ثورة تونسصفحات الشبابفلورنس غزلان

فرح ثورة الياسمين وعطرها النافذ

فلورنس غزلان
زمهرير الجسد التونسي أدى لأن تصطك أسنانه هلعاً لأكثر من ثلاثة وعشرين عاماً، لكن مدفأة الحطب الآدمي جسدتها روح مواطن عادي مثلنا …يسعى وراء لقمة الخبز وغالباً مايزدردها جافة خالية من دسم ومعفاة من طيب… مكتفٍ بجهده قنوع بمايصيب..، لكنه رضع الحرية والعنفوان كما فهم مباديء الكرامة للوطن والإنسان، فأبى أن يذله رهط من أعوان الطغاة والولاة وأجهزة السلطان…أبى ” محمد بو عزيزي” إلا أن يشهد على موته التاريخ، وأن يمنح الدفء لكل بيت في تونس، كما يمنح الأمل للمحيط ..الأكبر والأوسع من دائرة البحر وزوايا المغرب…أبى إلا أن يسمع العالم آهاته وصرخاته..أبى إلا أن يرحل الثلج وبرد الحرمان..من مدفأة تمنح القلب الحب والأمان..
هذا الشتاء صار مختلف اللون مختلف الذاكرة..لأن ساعة الصفر انطلقت قبل ساعة الرحمن..ساعة الإذعان تخلى عنها بائع الخضار وقال لأمطار الثورة، اهطلي بياسمين تونس وقرطاج..وفجري من كل بيت وحومة” حارة” في تونس الخضراء وهجاً يغطي مساحة الوطن ويمحي كل صور القداسة عن الجدران..هذا العام بدأناه حزيناً مالبث أن باغتنا بثورة وبركان ياسميني النفحات عذب المناخ طري كندى الربيع ونسمات الحمامات.
عاتية كانت أمواج الأجساد التونسية تقتحم حراب أزلام الطاغية ،ولا تبالي بنيران تتقصد اجتثاث غضبه ومحو إنسانيته، جنون أصاب أمواج البحر التونسي فارتفعت تطال قصور من عرتهم حقيقة أعمالهم أمام شعب صبر وانتظر..عاش جحيم القمع وتكميم الأفواه، تخثرت دماءه قهراً وعسفاً..اشتاقت مدنه وتاقت لهواء الحرية، فلم تعد تخاف سكاكين القادة ولا أناشيد القوادين..لم تعد تهاب سلالات انشقت من حائط الجوع لتقتل الجياع وتسرق قوتهم ، لأنها بالأصل خائنة لطبقتها وانتمائها…بالأصل متنكرة لمنبتها التونسي ، نسيت كيف يشرب الجار قهوته الصباحية مع جاره وكيف يعشق جارته ، أو يمد لها يد المحبة ..كان الشعب للخونة بالمرصاد…توشحت رايتك ياتونس بالدم القاني وعُمِدت بضحايا..قدمت أرواحها ولم تسأل..لم تتأخر..هبت ولم تتوقف حتى رحل مركب الطاغية..غادر ولن يعود.
الخطوة الأولى هي سيدة الدرب الحر..فنأمل ألا تتلكأ وتتعثر خطواتك التالية ياتونس الياسمين، نأمل ونتضرع أن تقفز خيول الحلم فوق صخور ومطبات العصر البائد، ألا تغوص حوافر خيلكم في رمال متحركة أعدت خصيصاً كمصائد لتقويض تضحياتكم..مازالت عيوننا شاخصة نحو عبق الياسمين يفتح خياشيمنا ، التي أدمنت عفن عصر التحجر ورطوبةالأقبية وأرتاج الأقفال وسلاسل الزنازين، مازالت عيوننا تبكي وجع التاريخ ، تشكو وتنوح…تذر رماد ألمها فوق رؤوسنا المنكسة أمام تنور( سيدي بوزيد ) حين منح الخبز الطازج..من جسد غض عَبَر بيوتكم من نوافذها ومن شقوق أبوابها ..كسر أظافر الجوع وأنياب الفاقة…ولقح بموته أجنتكم لتفتح أمصار المشرق والمغرب وتخترق آذاناً صُمَّت أمام نداءات الأرض والإنسان، …صعاليك المصالح والمقاصل..هيأت نفسها للدفاع عن الطاغوت ولتسريب الفوضى من ثقوب الحياة..خذوا مفاتيح حريتكم ولاتنصاعوا لأنخاب وبيانات حرية وتضامن ..قبل أيام فقط كانت تفتح شهيتها لاستغلال طاقاتكم البشرية على موائد ابن علي وزبانيته.
دعوا الطوفان يغسل أرض تونس، ويصيب زرعنا العربي بمسٍ من جنون ثورتكم الندية، دعوه يخلع سوس السلاطين، يقتلع الأقزام والحكام أشباه الرجال…دعوا ماء طوفانكم يفيض عن تونس ويخض تاريخ حاضرنا الدامي..دعوه يضيء ظلمة ليلنا، وظلمة عقول غابت رغم أن شمس النهار تكشف عري الملوك…لم يبقَ لديهم من سٍرٍ يخفونه…لم يبقَ عندهم من جسارة أو نضارة..فقد هبطت أسعار بورصاتهم في سوق الحضارة..دعوا أسماء شهدائكم يعانقوا ضوء النهار..لنحفظها ونحفرها وشماً على أذرعتنا وعلى صدورنا قبل أن يعتريها النسيان المقصود ..والمعهود..لانريد لشهوة الحرية ولذروتها أن تذبل…لانريد لبذرتها أن تموت قبل أن تشهد عليها الأجيال أنها صنيعة يد حرة..لم يمسسها غريب ولم تضاجع إلا ابن تونس، ولن تنجب إلا تونسياً يحفظ الأصل في عروقه..يحفظ صورة الرجل الجوهرة المشتعلة في نوم مدنكم الأسيرة…..نادى عليكم كي تفتحوا المزالج..كي تمسحوا عيون الأمهات..كي تنتصروا لتعب الانسان وللصدق في محبة الوطن.
هل أدركتم اليوم أن حلاوة الحرية تغرق أرواحنا بوهجها..وتضيق الخناق على من ادعوا أنهم حملة رايات الانسانية؟، بينما راهنوا على موتكم في أرصدة الأسهم التجارية ومعاهدات الصداقة واللباقة..ومصانع تختزل أيامكم وتقتل شبابكم وتبيعكم بأثمان بخسة في السوق الأوربية؟…أرأيتم كيف تمد سيدة من سيدات الدبلومياسية الفرنسية يدها..العسكرية لتنقذ الطاغية” تصريح ميشال أليو ماري”؟.وبعد أن اكتسحت قدراتكم معقل الديكتاتور الهارب..بوقت لم يسمح فيه للكاذب أن يجد تبريراً مخففاً لديباجته الطويلة في مد ذراع الطاغية وتمدد مصالحه…على مساحة أوربا برمتها…وهاهي تصريحات القادة: من ساركوزي إلى ايريك بيسون صهر تونس الجديد.، يلحق به آلان جوبيه…كل يصرح ويبح حلقه ليقنع شعبه…أو شعوب الأرض بخيبته السياسية وخيبة من يُعَول عليهم…في سراء أو ضراء بعارٍ يلحقهم حتى عقر دارهم، وهم الأعلم بما خططت ورتبت أيديهم مع ديكتاتوريات العهر العربي…لأن مصالحهم لاترعاها الشعوب الحرة…إنما تحرسها عيون تخون الوطن وتبيعه في سوق السياسة المُضمرة غير المعلنة…سياسة تسويق الأنظمة الشمولية على حساب حقوق المواطن الإنسان.
امتدي ياثورة الياسمين وعرشي فوق حقول الأقحوان من بغداد إلى مصر فالشام..امتدي ..لأن الأيادي لكِ تمتد…والأذرع نحوكِ تَفتح عن الصدور وترحب بإشراقة نورك كي يعم الضوء وينهزم الظلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى