صفحات ثقافية

الرقابة تضرب مجددا في سوريا، حراس الثقافة الجدد

null
صالح دياب
الرقابة تضرب مجددا في سوريا .  ليس من قبل الرعيل السابق من الرقباء الذين
عرفهم تاريخ المطبوعات في سوريا، بل هذه المرة، من قبل الجيل الجديد الذين   وخلف أسلافه ، وترعرع على أيديهم و الذي تأهل في كنف اتحاد الكتاب العرب أصبح حارسا جديدا للثقافة السورية.
فالرقابة الحكومية التقليدية معروف بأنها  كانت تتم من قبل جيل معين له انتماءاته  المعروفة سياسيا . أما رقباء اليوم، فهم ينتمون إلى الجيل الجديد، وهم طالما اعترضوا على الرقابة التقليدية. و صرحوا برغبتهم بالتجديد و الانفتاح و غيرها من المفردات التي تحوم في الفضاء السوري .لكن الرعيل الجديد ظل عمليا يسير على خطى سابقيهم بامتياز . ثم ماذا يحدث عندما يتنكب مثلا رقيب ينتمي إلى الجيل الجديد بعمل كتاب معين . كيف يمكنه أن يعد كتابا يضم نصوصا لكتاب آخرين  ويخلع بزة الرقيب و لا ينصب نفسه رقيبا أخلاقيا على نصوصهم  ؟
أسوق هذه الكلمات للحديث عن ” أنطولوجيا الشعر السوري ” التي تحمل توقيع السيدة رشا عمران  و الصادرة عن الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية .و التي نشرت بنسختها الالكترونية في موقع ” جهات الشعر” من دون إشارة لا إلى اسم دار النشر و لا الجهة التي مولت الإصدار .و في موقع ” كيكا “، مع صورة غلاف الكتاب هذه المرة .
تتنكب السيدة عمران عمل انطولوجيا عن الشعر السوري. من الواضح تماما أن الشخصية التي تلبستها  في عمل هذا الكتاب هي شخصية الرقيبة الأخلاقية التي تقص و تحذف . شخصية الموظفة في الاتحاد، التي تدافع عن الذوق العام السائد، و تسهر على حياء و حشمة المجتمع، من وجهة نظرها، كي يرقدا بسلام. طبعا بإمكان السيدة عمران  أن يكون لها رأيها في هذه النواحي. هذا حقها الشخصي .لكن كان عليها  أن تختار نصوصا تتماشى مع ذائقتها التقليدية ، التي تنفر مما يخدش الذوق العام من وجهة نظرها.و هذا حق من حقوقها ، بوصفها صاحبة الكتاب . لكنها لم تفعل أي شيء من هذا القبيل.
لست هنا في وارد مناقشة السيدة عمران في خياراتها ، فأولا و أخيرا الكتاب يحمل توقيعها و يحيل على ذائقتها و أحوال هذه الذائقة و طبيعتها ، كما يحيل على مفهومها للشعر . بل للحديث عن الرقابة و التجزير اللتين  مارستهما السيدة عمران على نصوصي ، التي حصلت عليها كما تقول في رسالة الكترونية من الملحق الثقافي لصحيفة السفير و من النت أو أحد الأصدقاء و لم تعد تتذكر .
واضح أن السيدة عمران أخذت القصائد من ملحق السفير الثقافي يوم 23 ، 1 ،
2008
http://www.assafir.com/WeeklyArticle.aspx?EditionId=844&WeeklyArticleId=33811&ChannelId=4504&Author=

و ليس من مكان آخر ، و ذلك ، بسبب ورودها و ترتيبها كما هي منشورة في الملحق تماما.
لقد قامت السيدة عمران على ما يبدو بعملية ( قص )  لكنها لم ( تلصق  ) بأمانة  كل القصائد كما هي. فوضعت خمس قصائد لي في كتابها المذكور. نشرت القصيدة الأولى كاملة.  شكرا  .  أما القصائد الأربع الأخرى، و هي قصائد قصيرة فقد مزقتها تمزيقا و قصقصت و حذفت  على راحتها. ففي القصيدة الثانية وهي ” شاحذو سكاكين ” حذفت سطرين، ربما لم تعجبها مفردة  ” كبوت “على ما يبدو، فقد تنزعج وزارة الأوقاف  من استخدامها و التلفظ  بها  . كما قصت الإهداء الذي يفتتح القصيدة و هو ” إلى  يوسف عبد لكي و كل الذين يحبهم ” ربما هي تختلف مع عبد لكي  سياسيا ، أو لا تحبه كفنان و كشخص و هذا شأن يخصها و لا يحق لي التدخل به. لكن لا يمكنها أن تصادر رأيي في يوسف عبد لكي و تمنعني من إهداء قصيدة له. أمر آخر ، ربما  تعتقد أن هدفي من الاهداء عمل دعاية مجانية ليوسف و لوحاته ، فأخذت السيدة عمران دور مؤسسة الاعلان ،وقامت بحذف الاهداء لانها لا تريد دعاية غير مدفوعة.
و ربما أيضا نصّبت  نفسها كسلطة سياسية ، و تريد منع ورود اسم الفنان في كتاب يصدر  في سوريا ، رغم أنه يعيش هناك .
القصيدة الثانية و هي ” عمل طفل ” فقد بترت من آخرها  خمسة أسطر، تنتهي بجملة ” أندفع بحماس منقطع النظير لعمل طفل  ” و لا أعرف هنا ما الذي يمنع من نشر هذه الجملة التي تتردد عل ألسنة السوريين في كل مكان ، حينما يطلبون من أحدهم أن ينجب طفلا . و ربما ـ هنا ـ أخذت السيدة عمران دور مخفر شرطة فهبت سريعا لنجدة الشرف العام  لكي يستتب حياء الأمة . أما قصيدة “عيد أول تكسير ” فقد قطعت و قصّبت تقصيبا منها ستة عشر سطرا و أبقت على السطور الخمسة الأخيرة ، و في هذه القصيدة ، حقيقة لم أعرف لماذا  قطّعتها  ، فربما لم يعجبها ، أن استعمل مفردة  ” الحمام ” ، أو مفردتي ” ألبستك الداخلية ” فهذا فعلا يخدش حياء المجتمع ، و أخذت السيدة عمران دفة قيادة النهي عن المنكر في المجتمع ، و حفاظا على السلم الأخلاقي فعلت ما فعلت .  بينما في قصيدة ” استيهام ”  و هي قصيدة  قصيرة جدا تتحدث عن امرأة  في مقهى ، فقد اقتلعت  منها عشرة سطور، و أبقت على سبعة . تعبر في هذه القصيدة مفردة “موخرتك ” و جملة تطرطشين …….التوقعات و التنبؤات ” ربما هنا تريد السيدة عمران أن تتحدث باسم دار الإفتاء فتحد من استخدام مفردة مؤخرتك . و ربما  تريد ان تسدي خدمة فلا تزعل وزارة السياحة أو وزارة الزراعة …..أو ربما تريد أن لا تدخل النساء إلى المقاهي ، و تريد مقاه بدون نساء .
أيضا مزجت المقاطع التي أبقتها، مع بعضها البعض ، و لم تترك لها حتى العناوين . فبدت القصائد أشبه بشوربة الخضار. كما أعطتني عمرا ليس عمري .ربما قدرته تقديرا ، هذا بالنسبة لقصائدي أما قصائد الآخرين فالله أعلم بها لأنني لا أملك النسخ الأصلية .
لا أعرف من أعطى السيدة عمران هذه السلطة المطلقة على نصوص الآخرين بتغييرها و قص و حذف مقاطع منها. لا أعرف بأي حق قامت بكل ذلك .اللهم إلا إذا اعتادت على رقابة الكتب في اتحاد الكتاب العرب. و اشتبه عليها الأمر .
.كان بإمكانها أن تسألني أو أن لا تضعني كليا في كتابها . و أنا سأحترم ذلك . و عدم نشر قصائدي لن يغير شيئا في تاريخ الشعر السوري و لن تنقلب الدنيا رأسا على عقب .
لكنها لم تفعل أي شيء من هذا القبيل .
لعل عمل كتاب يضم هذا العدد من البشر يختلف قليلا عن الدخول إلى  مقهى الروضة ، أو الذهاب إلى سوق الخضار لشراء كيلو بطاطا ، و حشر الحبات في كيس ، وهو يستحق الاتصال بمن وردت أسماءهم في الكتاب، و عدم ذكر معلومات شخصية عنهم ، دون سؤالهم عنها ، خصوصا إذا كانوا أحياء. أو تحديد المراجع التي أخذت منها المعلومات، على الأقل .عمل انطولوجيا إنه مسؤولية شخصية ، يحيل على الشخص فكرا و ثقافة و تكوينا أدبيا، و ذائقة .
و ليس ” هات ايدك و الحقني ” .
بوركت الرقابة الجديدة ، وبورك ممثلوها

المقاطع المحذوفة

من”  شاحذو سكاكين ”

بالكَبّوت
ومن دون الكَبّوت

من ” عمل طفل ”

مع رفيقتي في صيد السمك
تلك التي أتحدث معها عن قصص حبي
أندفع بحماس منقطع النظير
لعمل طفل .

من ” عيد اول تكسير ”

سنزور أمك في العاصمة
و نذهب للسباحة في النهر
حيث أطعمتِ الإوز
سنحمل ألعابا لخالتك
في مشفى الأمراض العقلية
و في العودة
سنتنزه في الغابة
كي تقدمينني إلى السناجب
تعرفين ؟
أحببته كثيرا
النص الذي كتبْتِه عن الفراشة
التي دخلت إلى البيت !

في درج ألبستك الداخلية وجدتُه
وأنا أبحث عن الفردة اليسرى
! من جوربي
من حينها أسبح في الفرح

من ” استيهام ”

تشربين البستيس على البار
وتتحدثين مع صديقتك عن التنجيم .
مع البصاق
تطرطشين حولك التوقعات والتنبؤات
حتى تنطفئ سيجارتي .

مؤخرتك شجرة كرز
تحرك هواء المقهى
ستائر أيام الثلاثينات لشعرك الحنائي
تدغدغ شعلتي .
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى