الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

رغم ضجيج نجاد… الثورة تبحث عن وجه جديد

حسام عيتاني
باستثناء إصرار مهدي كروبي على أداء دور الدمية التي يضربها الأطفال في أعياد ميلادهم فتتساقط منها حبوب السكاكر، أو «البنياتا»، لم تسجل الذكرى الحادية والثلاثون للثورة الإيرانية الحشد المعارض الذي انتظِر في غير مكان من العالم.
ويبدو أحمدي نجاد، صاحب العيد، مستفيداً من السكاكر المتساقطة كلما تعرض كروبي للضرب. فالاستعراض الذي شاركت فيه عناصر الباسيج وحراس كروبي، وظف لتأكيد حرية المعارضة وقدرتها على الاختيار بين أن تُضرب وبين ألا تُضرب، مع تنويعات من نوع إسقاط العمامة أو المنع من الوصول إلى مكان الاحتفال أو تلقي هراوة على الرأس.
وبعد ثمانية أشهر على الانتخابات التي سقط بسببها عشرات القتلى والجرحى وزُج في أعقابها المئات من المشككين بنتائجها في السجون وتم إعدام عدد من المشاغبين على السلطات، تبدو الحركة المعارضة في حاجة إلى إعادة تعريف وتحديد للأهداف. لقد كانت التظاهرات والاحتجاجات في طهران وغيرها من المدن أداة مهمة في تعرية النظام من شرعيته وإبراز ميله إلى العنف ورفضه للحوار كسبيل لتسوية المأزق الناجم عن رفض نتائج الانتخابات وانشقاق النخبة الثورية السابقة.
لكن جلّ ما فعل المعارضون هو أنهم أكدوا المؤكد. فالتظاهرات التي قمعت بعنف مشابه للتظاهرات الطالبية في عامي 1999 و2003، بينت الحدود التي يمكن أن يبلغها النظام في دفاعه عن موقعه الذي يرفض شراكة ولو محدودة فيه. وخطاب أحمدي نجاد في ذكرى الثورة كان واضحاً في توجيهه الأضواء إلى «الأعداء» الأزليين الذين يتربصون بإيران الدوائر فترد بإعلان استعدادها لتخصيب اليورانيوم إلى مستوى ثمانين في المئة اللازم لصنع الأسلحة النووية. وهي أسلحة، بالمناسبة، يُصر أحمدي نجاد على أن بلاده لن تنتجها من دون أن يشير إلى ما يغريها بتصنيع صواريخ بعيدة المدى إذا كان الهدف تزويدها بمتفجرات تقليدية لا قيمة استراتيجية لها، خصوصاً في مواجهة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، على ما برهنت صواريخ صدام حسين.
اختفى صوت الأزمة السياسية الداخلية وراء هدير الصواريخ وضجيج آلات الطرد المركزي. لكن ذلك لا يعني استقرار الأمور وثباتها على حال لا تدركه سنة التغيير. وأكثرية الإيرانيين التي أظهرت في مناسبات عدة، أهمها الثورة على نظام الشاه، استعداداً لاستقبال السياسات الشعبوية يفوق بأشواط استعدادها للإنصات إلى عقلانية النخب التي يحاصرها النظام من خارجها ويفتتها التشرذم من داخلها، الأكثرية تلك ما زالت تؤمن بقدرة النظام على تجديد نفسه. وبغض النظر عن الأدوات التي تستخدمها الأنظمة الشمولية في حشد المشاركين بمناسباتها واحتفالاتها، وبعضها لا يخلو من قسر وإرغام، يتعين النظر إلى الحشد في ساحة الحرية الذي جاء يســتمع إلى كلمات أحمدي نجاد على أنه جزء من الإيرانيين المقتنعين بأولوية إكمال الدورة النووية الإيرانية كمدخل إلى تجاوز المصاعب التي يعاني منها المجتمع الإيراني.
و «الدورة النووية» التي يقدمها نظام طهران كحل سحري لمشكلات الاقتصاد المتصاعدة وكجزء من منظومة الردع التي تضمن استقرار الحكم، جديرة باهتمام يزيد عن الحقائق المادية التي تُسفر عنها والتي يسود اعتقاد بين الخبراء بأنها لن تضفي تغييراً جذرياً على الحقائق الإيرانية المعروفة. فبلد يقترب عدد سكانه من ثمانين مليون إنسان يحتاج على الأقل إلى المحطات النووية العشر التي تحدث المسؤولون الإيرانيون عن عزمهم على بنائها في حين انهم لم ينجحوا حتى الآن في تشغيل المفاعل الأول في بوشهر على رغم كثرة المواعيد التي حددت لبدء عمله. وما يدور الجدال في شأنه هو تخصيب مئات قليلة من الكيلوغرامات من اليورانيوم في عملية تستغرق زمناً مديداً ولا تكفي لتفعيل المنشآت النووية لمدة طويلة وفق حسابات استهلاك الوقود النووي المعمول بها عالمياً.
والحال أن توفير الطاقة من المصادر النووية للإيرانيين لتكثيف تصدير النفط إلى الخارج وجني المزيد من الأموال التي ستخصص للتنمية، تبدو خطة ساذجة لتجاهلها عقبات بنيوية في قدرة إيران على إطلاق عملية تصنيع ذات تكنولوجيا عالية تؤدي إلى تبدل أساسي في طبيعة الإقتصاد من هذا القائم على تصدير سلعة خام إلى آخر قائم على المعرفة. الهدف الطموح هذا، لا تنحصر روافعه الضرورية في البرنامج النووي، بل تشمل حكماً إصلاحاً كبيراً في الأنظمة التعليمية والمالية وفي الموقف من العالم. ويصعب التكهن أيضاً بالنجاح في السير على خطى الصين التي امتنعت عن تغيير نظامها السياسي وبادلت استقراره بتنازلات اجتماعية واقتصادية هائلة قدمتها الدولة.
تعزز هذه المفارقة الانطباع السائد بأن البرنامج النووي الإيراني، وفي معزل عن التفاصيل التقنية، هو في واقع الأمر برنامج سياسي مزدوج الاستخدام موجه إلى الداخل والخارج، على ما بات معروفاً. ويكاد البرنامج هذا يصبح مع استخدامه المتعدد المستويات عماد السياسات الإيرانية ودرة تاجها حيث يجتهد القائمون عليه في الترويج له وتسويقه كإنجاز لا سابق له.
بيد أن الواقع يعلّم أن الثورات تضع في المراحل اللاحقة لنجاحها خططاً ضخمة من نوع «الكهربة» و «الكلخزة» و «القنال العظيم» و «النهر العظيم» وغيرها من مصطلحات الثورة البلشفية والثورات والانقلابات التي سارت على دربها. البدء بالمشاريع العملاقة هذه وانطلاقها ودفع أثمانها السياسية والمالية هي مسألة ومدى نجاحها ونقلها للشعوب التي تقدم التضحيات الكبيرة في سبيلها من طور إلى آخر على طريق التقدم العلمي والرفاه الاجتماعي، مسألة أخرى، وقد لا يكون بينهما أي رابط، بحسب التجارب.
ولعل الصخب في ساحة أزادي والخطب الموجهة إلى قادة الاستكبار العالمي ليست هي ما يحدد مستقبل إيران. بل أن التطورات البعيدة من الأضواء المتوالية في حوزتي قم والنجف وإعادة صياغة العلاقة بينهما وإحياء بعض الروابط والصلات التي ذوت منذ ثلاثين عاماً، خصوصاً التوجه إلى تبني نظرة جديدة لمفهوم ولاية الفقيه ومرحلة ما بعد المرشد علي خامنئي، هي المسائل الحقيقية التي لا تأبه لها وسائل الإعلام في العادة لكنها قد تكون شديدة الأهمية في رسم مسارات المستقبل.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى