صفحات العالم

حين صرخ الخروف: إنهم يُطعموننا العشب

سعد محيو
رسام الكاريكاتور الأمريكي الشهير غاري لارسن له لوحة لا تزال تعتبر مرجعاً للعبقرية الفنية والفكرية وهي قيد العمل .
اللوحة تتضمن قطيعاً من الأغنام البيضاء التي ترعى بسلام واستسلام في وادٍ ذي زرع . وفجأة يخرج من بين صفوفها خروف “ثوري” يبدأ بالصراخ في وجه أقرانه: “انظروا، إنهم يطمعوننا العشب . ما نأكله هو عشب . استفيقوا أيها الأخوة وغادروا القطيع فوراً” .
هذا الكاريكاتور ذهب مثلاً للدلالة على مدى خطورة استكانة الشعب أو الجمهور أو المجتمع (سمّها ما شئت) لعملية غسل الأدمغة التي تقوم بها النخب الحاكمة له . وهي في الوقت نفسه دعوة إلى الممانعة السياسية والثورة الفكرية .
لماذا نتذكّر لارسن الآن؟
لأننا اكتشفنا قبل أيام خروفين “ثوريين” من هذا النوع في “إسرائيل” .
الخروف الأول كان جدعون ليفي الذي كتب في “هآرتس” مقالاً شجاعاً ضمّنه الصرخات المدوية التالية: معسكر السلام “الإسرائيلي” لم يمت، لأنه لم يكن هناك أصلاً مثل هذا المعسكر . صحيح أنه برزت بعد حروب 1967 و1973 و1982 حركات عدة تطالب بالسلام وإنهاء الاحتلال، إلا أنها لم ترق أبداً إلى مرتبة التيار النافذ والقوي والمؤثّر .

بعد اغتيال اسحق رابين، نزل عشرات الآلاف إلى الشوارع والساحات لإضاءة الشموع . لكن، هل تستطيع الشموع منع الحروب؟
صحيح أنه حدث في التاريخ ظلم مريع ارتُكب بحق مجتمعات أخرى، لكن على الأقل ظهر في الدول الظالمة قوى يسارية تدعو إلى معالجة هذا الظلم وإحقاق الحق . وهذا لم يحدث في “إسرائيل” .
السبب؟ إنه يكمن (برأيه) في الالتزام المستحيل لليسار بالصهيونية بمعناها التاريخي . فكما أنه لا يمكن أن يكون هناك دولة يهودية وديمقراطية في آن، كذلك لا يمكن أن يكون هناك يسار حقيقي يقوم على صهيونية قديمة انتهى دورها . اليسار “الإسرائيلي” مجرد يسار وهمي، وهو لم يتمكن أبداً من فهم المشكلة الفلسطينية على أنها خُلقت العام 1948 لا العام 1967 .
الخروف الثاني ليس خروفاً بل نعجة . وهي ليست سوى روث دايان، زوجة موشي دايان الشهير، التي ناهزت الثالثة والتسعين من العمر، لكنها لا تزال تحتفظ بكامل وعيها . روث هذه استفاقت هي الأخرى وصرخت ب “القطيع” “الإسرائيلي”: “نحن لا نعرف كيف نصنع السلام . إننا نذهب من حرب إلى حرب وهذا أمر لن ينتهي أبداً” .
أضافت: “أعتقد أن الصهيونية انتهت . لقد تحمّلت العديد من الحروب، لكني لا أستطيع تجاهل الحقيقة بأنهم (العرب) لايردوننا . إننا “الإسرائيليين” دهماء لاتستطيع تدبّر أمورها داخلياً، فكيف في وسعها أن تتدبر أمورها معهم (العرب)” .
هكذا تحدث الخروف ليفي والنعجة روث . لقد اكتشف الإثنان أن القطيع “الإسرائيلي” يأكل عشباً تُجهّزه له الحركة الصهيونية منذ نيف و100 عام، وهو كناية عن مزيج من عَلَف الخوف والتخويف، وحشائش العنجهية المُخدّرة، وأعشاب القلق والرعب الدائمين . وهي خلطة لا تقود سوى من حرب إلى حرب، ومن صراع دموي إلى صراع آخر أكثر دموية .
لكن، هل سيسمع القطيع “الإسرائيلي” صرخات الخروف والنعجة “الثوريين” هذين؟ وإذا ما سمع، هل سيفهم ويتوقف عن أكل العشب؟
ربما . ولكن ليس الآن . ربما في حياة أخرى، أو كوكب آخر ليس فيه وباء اسمه صهيونية .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى