صفحات سورية

ثقافتان… واحدة للاعلام وأخرى للسياسة

null

دمشق ـ غازي دحمان

تمثل الثقافة السياسية أحد روافد الثقافة العامة للمجتمع، وتتميز بكونها أحد أهم المفردات اللازمة للقيام بالتنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية الضرورية للنهوض بالمجتمع ومحاولة الانتقال به من حالات التخلف التي يرزح تحتها نتيجة ظروف قاهرة وأشكال من المعوقات السياسية والاجتماعية الداخلية أو الخارجية، والتي قد تكون فرضت عليه على مر سنوات أو عقود طولية في ظل أنظمة ثيوقراطية أو عبر محتل أجنبي.

وتعرف الثقافة السياسية بأنها تمثل الجوانب السياسية لثقافة المجتمع، في كل ما يتعلق بشئون الحكم والسياسة، وهي محصلة الزمان والمكان والعقل الجمعي والسياسي لأي مجتمع، ذلك العقل الذي يعد ثمرة التزاوج ما بين الموروث والنقلي والمحدث المكتسب من الخبرة الحياتية ومن العطاء العصري لكل ما يتصل بحياة المجتمع السياسية.

ويشير “جبريل ألموند” و”بنغهام باول” إلى أن الثقافة السياسية تعني توزيعاً من نوع خاص للتوجهات السياسية، والقيم والمشاعر، والمعلومات، والمهارات. فكما تؤثر توجهات الناس على ما سيفعلونه، فإن ثقافة الأمة السياسية تؤثر على تصرفات المواطنين والقادة من خلال النظام السياسي.

أما عوامل تشكل الثقافة السياسية فهي متعددة، من الإطار التاريخي بجوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. إلى الإطار الجغرافي وخبرات التنشئة الاجتماعية والسياسية، كذلك فإن القيم السياسية تؤثر على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فهي قد تكون دافعاً للتنمية أو معوقاً لها.

لقد رزحت النسبة الأكبر من الشعب العربي سنوات طويلة من مراحل الاستعمار المديدة في شبه عزلة تامة من المتغيرات العالمية المحيطة به، مما انعكس على ثقافته، سواء العامة أو السياسية، وخلق حالة ضاغطة دفعته للانغلاق على نفسه والتشبث بالقديم في مواجهة أي جديد مجهول بالنسبة إليه قادم من الخارج. فكان مخزون الماضي القبلي المغرق في التقليدية بكل إيجابياته وسلبياته هو مستوى قدراته للتعامل مع المتغيرات الزمنية والعصرية، إلا القليل من الذين هاجروا واحتكوا بحضارات وقيم عصرية جديدة، أو من خلال النخب المحدودة العدد من المثقفين والمتعلمين الذين شملهم نوع من التغيير في ثقافتهم العامة أو السياسية.

وبعد قيام الكيانات السياسية في العالم العربي، وانفتاح المجتمعات العربية على التعليم والمعرفة والاحتكاك بثقافات الشعوب الأخرى عبر الهجرة طلباً للرزق أو عبر وسائل الإعلام، حدث نوع من الحراك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ولكن عرقل هذا الانفتاح استمرار الصراعات السياسية والدولية والإقليمية والتي انعكست سلباً على مستويات التقدم والتنمية. إلا أن ذلك لم يحد من محاولات وضع اللبنات والسير قدماً في العديد من المجالات التعليمية والاقتصادية والإدارية وهيكلة بناء الدولة إلى حد ما. غير أن الثقافة التقليدية النخبوية والشعبية فرضت نفسها واستمرت في الاجترار من مخزون الماضي، ما جعلها تقف حائلاً أمام إحداث نقلة نوعية في مستوى الثقافة السياسية، وشكلت بالتالي عائقاً حقيقياً لبرامج التنمية واحتلال العالم العربي المكانة التي يجب أن يتمتع بها جيوإستراتيجياً وبشرياً وتاريخياً في محيطه العالمي.

إن غياب ثقافة سياسية ديمقراطية تراكمية لدى النخبة والمواطنين تواكب المتغيرات، وضعف مؤسسات المجتمع، هما عاملان مساعدان على استدامة التخلف. فالمجتمعات العربية مجتمعات تقليدية، يفسر ذلك استمرار سيطرة التكوينات الاجتماعية التقليدية كالقبلية التي تشكل إطاراً مرجعياً يحدد انتماء الأفراد وموالاتهم وأدوارهم، كما أن استمرار البنى القبلية لا يعكس مجرد ظواهر وأدوار من الماضي وإنما تمثل مؤسسات فاعلة ينتج منها الكثير من الممارسات الفردية والجماعية، وتظهر فعالية العلاقات العصبوية المرتبطة بالقبيلة داخل مؤسسات الدولة الحديثة وفي منظمات المجتمع المدني كالأحزاب والتنظيمات السياسية وغيرها.

وبرغم التحولات الديمقراطية التي مرت بها بعض المجتمعات العربية، وانتعاش الخطاب الديمقراطي، والارتفاع النسبي لمؤشرات الثقافة السياسية للمجتمع من معرفة واتجاهات وقيم سياسية، إلا أن غياب التراكم الديمقراطي وهشاشة وضعف الأحزاب السياسية القائمة ومؤسسات المجتمع المدني التي تهيمن عليها القوى التقليدية والرسمية، وسيادة الخطاب والتوجه الديني لدى الأفراد، ووقوع أكثر من نصف المجتمعات العربية تحت خط الفقر، ناهيك عن ضعف نسب المتعلمين بين الذكور والإناث على السواء. ذلك يقود حتماً إلى فرضية ضعف مضامين الثقافة السائدة بمفهومها العام وكذلك ضعف الثقافة السياسية برغم ما لحقها من تغييرات نحو الأفضل وبما تحض عليه من قيم تدعو للتسامح والمشاركة والتداول السلمي للسلطة. وثمة مفارقة هامة تتمثل في الفرق الشاسع بين الخطاب الرسمي والممارسة، فالخطاب الرسمي تعوّد على الاستهلاك العالمي للمصطلحات التنموية والثقافية الحديثة من أجل الخارج وتجميل الصورة فيما يخص الجانب الثقافي، أما في الممارسة فالواقع يرسم صورة ثقافية ومعرفية هي آخر ما يقع في رسم اهتمامات وأولويات القائمين على رسم السياسات الرسمية في الدول العربية. فالثقافة ونشر المعرفة وتوطينها هي من الكماليات والترف في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها الاقتصادات الوطنية، والانفجار السكاني الذي يتزايد من عام إلى آخر، والتساهل وتعمد وضع الكفاءة المناسبة في المكان المناسب.

في الخلاصة تمثل جوانب القصور في معالجات الثقافة السياسية في غياب حقيقي في الخطاب السياسي للأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني عن معالجة ظواهر سيئة مثل:

ـ ظاهر التعصب والتطرف السياسي والفكري ضد الرأي الآخر.

ـ غياب تشجيع ظاهرة التسامح والتعايش في ظل التنوع المذهبي الموجود في المجتمعات العربية، أو ضد الآخر الغربي.

ـ عدم نشر نقافة تحضّ على القبول بمشاركة المرأة كشريك كامل في المجتمع.

ـ ضعف ظاهرة الديمقراطية والتداول السلمي للمناصب الرسمية والتمثيلية.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى