هذا الحد؟
مع سجاني أبدا، لكن سجني هو واقع عشته. وعندما أنظر إليه الآن وأود الحديث عنه، أحاول وبشكل مقصود أن أحكي عنه كطرف خارجي. ولو أردت أن أحكي عنه كإنسان من داخل السجن، لاختلف كلامي. الحديث عن السجن وآثار السجن ومآسي السجن والوضع النفسي الذي كنا نعيش فيه والعزل عن العالم والعذاب النفسي والجسدي الذي تلقيناه ووضع الناس الذين كانوا معنا. أتمنى أن أتمكن في المستقبل القريب من البدء بكتابة مذكراتي عن فترة الاعتقال.
•    ما الذي تولد معك في السجن وأخرجته معك إلى الحرية؟
الهدوء. كنت عصبيا جدا قبل الاعتقال، وفي السجن تعودت على الهدوء وحافظت عليه.
“http://tharwacommunity.typepad.com/whereto_syria/2006/10/post.html

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى