ثورة تونسصفحات العالم

الفراغ الرئاسي التونسي وإشكالية إدارة الصراع

غادر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي البلاد، وانتهى به المقام في السعودية حيث رحبت الرياض باستضافته: فما هي طبيعة الفراغ السياسي الذي خلفه رحيل الرئيس بن علي؟ وهل انتهى سيناريو الصراع السياسي أم أنه سوف يتخذ شكلاً جديداً؟
* الفراغ الرئاسي التونسي: إشكالية إدارة الصراعمن الانتفاضات الشعبية في تونس أمس
بدأت الأزمة التونسية كحركة احتجاجات اقتصادية، وبسبب عدم قدرة السلطة على توفير الحلول الاقتصادية فقد لجأت إلى الحلول الأمنية-العسكرية، بما أدى إلى تصاعد وتائر الأزمة وتحولها إلى أزمة سياسية انتهت بالآتي:
– تزايد القتلى والجرحى.
– فشل جهود الرئيس زين العابدين بن علي في احتواء الأزمة.
– مغادرة الرئيس بن علي للبلاد.
– الإعلان عن تولي رئيس الوزراء محمد الغنوشي مهام تصريف أعمال منصب الرئيس التونسي.
تزايدت الاحتجاجات الشعبية، وشهدت ليلة الأمس برغم إعلان حظر التجول موجة كبيرة من عمليات النهب والسلب والانفلات الأمني، ولاحقاً، وفي مطلع تباشير اليوم، أعلن فتحي عبد الناظر رئيس المجلس الدستوري التونسي الآتي:
• تسليم مهام منصب رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لفؤاد المبزع رئيس مجلس النواب الحالي وذلك بصفة مؤقتة.
• الالتزام بعقد جولة انتخابات رئاسية خلال الستين يوماً القادمة.
هذا، وتشير تطورات الأحداث والوقائع إلى أن الأوضاع ما تزال متدهورة في الساحة السياسية التونسية، وحتى الآن، لا توجد أي إشارات محددة يمكن قراءتها بشكل ينطوي على التنبؤ بمدى مصداقية ما سوف يحدث خلال اليومين القادمين.
* ما الذي حدث في تونس: الثورة.. أم انقلاب الفقر؟
تشير معطيات الأداء السلوكي للحراك السياسي التونسي الجاري حالياً لجهة وجود قوتين تتصارعان بعد رحيل الرئيس زين العابدين بن علي، ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• مجموعة قوى المحافظة: تتمثل في رموز النظام التونسي والذين يعتقدون بأن خروج الرئيس زين العابدين بن علي يجب أن لا يؤثر على شكل النظام السياسي والعملية السياسية الجارية، وبالتالي فإن الخيار الأنسب هو انتخاب رئيس جديد يحل محل زين العابدين بن علي.
• مجموعة قوى التغيير: تتمثل في رموز القوى السياسية التونسية المعارضة، بشقيها الناشط داخل العملية السياسية والمحظور عن المشاركة في فعاليات العملية السياسية، ويرى هؤلاء بأن الانتفاضة الشعبية التونسية لم تكن ضد الرئيس زين الدين بن علي وحده وحسب، وإنما كامل النظام السياسي، وبالتالي، لا بد من القيام بعملية التغيير السياسي الشاملة لفعاليات العملية السياسية التونسية.رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي
سوف تشهد الساحة السياسية التونسية خلال اليومين القادمين تحولاً نوعياً جديداً في طبيعة الصراع، وذلك ضمن مجرى جديد، ينطوي على احتمالات التصعيد بين قوى المحافظة على النظام السياسي بعد خروج الرئيس بن علي، وقوى التغيير التي ترى بالضرورة استبدال النظام السياسي كله، وعلى خلفية ما سوف يحدث، فإن الذي يستطيع استمالة الشارع التونسي يكون هو بالضرورة اللاعب الرئيسي الفاعل في عملية الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة في الدولة التونسية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الخيارات المحتملة الآتية:
– خيار استمرار الصدام بما يؤدي إلى المزيد من المواجهات بين رموز النظام القديم ورموز قوى التغيير، وسوف تستمر المواجهة هذه أطول كلما كانت درجة الانقسامات والإصطفافات السياسية كبيرة على كلا الجانبين.
– خيار تراجع قوى التغيير وصعود قوى المحافظة ويحدث هذا الخيار في حال تراجع الضغط الشعبي.
– خيار تراجع قوى المحافظة وصعود قوى التغيير ويحدث هذا الخيار في حالة تزايد الضغط الشعبي.
تميزت التطورات والتصعيدات الجارية حالياً في الساحة السياسية التونسية بالتصعيدات الدراماتيكية وحدوث المزيد من عمليات الانفلات بما تضمن تزايد عمليات السلب والنهب إضافة إلى عمليات الهروب الجماعي من السجون والمعتقلات، و بروز عمليات التخريب والحرائق، وحتى الآن من الصعب تقديم تفسير محدد لهذه الظاهرة:
– هل تمثل هذه الظاهرة تطورا طبيعيا في عمليات العنف السياسي المتزايد الطاقة والفعاليات.
– هل تمثل هذه الظاهرة عملية سرية تقوم بها أجهزة النظام بما يتيح لرموز النظام إيجاد الذرائع والمبررات لجهة الاستمرار في السلطة وممارسة عمليات القمع الجماعي ضد خصومهم من قوى التغيير.
الأداء السلوكي الجاري حالياً لطرفي الصراع السياسي التونسي في مرحلته النوعية الجديدة ينطوي على قدر كبير من احتمالات تصاعد المواجهات وتزايد عمليات العنف السياسي الدامي، ومن غير المتوقع حالياً احتمالات أن تتوصل قوى المحافظة وقوى التغيير إلى صفقة مقبولة للطرفين تتم على أساسها عملية إعادة ضبط توازنات المصالح السياسية ضمن معادلة توازن قوى جديدة، ولكن، وبرغم ضعف الاحتمالات، فإن السياسية تظل دائماً تحمل صفة “فن الممكن”.
* لعبة الأطراف الثالثة: إدارة الصراع التونسي من الخارج
تتميز الساحة السياسية التونسية بحساسيتها الشديدة إزاء تأثيرات الأطراف الخارجية، وفي هذا الخصوص تشير الأطراف الثالثة الرئيسية المتورطة حالياً في إدارة الصراع السياسية التونسي-التونسي:
• فرنسا: لجأت باريس إلى الوقوف منذ البداية لجهة التخلي عن حليفها الرئيس زين العابدين بن علي والإعلان عن دعمها لحركة الاحتجاجات الشعبية التونسية.
• واشنطن: لجأت إلى الوقوف منذ البداية لجهة التخلي عن زين العابدين بن علي والإعلان عن دعمها لحركة الاحتجاجات الشعبية التونسية.
• ليبيا: سعت إلى مساعدة زين العابدين بن علي في بداية الأمر لجهة دعم جهود تخفيف الضغط الشعبي، وذلك عندما أعلنت طرابلس في بداية أيام الأزمة عن رغبتها في استيعاب أكبر عدد ممكن من القوى العاملة التونسية، ولاحقاً، وبفعل اشتداد الضغوط فقد سعت طرابلس إلى إنقاذ زين العابدين بن علي والذي تقول التسريبات بأنه قد تم إخراجه بواسطة طائرة ليبية.
إضافة لذلك، يبقى تأثير العامل الإسرائيلي خفياً كالعادة وغير معلن، فالرئيس زين العابدين بن علي يعتبر من أبرز مهندسي العلاقات التونسية-الإسرائيلية، خاصة وأنه ظل يتولى منذ مطلع سبعينات القرن الماضي أكثر المناصب الأمنية حساسية، وما هو مثير للاهتمام يتمثل في قدرة زين العابدين بن علي لجهة المناورة على أطراف المثلث المتنافر الأربعة: واشنطن-باريس-تل أبيب-طرابلس، وذلك على النحو الذي مكنه من تجنيد المخاطر الخارجية التي يمكن أن تهدد استقرار وجوده في السلطة، وقد ظل بن علي طوال فترة حكمه بمنأى عن ضغوط العقوبات الدولية وانتقادات المنظمات الدولية إضافة إلى أنه ظل مثار حفاوة كل العواصم الأوربية والغربية و العواصم الخليجية.
تبدو محنة نظام الرئيس التونسي المخلوع بن علي واضحة من خلال إصراره على الاستمرار في انتهاج نظام سياسي يقوم على المذهبية الأتاتوركية التي أرسى لبناتها الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة الذي أطاح به “ابنه المدلل” بن علي، والذي استطاع الحصول على شهادات طبية بواسطة سبعة من أكبر الأطباء التونسيين أكدوا من خلالها أن بورقيبة غير قادر على تحمل أعباء منصب الرئيس بسبب تدهور حالته الصحية، الأمر الذي أتاح لزين العابدين بن علي الحصول على قرار المحكمة الدستورية الداعمة لتوليه منصب الرئيس، ولكنه لم يسعَ لبناء نظام سياسي حقيقي ينطوي على إدماج تونس ضمن بيئتها العربية الشرق أوسطية، وأصر على الاستمرار في نهج مذهبية الدولة الأتاتوركية التي تخلى عنها أصحابها الأتراك أنفسهم، والآن جاءت كلمة الشعب التونسي الذي يريد لبلده أن تصبح عربية شرق أوسطية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى