اسرائيلالتفاوض السوري الإسرائيليصفحات العالم

لماذا حذّر المعلّم إسرائيل من اعتداء على سوريا أو جنوب لبنان؟

ابراهيم الأمين
الرسالة التي وجهها وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى إسرائيل، أول من أمس، كانت سابقة على مستوى لغة الدبلوماسية السورية التي لم تشهد سابقاً سقفاً بهذا الارتفاع وإعلان استعداد للدخول في حرب شاملة مع إسرائيل. وترافقت مع كلام يقوله المسؤولون السوريون منذ فترة غير قصيرة عن تعذر توقع تسوية سلمية مع إسرائيل في المدى المنظور، وهو الأمر الذي يجب أخذه بجدية لا تتطابق مع كل التقديرات السابقة لأي موقف يصدر من دمشق بشأن المواجهة مع إسرائيل، وخصوصاً أن الرأي العام العربي والإسرائيلي والعالمي قد تكيّف مع المنطق الذي يقول إن سوريا تدير المعركة مع إسرائيل عن بعد، ولا تجعلها تقترب منها، وأنها تعتمد سياسة حافة الهاوية، لكنها لا تسمح لأحد بدفعها إلى الهاوية نفسها.
طبعاً هناك متغيرات كثيرة طرأت على الموقف السوري من عملية السلام خلال العقد الأخير، وهناك أيضاً تبدّل حقيقي في موقع سوريا الإقليمي خلال السنوات الخمس الأخيرة. وخيار دمشق الوقوف إلى جانب قوى المقاومة، وإن جعلها تدفع الثمن كبيراً على صعيد العزل الدولي والحصار الاقتصادي والضغط الإعلامي، فإنه لم يحدّ من دورها الفعّال في ساحات هي الأكثر حساسية اليوم في المنطقة، من فلسطين إلى لبنان إلى العراق، عدا عن كون دمشق تمثّل اليوم مركز الاحتضان الرئيسي لكل تيار المقاومة في العالم العربي، سياسياً وإعلامياً وأكثر من ذلك.
لكن موقف المعلم لم يأت رداً على تصريحات إيهود باراك الذي قال إن العلاقة مع سوريا تسير في اتجاهين؛ إما الذي يقود إلى تسوية سياسية وإما الذي يقود إلى مواجهة شاملة. وهو كلام مقبول من حيث المعايير الدبلوماسية لمن يقدم تشخيصاً لواقع الحال، باعتبار أن باراك يعرف، كما إسرائيل كلها، أن تعقيدات التسوية مع سوريا لا تقل صعوبة عن تلك القائمة مع الفلسطينيين. وبالتالي، فإن باراك يشير إلى أن سوريا التي تقف الآن في الموقع المعادي لها والفاعل ضدها، ستكون أمام خطر الدخول في مواجهة شاملة مع إسرائيل.
وهذا ما يقود إلى الاستنتاج أن موقف المعلم إنما جاء رداً على سياق سياسي وغير سياسي تقوم به إسرائيل منذ بعض الوقت. وهو كان لافتاً في عدة نقاط ضمّنها موقفه المختصر، إذ لوّح للمرة الأولى منذ زمن بعيد بحرب تنتقل إلى المدن الإسرائيلية، وربط للمرة الأولى بين أي اعتداء على جنوب لبنان أو على سوريا، وأنه سيقود إلى حرب شاملة، دون أن يهمل الدعوة إلى من بيده الأمر في العالم الغربي لأن يضعوا حداً للجموح الإسرائيلي، إذا كان هذا العالم غير راغب في تفجير المنطقة.
ووفق هذا، يمكن الإشارة إلى سلسلة من المعطيات الصلبة القائمة اليوم في جبهة المواجهة العربية ـــــ الإسرائيلية، التي من شأنها الوصول إلى فهم خلفية تصريحات المعلم وأبعادها، وإلى فهم بعض ردود الفعل الإسرائيلية عليها، من دون التوقف كثيراً عند الضوضاء التي أثارتها تصريحات وزير خارجية العدو أفيغدور ليبرمان، باعتبار أن ما قاله الرجل يعبّر عن عقل غالبية أصحاب القرار في تل أبيب، لكنه لا يمثّل بنداً رئيساً على جدول أعمالهم جميعاً، وخصوصاً أن في المؤسسة الأمنية والعسكرية من يصرّ على توصيته بأهمية التوصل إلى اتفاق سياسي مع سوريا يخرجها من المحور المعادي لإسرائيل.
ومن هذه المعطيات أن إسرائيل حصدت بعد سنوات خمس كمية كبيرة من الفشل في ما اتبعته من سياسات تجاه لبنان وسوريا. فهي خسرت حرب تموز في عام 2006، ولم تنجح في ردع حزب الله عن إعادة بناء قوته، وصولاً إلى مستوى من الجهوزية الدفاعية والهجومية على حد سواء. وهي فشلت في تحقيق ردع لبناني ـــــ عربي ـــــ دولي لحزب الله قبل حرب تموز وبعدها، وكانت الذورة في لبنان السقوط المدوّي لمشروع 14 آذار، الذي وصلت به الأمور إلى حدّ أن يخرج علناً قائد «القوات اللبنانية»، صاحبة السجل التاريخي في العلاقة مع إسرائيل، ليقول لنا إن السفيرة الأميركية في بيروت ميشال سيسون زارته لتبلغه أن المحادثات الغربية مع إيران
إسرائيل مخطئة إن حسبت أن مغامرة ولو موضعية ستمرّ من دون ردّ

فشلت، وأن الأمور تتجه صوب مواجهة معها قد تبدأ على شكل عقوبات. وهو في إذاعته هذه المعلومات كمن يحاول استنهاض أنصاره وأنصار قوى 14 آذار المحبطين، والتمهيد لحملة سيخرج بها قريباً مع حشد عملاء أميركا في لبنان الذين سيحذرون حزب الله من القيام بعمل لإخراج إيران من مأزقها المتخيّل. وهو تماماً ما يشير إليه الإسرائيليون خلال الأيام القليلة الماضية، وهم يتحسّبون من قيام حزب الله بعمل عسكري أو أمني، إما رداً على اغتيال الشهيد عماد مغنية وإما لمساعدة إيران في وجه الضغوط الخارجية.
لكن أكثر ما يثير حفيظة إسرائيل لناحية الفشل المتراكم، هو العجز عن ردع سوريا عن موقفها الداعم لقوى المقاومة، وتوفير ما تحتاج إليه من دعم من مختلف الأنواع، وصولاً إلى بناء علاقة بين القيادة السورية وقيادات قوى المقاومة تقوم على شراكة تفسّر قول الرئيس بشار الأسد إن جوهر الشرق الأوسط الجديد هو المقاومة. وبالتالي، فإن إسرائيل تبدو معنية بعمل ما ربما له طابعه الناري والحديدي ضد سوريا، بطريقة أو بأخرى، بغية توجيه مجموعة رسائل تخصّ سوريا من جهة وقوى المقاومة من جهة أخرى.
وفي هذا الإطار، يمكن الاستنتاج أن سوريا، كما قوى المقاومة، تدرك جيداً ما الذي تفكر فيه إسرائيل. لكنّ ردّ المعلم وتحذيرات قادة المقاومة للعدو، يعكسان نمطاً جديداً يهدف إلى القول: إذا كانت تقديرات تل أبيب أن أي مغامرة أمنية أو عسكرية إسرائيلية ستبقى من دون ردّ، فهي تقديرات خاطئة، وإن المشاورات بشأن هذا الأمر تشي بأن الرد واقع، وهو أمر قد يأخذ المنطقة إلى أبعد من الصدام الموضعي..
الاخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى