صفحات من مدونات سورية

تعقيب على تعليق الأستاذ هيكل

هيكل استمعت أمس إلى تعليق الأستاذ محمد حسنين هيكل على الثورة التونسية، بطبيعة الحال لم يأت الأستاذ هيكل بجديد نوعي في مجمل حديثه، ليس تقصيرا منه بقدر ما هي طبيعة المشهد العربي التي غدت واضحة للجميع منذ سنوات، وأيضا بفضل انتشار المعلومة وسهولة الوصول إليها.
ما لفت نظري واسترعى انتباهي التعليق الذي ختم به الحلقة – مع هيكل- حيث قال أن الحدث التونسي أسقط كل السياسات التي فرضت على العالم العربي في السنوات الثلاثين الأخيرة، أخشى ان أن يكون الرد في لبنان والنذر بدأت تلوح.
وقال أيضا، أن لكل فعل رد فعل وأخشى أن يكون الرد في لبنان. أي رد القوى الغربية وحلفائها من الأنظمة العربية، بعد مقدمة لم أجدها موفقة كثيرا بيَّن فيها التشابه الكبير بين تونس ولبنان، ودعمه بذكر العلاقة التاريخية بين البلدين في عصر الفينيقييين.
شخص بقامة الأستاذ هيكل وتاريخه وسعة إطلاعه ومعرفته المشهودة بباطن الأمور يجعلني أتحرج كثيرا في مخالفة رأيه القاضي بأن الرد على الثورة التونسية سيكون في لبنان، لكن لا بأس من عرض وجه اختلافي مع رأيه من باب التفكير بصوت عال.
بداية، لا أعتقد أن المساحة الجغرافية الصغيرة لكلا البلدين وربما التشابه النسبي من حيث السوية التعليمية وانتشار الإنترنت كافيين ليكون التشابه “ كبير”. فاختلاف البنية الإجتماعية وطبيعة النظام السياسي والطائفي بين البلدين تخلق فوارق أكبر بكثير من القسمات المشتركة.
الوضع اللبناني هو أزمة مستمرة منذ استقلاله وحتى هذه اللحظة، والهدوء والسكون حالة إستثنائية، وكل مرحلة من المراحل تتلون الأزمة بألوان جديدة وربما بلاعبين جدد. منذ اغتيال الحريري عام 2005 وأزمة جديدة تلونت بدماء الحريري ودماء مجموعة من الشخصيات اللبنانية الأخرى، وأيضا سلاح المقاومة الذي طرح على طاولة النقاش وآخر فصول الأزمة، فصل المحكمة الدولية الذي يكاد فتيل برميل البارود المشتعل.
صحيح أن تفجر الساحة اللبنانية كثيرا ما كان مؤشرا لتفجر الأوضاع في المنطقة وغالبا ما كان لبنان هو الساحة التي تجري على أرضها تفاعلات الأزمات في المنطقة، لكن هذه المرة أظن أن ما حدث في تونس لا انعكاسات مباشرة له على الأزمة اللبنانية للأسباب التالية:
1- البعد الجغرافي الكبير الذي يفصل تونس عن ساحة الأحداث في منطقتنا.
2- الأزمة اللبنانية بدأت قبل الثورة التونسية وكان واضحا أنها تسير باتجاه التصعيد لتداعيات داخلية وإقليمية محورها المحكمة اللبنانية والقرار الظني الذي غالبا ما سيتهم حزب الله وبالتالي سورية وإيران نظرا للعلاقة الإستراتيجية التي تجمعهم. بالطبع أتفهم حرص حزب الله على عدم توجيه إتهام له من هذا القبيل يمكن له أن يسيء لصورته وتاريخه، لكن الذي لا أفهمه ردة فعله القاسية التي وصلت حد الهلع بالتزامن مع قرب صدور القرار الظني، لدرجة أنه يضع السلم الأهلي على محك القرار! علما أنه طالما ردد أن المحكمة مسيسية وبالتالي إتهام حزب الله أو سورية هو أمر طبيعي ومعروف ضمن أجواء التسييس هذه، ولا يستدعي وضع البلد على فوهة البركان.
3- القوى الدولية كما قال الأستاذ هيكل يهمها أمرين: فرض السلام بالشروط الإسرائيلية، وإدخال المنطقة بأنظمتها وشعوبها في حالة جمود دائم ومستمر أو بالعبارة المألوفة الحرص على الإستقرار في المنطقة.
لكن من الواضح أن القبضة الحديدية التي تحكم بها الأنظمة العربية لم تعد ترق كثيرا لأمريكا ليس حبا بالشعوب العربية ولكن لأن هذه السياسة أصبحت عقيمة على المدى الطويل لأسباب متعلقة بتغير طبيعة العصر، عصر الإنترنت والمعلومة التي أصبح لها تأثير إجتماعي فعال يكسر طوق العزلة والجمود الذي تفرضه الأنظمة التي مهما بلغت سطوتها فلن تستطيع إحكام القبضة عليه، وهذا حصل مع نظام بن علي.
من هنا يمكن لنا تفسير جانب من أسباب حرص الإدارة الأمريكية على نشر الديموقراطية، أو على الأقل الترويج لها، لأن هذا العصر خلق أدوات متقدمة على الأساليب التقليدية التي تتبعها أنظمتنا، مما يهدد على المدى الطويل حالة الجمود/الإستقرار المطلوبة، ولعل تصريحات ودعوات هيلاري كلينتون بعد أحداث تونس تشير إلى هذا بوضوح.
فالديمقراطية أداة أكثر فعالية في مواجهة المتغيرات الجديدة، تسمح للأنظمة باللعب مع شعوبها بنفس الأدوات الجديدة، وهي قادرة على خلق ثقوب عديدة في طنجرة الضغط العربية، تخفف من حالة الإحتقان الموجودة وتطيل أمد الإستقرار المطلوب، فضلا عن أن الديموقراطية المطلوبة من شأنها إتاحة فرصة نوعية لأنظمتنا باللعب على الفروقات الإثنية والدينية وكل التمايزات الأخرى بطريقة تجعل من نفسها ضامن وسلطة إستقرار لهذا المزيج المتباين في ظل غياب مفهوم المواطنة. بالطبع توجد جوانب أخرى لنشر الديموقراطية الأمريكية، لا مكان للحديث عنها.
4- القوى الفاعلة في الملف اللبناني على المستوى الإقليمي، سورية وإيران والسعودية ومصر بدرجة أقل بكثير وبالطبع إسرائيل ، دوليا: أمريكا وفرنسة و بريطانية. فما هو الرد الذي يمكن أن تقوم به هذه القوى على ثورة تونس ؟
حقيقة لا أدري، لكن الأنظمة العربية والغربية بالتأكيد تدرس الثورة التونسية وتحاول إيجاد خطة جديدة تواجه بها هذا الإحتمال الذي أطاح برفيقهم بن علي، والأيام القادمة ستكشف لنا عن ملامح هذه الخطة.
نعم علينا وضع عين على تونس والعين الأخرى على لبنان،  لكن القول بأن تفجير لبنان هو رد على ثورة الشعب في تونس قول لا أجده دقيق تماما.

http://www.3bdulsalam.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى