صفحات سورية

هل تشمل موجة الاحتجاجات سوريا ؟

null
سركيس نعوم
التحرك الشعبي الناجح الذي جرى في تونس، والتحرك الشعبي الواسع الذي تشهده مصر منذ “25 يناير” الماضي والذي لم يصل الى نتيجة نهائية وحاسمة بعد رغم وضعه حكم رئيسها حسني مبارك على طريق النهاية، …أو رغم وضعه مصر نفسها على شفير الفوضى والانقسام وربما الاقتتال، والتحركات الشعبية الأخرى التي بدأت تشهدها الجزائر في المغرب العربي واليمن على حدود الخليج العربي والاردن الواقع في قلب العالم العربي، هذه التحركات أكدت أمراً واحداً هو عدم رضى الأكثرية الساحقة من شعوب الدول العربية على الأنظمة التي تحكمها، بل شعورها بالغضب عليها جراء ظلمها وفسادها وقمعها وعدم تلبيتها حاجات مواطنيها الأساسية منها أو البسيطة أو اليومية. كما اظهرت استعداد هذه الشعوب للنزول الى الشارع بغية التخلص من هذه الانظمة او على الأقل بغية اجبارها على اصلاح نفسها بحيث تقدم لشعوبها ما حرمتها إياه طوال عقود. لكن هذه التحركات اثارت تساؤلاً واحداً، ليس فقط عند اللبنانيين كما قد يعتقد البعض أو في العالم العربي، بل أيضاً عند العالم الغربي وتحديداً في أوساط قائدته وزعيمة العالم الولايات المتحدة. والتساؤل هو في الواقع مجموعة تساؤلات ابرزها الآتي: هل تبقى سوريا بمنأى عن التحرك الشعبي المُطالِب بالاصلاح على تنوعه أو ربما بالتغيير؟ وكيف سيتصرف النظام السوري الحاكم منذ نحو أربعين سنة حيال تحرك كالمذكور في حال حصوله؟ وهل هناك غالبية شعبية سورية تشعر بظلم النظام الحاكم لها وتنتظر الفرصة السانحة للانتفاض عليه؟ وهل ما يجري في العالم العربي حالياً يُقوّي سوريا الأسد وخصوصاً في ظل احجام شعبه حتى الآن عن التحرك ضد النظام رافعاً شعارات الاصلاح والتغيير؟ أم ان الدعوات التي أُطلِقت بواسطة الـ”فايسبوك” والـ”تويتر” من آلاف السوريين المقيمين في الخارج (9000) للقيام بتحرك شعبي اليوم السبت في دمشق وسوريا كلها ستلقى استجابة شعبية؟ وماذا سيكون حجم هذه الاستجابة في حال شهدت شوارع دمشق اليوم وربما مدن سورية أخرى تحركات شعبية؟
هل من أجوبة عن النوع المذكور من التساؤلات؟
لا أزعم امتلاك مثل هذه الأجوبة، كما لا أعتقد ان الجهات الاقليمية والدولية المعنية بمصير المنطقة واستقرارها تمتلك أجوبة عنها. لكن ما اعتقده وربما اعرفه هو ان الباحثين الكبار والموظفين الكبار في اميركا يعكفون على درس وضع سوريا في ظل موجة التحرك الشعبي العارم في اكثر من دولة عربية، ربما بغية استشراف المستقبل القريب والتحوّط له. ذلك ان عدم الاستقرار و”تزعزع” الالتزامات الاقليمية والدولية لا بد ان يكونا من ابرز نتائج هذا التحرك سواء نجح في التغيير أو اخفق. ومن هؤلاء موظف رفيع سابق عَرَفَ سوريا واسرائيل والمنطقة جيداً وخَدَمَ في الخارجية الاميركية كما في مجلس الأمن القومي، وهو اليوم باحث في احد أعرق مراكز الابحاث الاميركية، وربما يعود يوماً الى “الادارة”.
ماذا استنتج هذا الباحث من درسه وضع سوريا وموضوعها؟
قبل ان يستنتج سأل اذا كانت موجة التغيير ستشمل سوريا، واجاب عنها بالآتي:
1- يتوق المعارضون السوريون الى “يوم غضب” خاص بهم في دمشق ومناطق سورية أخرى، قد يكون اليوم، ويُعدُّون له او يستعدُّون له. ما جرى ويجري في دول عربية أخرى يغريهم بالقيام بمثله. وهم يستعملون كل الوسائل التي استعملها العرب الآخرون لتعبئة الشعب ضد الفساد والقمع والوضع الاقتصادي الصعب والحرمان من حرية التعبير وعدم احترام حقوق الانسان..
2- تأخذ الادارة السورية بجدية كبيرة ما جرى ويجري في دول عربية عدة، ولكن من دون هلع ومن دون مظاهر تدل على الارتباك. وقد عبَّر عن ذلك، وإن على نحو غير مباشر، الرئيس بشار الاسد في حديثه الاخير للـ”وول ستريت جورنال” الاميركية، وذلك عندما أكد ان بلاده ستشهد في المستقبل غير البعيد اصلاحات بعضها سياسي، وبعضها اعطاء المنظمات غير الحكومية مزيداً من “الصلاحيات”. الا انه اعتبر ان الثورة الاسلامية الايرانية لعام 1979 هي التي اطلقت شرارة الانتفاضات العربية، وكأنه يوحي بذلك ان نظامه في مأمن كونه متحالفاً مع ايران هذه، ومتوافقاً مع استراتيجيتها والشعارات.
3- بين سوريا ومصر الكثير من الامور المشتركة والتناقضات. الدولة في كل منهما كانت ولا تزال حتى الآن على الاقل “علمانية”. وكل منهما قامت في اعقاب انقلاب عسكري. والدولتان قادهما زعيمان حاول كل منهما توريث ابنه السلطة. ونجح الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في ذلك عام 2000. ويبدو ان الرئيس المصري اخفق في ذلك، أو على الاقل هذا ما تُظهِره التطورات الاخيرة في بلاده. وسوريا ومصر توحدتا في الخمسينات. لكن وحدتهما انفضّت بعد سنوات قليلة. ومنذ ذلك الحين والنظامان (الدولتان) يتنافسان على الزعامة في العالم العربي، فضلاً عن ان كلاً منهما سلك طريقاً مناقضة لطريق الآخر. فمصر اتجهت نحو الغرب وتحالفت مع اميركا ووقّعت سلاماً مع اسرائيل، وسوريا تطلعت الى “الشرق” وتحالفت مع الاتحاد السوفياتي ثم ايران الاسلامية، ثم تزعمت معسكر الرفض في العالم العربي، ولا تزال. ومصر ورغم شمولية نظامها سمحت بشيء من حرية التعبير والنقد وحرية الاعلام، وكل ذلك غير معروف في سوريا. الاسلاميون قُمِعوا في مصر، لكنهم “استؤصلوا” في سوريا. واذا كانت مصر مع مبارك متسلطة نظاماً فإن سوريا مع آل الاسد كانت ديكتاتورية مطلقة، ولا تزال.
4 – يراقب الاسد ومن قرب، أو هكذا يُفترض فيه، تطور الاوضاع في مصر. وقد يكون في سِرِّه يلوم مبارك لأنه لم يتحرك في سرعة وبكل قوة ضد الاحتجاجات الشعبية وقبل استفحالها. وهذه رسالة تعلمها الاسد الابن من الأسد الأب الذي واجه التمرّد الاسلامي الاصولي (الاخوان) عليه بقمع قاسٍ جداً في حماه عام 1982 وخارجها. ولا شك في ان الأب الراحل علّم الابن ان يحكم بيد من حديد، وبواسطة أجهزة امنية قوية وقادرة ومُسيْطَر عليها، وان لا يتساهل مع أي انشقاق أو محاولة انشقاق، كما مع اي انتفاضة.
5- قد لا يكون مفاجئاً قيام الرئيس بشار الاسد بتنظيم تظاهرات تطالب باصلاحات الحد الادنى التي يستطيع تنفيذها، وبذلك يتفادى الموجة الشعبية الزاحفة على الأنظمة العربية. علماً ان اي تحرك يُشتَم منه تحدٍ للنظام أو لرأسه لا بد ان يواجه برد فعل سريع ومفاجئ وقاس وشديد ومؤذٍ. وعلماً ايضاً ان السوريين الراغبين في الاصلاح أو التغيير يعرفون ان اي تحرك لهم في الشارع لن تكون نتيجته مشابهة لما جرى في تونس بل لما يجري الآن في مصر وربما على اسوأ. ولا يبدو انهم مستعدون لدفع هذا الثمن. في أي حال ان تفسير السوريين لما يجري في مصر وتقويمهم له هو الذي سيساعدهم في صوغ خياراتهم للأيام والاسابيع المقبلة.
هل تحليل الباحث الاميركي في محله؟
هو كذلك الى حد كبير. لكن لا بد من انتظار “اليوم” في دمشق والايام الآتية وربما الاسابيع قبل التوصل الى أي استنتاجات.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى