صفحات ثقافيةعمار ديوب

ليست الأندلس، صحيح.. لكنها ليست بلاد أمراء القتل

null
عمار ديوب
يطرح الشاعر سليم بركات، في مقالته المعنونة «إنها ليست الأندلس يا يسوع[« العلاقة بين المسيحيين والمسلمين، فيشيطن المسلمين، ويملّك «من الملائكة» المسيحيين، ويعتبرهم، ابتلوا بالإسلام والعروبة، منذ أن وُجد الأوّل، وينفي وجود العربية قبل الإسلام في سوريا، ويزامن وجودها بوجود الإسلام، وهذا ليس من الحقيقة بمكان، فالعرب فيها قبل الإسلام. بعد ذلك يتناول الناصرية، فقط من الزاوية الديكتاتــورية، ويمـتنع امتناعاً كلياً عن الكلام عما قبــلها، وعن وجود الديـكتاتورية في البلاد العربية الأخــرى. ثم ينتـقل وبلمح البصر للتنديد بالفكر الجهادي والسياسات الوهابية، ويصوّر واقع الحال العربي، وكأنّه مُقاد من قبل ابن لادن، وبأنّ البنلادنية هذه تُرهب الغرب المســيحي، رغم أنّه يؤمن لها الحماية، حينـما تهاجر أو تلاحــق في بلاد التخلف الإسلامية. متجاهلاً أن لا الغـرب مسيـحي وهو لا يُعرّف نفسه كذلك إلا في الأوساط المحافظة وعند المتطرفين، ولا الشرق مسلم للسبب ذاته، عدا عن إغفاله دور الأميركيين مع النظام السعودي في خلق تنظيمات التكفير ومنها (القاعدة)؛ التي تخيف الغرب المسيحي كما يزعم سليم!
سليم بركات، وبدلاً من أن يقتصد في القول، ويحدّد أفكاره في نص نقدي، يكون هاماً ويثير حواراً معمقاً فهو يغوص في الـ«المجاز والكناية والاشتقاق اللغوي فيغيّم المعنى» كما يشير عبد الوهاب عزاوي في نقده لمقالته. ولكن، وبعد قراءة المقال مراراً تسهل عملية فهم النص، ويظهر أهمية الثقافة العربية واللغة العربية كذلك، وسليم بركات يتقنها بدرجة عالية، ولكنه وبدلاً من التفكير في سبب رقيّها كما كان يفكر قبل زمن، فإنّه يذهب للتنديد بالعرب ليس كثقافة بل وكعرق، وهذا أمر غريب من شاعر فطن وذكي. والسؤال ماذا ترك للمتطرفين، من غلاة الأكراد? ثم ألا يساعد ذلك غلاة العرب في التطرف ذاته?
ثم يطرح قضيةٌٌ مُثارة في النقاشات الدائرة في الصحف: هل الاحتلال الأميركي مسـؤول عن حالة العــنف في العراق، أم أن العنف القديم هو الذي يستعـاد، ويفعل فعله الحالي، بعد تحطيم الدولة العراقية أمـيركياً، وهو ما لا يذكره، وهي الأطروحة القديمة نفسها: هل الاستعمار سبب التخلف أم المنطقة هي متخلفة من فجــر التاريخ وإلى نهاية الزمن؟ المشكلة أن سليم يُبرئ ساحة الاحتلال من ذلك العنف القاتل، ويحدّد السبب بالثقافة الإسلامية والعربية ، فالمسلم قاتل المسيحي وفق تعاليمه، ولو كان الأمر كذلك لكان على المسيحيين أن ينقرضوا منذ زمن بعيد. وهو بذلك يتجاهل فكرة بسيطة، لماذا تصاعد التهجير والقتل الطائفي والمذهبي، في العراق بعد مجيء الاحتلال الأميركي؟ ولم يكن موجوداً زمن صدام وما قبل وصوله هو وكل المشروع القومي إلى السلطة.. فعلاً الموضوع يتطلب التفكير؟
قد لا يكون ضروريـاً، الإشارة إلى دمويــة الصــراعات بين البرزاني والطالباني، لإظهار مدى تخلف أحــزاب هـذين الاسمين، ولا الإشارة إلى قتل الطالباني لمئات الشيوعيين العرب كما يشير عزاوي، وهي فكرة معروفة وغير متداولة كثيراً، ولكنه أشار لها في سياق إظهار تجليات التخلف العام والشامل لكل قوميات وإثنيات المنطقة. وبالتالي، ليس صحيحاً أن نستولدَ صراعاً قومياً متجدّداً بين قوميات المنطقة ونسهّل على الأميركي المحتل، ديمومة سيطرته. فالأصل في موضوع القوميات، هو تآزرها لمواجهة المحتل، فهي شعوب المنطقة، عدا صهاينة الدولة الإسرائيلية، فجزء من اليهود وليس كلهم هم من هذه الشعوب.
نعم، وليسمح لنا الشاعر سليم بركات، بالقول: إن الاحتلال قديماً منذ بداية القرن العشرين وحديثاً، كان سبباَ في تشويه العلاقة بين أهالي وأديان المنطقة العربية؛ فالاستعمار البريطاني لعب دوراً كبيراً في إجلاء الأرمن عن العراق، وفي فلسطين لعب الاحتلال الإسرائيلي ولا يزال دوراً في إجلاء المسيحيين وبالطبع اقتلاع الفلسطينيين عن أراضيهم، والاحتلال الأميركي، شئنا أم أبينا يتحمل كامل المسؤولية عن الانفلات في العراق، فهو الآن سيد العراق وهذا كلام الأمم المتحدة وليس «الهمج المسلمين»، ولذلك فإن قتل المسيحيين وغير المسيحيين يتحمله هو، ولا يمكن العودة إلى التاريخ القديم لنفتش عن سبب الصراع الطائفي في العراق الحالي.
قد لا تُواجه الأسلمــة السياسيـة الجـهادية، كما يجب من قبل الأنظمة، وهي بالتأكيد لا تُنتــقد مــن الفكر العربي كفاية، ولكن ليــس كل مــا يوجد في العالم العربي مسيطراً عليه من هذه الجهادية، وليس من الصحـيح تشويه الثقافة العربية والمثقفين العرب، وجعلهم وكأنهم يعــملون لديها. وعن المفكــرين الرعاع، كان يكفي، الإشارة إليهم، وهـم موجودون ومعـروفون، فلماذا التشهير بالفكر العربي بهذه الطــريقة؟ التـي لا يفهم منها سوى شيء واحد، الحط من الثقافة العربية! قديماً: لم تتسامح هذه الثقافة مع غير الإسلام، وكأنّ المسيحيين في قسم منهم ليسوا عَرباً، وحديثاً وصمها بالتطرف و«الرعاعية» وكأنّ هذا الفكر يفرض سيطرته بالتعاون مع الفكر «الرّعاعي»على العالم العربي سيطرة شاملة.
هناك ضرورة تاريخية، للتصالح بين مختلف ثقافات وأمم المنطقة، عرباً وكرداً وأمازيغ وأرمن، كما يشير جورج قرم في دراسته المنشورة في السفير، وليبادر لها المثقفون، والكف عن إخلاء ساحة المحتل عن البلاوي التي سبّبها للعراق وغير العراق، فهي حقيقة واقعية مقترنة بوجوده هناك. وأمّا فتح صفحات التاريخ، وما فيها من مسائل، فهو أمر فيه نظر، ولكن ليس الآن حين مناقشة مشكلات الحاضر العربي، فللأخير أسباب تخلفه وصراعاته، وللماضي أسباب أخرى. وكل خلط بينهما يعد ضيق نظرٍ وقصدي الهدفِ، فهلا نتعلم الفصل والتحديد والتمييز بين المسائل؟ اعتقد بضرورة ذلك، وخاصة أننا نتكلم عن عالم الثقافة والمثقفين؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى