صفحات الناس

العدالة تهتز في قرارات وزير العدل..!

null
ميشال شماس
لم يكد يمضي أسبوع على صدور التشكيلات القضائية،التي أربكت العمل في بعض المحاكم، وأدت إلى إطالة أمد التقاضي في الكثير من القضايا، حتى صدر عن السيد وزير العدل قراراً يحمل الرقم 1374/ل تاريخ 15/6/2008 سيكون له انعكاسات سلبية على العمل القضائي، وعلق أحد القضاة الذين  شعروا بالظلم :” إن عدم ذكر الأسباب سيجعلهم في مهب الشائعات المغرضة”. وقد استبعد وزير العدل بموجب القرار المذكور من الجدول التبشيري تسعة وأربعين قاضياً وحرمهم من الترفيع، من بينهم خمسة عشر قاضياً من عدلية حلب، وثلاثة عشر قاضياً من عدلية دمشق، وخمسة من عدلية ريف دمشق وحمص، وثلاثة من عدلية اللاذقية وحماه، واثنان من عدلية الرقة وقاض من عدلية أدلب ودرعا ودير الزور . وقيل أن القرار صدر على خلفية التقصير في فصل الدعاوي,
وأثار هذا القرار ليس استياء القضاة الذين شملهم القرار المذكور وحسب، بل وعدد من القضاة والمحامين  الذين تسنى لهم الاطلاع على الجدول المذكور، ولمسوا فيه ظلماً لبعض القضاة. وفعلاً من يطلع على أسماء القضاة المدرجة أسماؤهم في جدول وزير العدل التبشيري فيما يخص عدلية دمشق وريفها على سبيل المثال، سوف يستغرب أدراج  أسماء لبعض  القضاة المشهود لهم بالكفاءة، والنزاهة، فإذا كان البعض ممن استبعدت أسماؤهم من “الجدول التبشيري” يستحقون ذلك فعلاً، فإن البعض الآخر إنما يستحقون التكريم كل التكريم على نظافتهم ونزاهتهم وكفاءتهم. والغريب في ذلك القرار أنه طال بشكل أساسي قضاة الاستئناف المدني بدمشق وريفها، اللذين سبق أن طالتهم التشكيلات القضائية بدون أي مبرر، وكأنه لا توجد أية مشكلة في بقية المحاكم والدوائر الأخرى. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على التسرع في اتخاذ القرارات، التي غالباً ما تستند لتقارير معينة، وليس استناداً لما يتخذه هذا القاضي أو ذاك من قرارات، فلو أننا جادون فعلاً بمحاسبة المقصرين في العمل القضائي، لاستطعنا فعل ذلك بسهولة ويسر، إذ يكفي الاطلاع على عينة عشوائية من القضايا التي نظر فيها هذا القاضي أو ذاك، والقرارات التي اتخذها أو الإجراءات التي اتبعها، فهي التي تبين بجلاء إذا كان هذا القاضي مقصراً أم لا، جيداً أم لا، وليس تلك التقارير التي تأتي في الغالب من خارج القضاء.
وتجدر الإشارة إلى أنه سبق للسيد وزير العدل أن صرح أكثر من مرة عن نيته بإنشاء جهة قضائية في وزارة العدل مهمتها دراسة الأحكام التي تصدر في سورية ليس كمرجع طعن, وإنما كمرجع تقييم على الكفاءة والنزاهة.‏ولاندري إن تم تشكيلها أم لا.  فلو تم تشكيل تلك اللجنة، لكانت استطاعت أن تميز بسهولة بين القاضي الفاسد والقاضي الجيد من خلال قراراته.
فإذا كان شرف القضاة وضميرهم وتجردهم هو الضمانة لحقوق الناس وحرياتهم ، فالأولى بالقائمين على السلطة القضائية وفي مقدمهم وزير العدل وقبل أن يحاسبوا القضاة، إن يجدوا حلاً لهذا النقص في عدد القضاة قياساً للعدد الهائل من القضايا التي ينظر فيها القضاة والتي يتجاوز عددها يومياً المائتي قضية لكل قاض، فالقاضي ليس آلة، بل من لحم ودم وكتلة من المشاعر، ومن حقه أن يعيش حياته الخاصة مثل بقية المواطنين، لا أن يقضيها بين الدعاوي على حساب راحته وأسرته، وأن يتم توفير وسائل  الراحة والأمان والاطمئنان للقاضي، بما يجعله قادراً على العمل بحرية وراحة، والأهم أن يكون مطمئناً على حاضره ومستقبله هو أسرته، عندها ستكون العدالة بخير.
لذلك ومن هنا تأتي أهمية مطالبتنا المستمرة بأن يكون القضاء مستقلاً فعلاً عن أية سلطة أخرى، وترك أمر تعيين القضاة والبت في سائر القضايا المتعلقة بهم إلى هيئة قضائية  صرف ، بما يمكن القضاء من أداء رسالته دون أية مؤثرات أو إغراءات، وهذا يستدعي تعديل المادة 65 من قانون السلطة القضائية التي  سمحت لوزير العدل التدخل  في شؤون القضاء من خلال التحكم في التعيين والترقية والنقل والإقالة والتأديب..الخ.سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق مجلس القضاء الأعلى المعين من قبل السلطة التنفيذية والذي تتمثل فيه بأكثرية أعضائه.
كلامي هذا لا يعني قطعاً تسليط الضوء فقط على السلبيات والأخطاء دون الايجابيات، فقد سبق أن أشدنا بقرار استحداث غرفة استئنافية جنحية رابعة، ومحكمة بداية مدنية جديدة بدمشق كون هذا القرار سيخفف من عبء الدعاوي على القضاة، بالرغم من أن قضاة المحكمتين المستحدثتين مازالوا مشردين لا يجدون مكان يجلسون فيه، وكان الأجدى بوزارة العدل أن تجهز مقر المحكمتين ومكان لائق للقضاة أولاً،أم أن المهم هو اتخاذ قرارات وكفى. وإن جل ما نهدف إليه من كلامنا هذا هو تخليص وطننا من تلك السلبيات والأخطاء التي تقف حجر عثرة أمام تطوره وتقدمه، ولم ولن  نغمض العين عن أي عمل إيجابي يحدث في البلاد، بل سنسعى إلى إظهاره والإشادة به والدعوة إلى تحصينه.
وإن حديثنا المتكرر عن استقلال القضاء، إنما ينطلق من قناعتنا الراسخة أن القضاء المستقل الكفء العادل، هو الصخرة التي تُبنى عليها الأوطان وتتحطم عليها رياح الفساد التي هبت على كل ركن وزاوية في بلادنا الحبيبة ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى