صفحات الناسفلورنس غزلان

كنا نريد رمي اليهود في البحر، الآن نرسل بمسيحيي بلادنا إلى البحر

null
فلورنس غزلان
أدعو من خلال هذه المقالة إلى العمل معأً على إلغاء مادة( التربية الدينية) من المناهج التعليمية والاستعاضة عنها بمادة الأخلاق.
ماجرى خلال العقود الثلاثة الأخيرة المنصرمة، ومن خلال مراقبتنا للتردي الذي يسير بتركيبتنا السكانية “ــ مصدر فخرنا وثراءنا الثقافي والسياسي”ــ لايؤشر فقط للخطر، وإنما مشى فيه ردحاً طويلاً يمكنه أن يودي بمنطقة الشرق الأوسط برمتها نحو هاوية التذرر والتشرذم إلى دويلات لايجمعها إلا خيوط عنكبوتية واهنة تقوم على مادون الدولة، وتجعل من المنطقة مسرحاً وساحة لحروب أهلية ولصراع نفوذ مناطقي ودولي، فيصبح الشرق الأوسط ” أفغانستاناً جديدة أو صوملة جديدة” ..كل ماجرى ويجري لم تحرك حياله الأنظمة القائمة سوى المزيد من البيانات أو الخطب الرنانة، وتوجيه التهم للآخر” صاحب المصلحة” أي العدو أو الاستعمار أو الامبريالية…الخ..ولا يلقي أي نظام من هذه الأنظمة بالمسؤولية على وجوده ودوره وقيادته، بل يحاول أن يوحي للمواطن المُبعَد والمُجَّوع…أنه وحده القادر على ضمه وتوحيده تحت جناحيه وتأمين الحماية للضعفاء منه..!
ــ بعد احتلال عصابات الهاغانا وتغلبها على جيش الانقاذ العربي عام 1948 ، وإقامة دولة إسرائيل بعد تهجير شعبها الفلسطيني وتشتيته، كل الأنظمة العربية ، وخاصة من جعلت من ” القومية العربية” شعارها وطرحت ــ كي تبقى وتتسيد ــ شعار تحرير فلسطين وإلقاء اليهود الصهاينة المحتلين بالبحر وإعادتهم من حيث جاءوا، وبعد أن خاضت أنظمة القومية العربية، حربين متتاليتين مع إسرائيل( 1967، 1973 ) كانت نتيجتها …أن الفلسطيني من عاد للتشرد مرة ثانية وللجوء سواء داخل ماتبقى من أرض فلسطينية أو إلى الدول العربية المجاور، أو اتخذ من البحر طريقه لبلاد الكون الواسعة..بينما بقي الاسرائيلي ثابت الخطا مطمئن القلب، ينتشر ويتوسع ويزيد من تثقيب حتى من وافقت عليه الدول العربية ومنظمة التحرير وهيئة الأمم لإقامة دولة فلسطينية على أراضي الضفة والقطاع..وكلكم يعرف الوضع الحالي، وهل هناك امكانية لإقامة سلام ودولة للفلسطينيين أم لا!..فعنصرية إسرائيل تجاه العرب على مختلف مذاهبهم أدت أيضاً إلى ركوب الفلسطيني المسيحي درب الهجرة، أتمتها بأحسن منها حماس بتسلمها زمام السلطة في القطاع وفرضها على الطالبات والمحاميات اللباس الشرعي الإسلامي ” جلباب وحجاب” حتى لو كانت مسيحية!، ناهيك عن إغلاق محلات وكازينوهات وغيره!….
ــ في الأمس القريب خاض لبنان حرباً أهلية دامت 15 عاماً راح ضحيتها عشرات الألوف من كافة الأطراف المتصارعة والطوائف المتناحرة ، وكذلك الفصائل الفلسطينية ، التي دخلت باللعبة، بعد اتفاقية الطائف..تصورنا أن الأمور ستعود إلى نصابها ولبنان لعافيته، لكن لبنان مذ خلق على أساس تركيبته الطائفية المتداخلة في السياسة، وارتباط كل طرف منها بأطراف خارجية، ونتيجة لهذه التركيبة الهشة، جعل من واحته الأكثر حرية من كل جيرانها في المنطقة، ساحة لتصفية حسابات وإقامة شبكات نفوذ خارجة عنه، ونرى اليوم أنه يتأرجح بين العودة للفوضى والعنف أو الاستقرار الهش أيضاً، والذي يمكنه أن يطيح وللأبد ببعض ديمقراطيته القائمة على المحاصصة الطائفية، والتي أصبحت من حيث الموازين المتواجدة على الأرض تجنح نحو الإخلال بهذا التوازن لصالح أجندات وأطراف مناطقية أخرى…من البديهي أن نسأل مالذي طرأ على هذه التركيبة وأدى لاختلال ميزانها.؟.بالطبع حربه الأهلية الطويلة والتي دفعت بأكثريته المسيحية، التي كانت بعد الاستقلال تساوي 55 بالمئة لتعادل اليوم مايقارب ال40 بالمئة فقط.، إلى الهجرة والرحيل عن الوطن حماية للنفس والأسرة من التصفيات والاغتيالات المتلاحقة.
ــ في العراق…سيقول البعض أنها حرب أهليه تتصارع فيها كل ثيران الطائفيه داخل الزريبة العراقية ــ عفوا لهذه العبارةــ  لكني لم أجد أكثر منها قرباً لوصف بلد كان ذات يوم معقل الحضارات وأصبح اليوم رمزاً  للتوحش، فهل يمكن لبشر يعيشون فوق أرض جمعتهم تاريخياً أن يسفكوا دماء بعضهم بكل هذه الوحشية ولا نقول عنهم ثيران وما يقيمون فيه زريبة؟..لأنهم لو احترموا وطنهم ومقدساتهم لما ارتكبوا كل هذه الجرائم وباسم الدين اياً كان هذا الدين وأياً كان هذا الرب القاتل…الذي يدفعهم لقتل المختلف ــ بالطبع أقصد من امتدت يده للعنف بحق أخيه، ولم يجد حرجاً في سفك الدماء واستخدام القتل كحوار سياسي!..
نعم كل الطوائف أصيبت ، وكلها قتل بعضه، لكني أبريء المسيحيين بينهم..فقد كانوا ضحية الجميع…ضحية السنة والشيعة والأكراد وإن بنسبة أقل ــ في الموصل ، في نينوى، وفي بغداد..والبصرة..هجروا عمداً وذبحوا وطلب إليهم الخروج لبلاد تشبههم دينياً، أغلقت وحرقت محلاتهم التجارية تحت اسم محاربة الفسق وشرب الخمر..ــ مع أن شاربيها من المسلمين أكثر من شاربيها المسيحيين ــ نهبت محلات الصاغة التابعة لهم، قتلوا داخل كنائسهم أكثر من مرة وأشهرها وأحدثها ماحدث منذ أيام قليلة نهاية العام الفائت حين دخل القتلة كنيسة ” سيدة النجاة” بالكرادة/ بغداد..فأطاحوا فقط ب58 قتيلاً بين امرأة وطفل وشيخ عزل إلا من كتابهم المقدس وابتهالاتهم الصلاتية…ناهيك عن الجرحى الذين فاق عددهم المئة..هدد القتلة بأننا سنطال كل الكنائس في الشرق الأوسط وخاصة أقباط مصر ونحذرهم ونطالبهم بالرحيل فبلادنا ليست للكفار!! يجب أن تصفى وتنقى من أي بذور خارج حياض الإسلام!!، ماذا فعل المالكي وحكومته؟ وهل استطاع أن يحمي أحداً حتى اليوم؟ وهل أثبت أنه جدير بإدارة وطن على شفى حفرة الموت وجحيم الفساد وتهجير أكثر من مليوني مواطن عراقي؟!…كنا نأمل أن يتمكن العراق من الاستقرار ومن تعلم دروس الحكمة من الموت المتواصل…لكن عندما تأبى القيادات السياسية إلا أن تصفي منافسيها بطرق عنفية…فكيف للأمن أن يستتب؟ وعندما تنتمي القيادات السياسية نفسها لأحزاب ذات طابع مذهبي…فكيف يمكنها أن تبني مواطنة؟..ــ المالكي ينتمي لحزب الدعوة…وغيره كذلك..ناهيك عن القوانين الطالبانية ، التي بدأت تأخذ طريقها للتطبيق على مواطني العراق( كمنع تدريس الفنون والمسرح…وإغلاق محلات التزيين النسائي ..الخ) ،، فإلى أين تسير ياعراق؟..الآشوريون جزء أساسي في منبتهم وامتداد جذورهم في بلاد الرافدين …فكم تبلغ نسبتهم اليوم مع بقية المسيحيين؟ …لعلمكم لاتساوي النسبة سوى 3 بالمئة فقط. معظمهم هاجر للولايات المتحدة والدول الاسكندينافية…وغيرها.
ــ في مصر الأمر وصل إلى حدود جعل منها مسرحاً جديداً لحرب عصابات..يوحى للمواطن من خلالها أنها حرب طائفية بين الأقباط والمسلمين!..راح ضحيتها حتى اليوم العديد من الأقباط ــ” سكان مصر الأصليين الامتداد الحقيقي للفراعنة”ــ، برز هذا من خلال أحداث تتكرر في مناسبات تخص الأقباط وأعيادهم وتحيلها لكوارث ومآسي..مع أنها في الحقيقة كارثة وطنية تقع قبل كل شيء مسؤوليتها على عاتق الدولة والحكومة، التي تغض البصر وتسجل الحوادث مجتمعة على ظهر ” القاعدة” ،ــ قاعدة لانعرف من يقعد عليها في أحداث مصر والعراق وغيره..منذ عامين في الاسكندرية أصابت كنائس ومحلات تخص الأقباط، ثم الحدث الذي هز العالم قاطبة في أعياد الفصح لعام 2009 أثناء عيد الفصح وإقامة الصلاة في كنيسة ” نجع حمادي” راح ضحيتها فقط 21 إنساناً بريئاً جاءوا من بيوتهم ليستقبلوا العيد بصلاة شكرلربهم على ماهم فيه ..فتعمدت صلواتهم بالدماء..ثم يتكرر الأمر هذا العام..وبطريقة أشد عنفاً وإرهاباً..سبق لمن نفذوا جريمة ” سيدة النجاة في العراق أن هددوا كنائس الأقباط بالذات..، لكن السلطة لم تشدد على حماية الكنائس رغم ماجرى وكأنها لم تسمع بأناس من وطنها ينشدون الأمن من حكومتهم!…ترسل لهم حارساً واحداً…يقف بباب الكنيسة ..ورغم التفجير لايصاب بخدش!!…فسروا رعاكم الله..مع أن السيارة المفخخة وقفت أمام باب الكنيسة وأصابت من هم بداخلها…أما الحارس فقد استثنته بقدرة قادر..فهو مسلم..لاتصيبه نيران الإرهاب ــ هذا لايعني أننا نريد به أذىً معاذ الله…لكن تساؤلنا مشروع!.
هذه الأحداث ترغم القبطي والمسيحي الشرقي على الرحيل من أجل السلامة، مع أن الكثير منهم ابتعد لفترة ثم عاد ليتعرض للقتل من جديد ــ شهادات حية على مواقع سورية  لمسيحيين عراقيين ــ هذا يعني أن تصفيتهم وترحيلهم خطة معدة بدقة وإحكام…ممن؟ هنا السؤال …الأنظمة تقول إنها فعل صهيوني قاعدي!!، لكن مسؤولية الحماية على من تقع؟..إنها بيوت الله…ألا تستحق الحماية؟…ربما في العراق الفوضى لعبت دورها فقد اختلط الحابل بالنابل…لكن “مصر الكبرى..مصر أم الدنيا”…ينحسر يوماً بعد يوم وينحدر تعداد الأقباط فيها… عدد مسيحيو وادي النيل يفوق ال 25 مليون نسمة متوزعة بين السودان ومصر ــ حسب احصائيات فرنسية سابقة ــ لكن هل العدد مازال على حاله مع ظروف مجازر دارفور وحوادث القتل التي تصطاد القبطي؟!…
ــ سيقول البعض ، أن سوريا والأردن خارج هذه الأحداث..وأن مسيحييها ينعمون بكل الخير، لكن معظمكم ربما لايدري أنهم يهاجرون بصمت، فبعد أن كانت نسبتهم عند الاستقلال تساوي 17 بالمئة من السكان لايتجاوزا اليوم ال 5 بالمئة وفي الأردن 6 بالمئة ــ حسب خريطة فرنسية نظمتها السيدة مارتين برونو ــ، هؤلاء هم سكان سورية الأصليين من سريان وآشور وروم وكاثوليك…المنطقة برمتها حتى عصر الخلافة العثمانية كان معظم سكانها تقريباً يدينون بالمسيحية…لكن الجزية التي ظلت سيفاً مسلطاً عليهم خلال عصور الخلافة  الراشدية إلى الأموية فالعباسية فالعثمانية..وظل يطلق عليهم اسم(  الذميين) ، مواطنون من الدرجة الثانية حتى عام 1856 ، حين منحت السلطة العثمانية للمسيحيين حق المواطنة، لكن تقليداً استمر قروناً وتربية استمرت على هذا المنوال، هل يمكن أن تمحى بسهولة؟…إن لم تبادر سلطة علماء الدين الإسلامي أولاً ، والحكومات في المنطقة أساساً بايجاد قوانين توحد بين السكان على أساس المواطنة ثم المواطنة…لا على أساس مذهبي طائفي مقيت، فلا حل يمكن أن يحافظ على تركيبة الثراء السكاني المبني على هذا التنوع …إلا من خلال قوانين مدنية يقف أمامها الجميع متساوين بقوانين أحوال شخصية وقانون عقوبات مدني، ولا يمكن أن تتغير ثقافة استمرت تتناقلها الأجيال وتورثها وتحافظ الحكومات عليها كوسيلة لبقائها ولضمان دعمها من السلطة الدينية المتجذرة في مجتمعاتنا، إلا باتخاذ خطوات جراحية…تعيد للأجيال ــ على الأقل القادمة ــ بعضاً من إنسانيتها واحتراماً لمواطنتها وتربية صحيحة لهذه المواطنة ، فتكون الخطوة الأولى والتي أطالب بها من هذا المنبر جميع المواطنين السوريين والمشرقيين برمتهم أن يصوتوا على هذا المطلب ويطالبوا حكوماتهم بتنفيذه كي تسلم جرة الوطن من التفتيت والتشرذم وذلك بالمبادرة ( لإلغاء مادة التربية الدينية في مدارسنا الحكومية ، والتعويض عنها بمادة الأخلاق)، كي لانفرق بين زميل وزميل ولا نبني مجتمع ممزق ونسمح فيه ومن خلاله للسلفية أن تغتال الوطن…وأن تتفشى في عقول المجتمع..وخاصة أن هذه المادة لاتحسب من مجموع علامات طالب الثانوية العامة ويمكنها أن تجعله يرسب إن لم ينجح فيها، فماهذا التناقض؟ وماذا يعني تدريسها؟ ألا تكفي المساجد وماتقوم به من دروس وعظات؟ ألا تكفي الداعيات والقبيسيات يدرن من بيت لبيت ويغسلن عقول نساءنا ثم يتنطحن لغسل عقول مربيات الأجيال، اللواتي بحاجة ماسة اليوم لإعادة تأهيل وطني…فبدلاً من اتهام العلمانيين ” بإضعاف الشعور القومي ووهن عزيمة الأمة” ، أعتقد أن من يضعف الإنتماء هو هذه المادة ، التي تمزق تكوينات المجتمع، وأن العلمانية تجمع وتقوي البنية المجتمعية..ولا توهنها…فأي قومية هذه التي سيكون انتماءنا أقوى إليها منه لوطننا الصغير المهدد بوحدته؟!
ـ باريس 5/1/2011
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى