ثورة تونسزين الشاميصفحات الشباب

الثورة الشعبية الأولى والحقيقية… لكن؟

زين الشامي
لقد فعلها الشعب التونسي حقاً، هو وحده من سجل أول ثورة حقيقية شعبية في التاريخ العربي القديم والمعاصر وقبل هذه «الثورة التونسية» لم يكن سوى انقلابات بعضها كان دموياً والبعض الآخر قيل عنها أنها «بيضاء».
مبروك لشعب تونس الذي انتفض على الظلم والفساد والنهب والقمع ومصادرة الحريات والجوع والقهر، رغم أن هناك الكثير من الشعوب العربية التي كانت ومازالت ترزح تحت ظروف معيشية وسياسية متشابهة، إذا لم تكن أكثر وأكبر وأشد وطأة مما كان «التوانسة» يكابدون.
بعد ما حصل في تونس، كلنا صرنا نشعر بالفخر والاعتزاز وشعرنا أن ما حصل بدا كما لو أنه «ثورتنا» نحن المواطنون العرب في دول عربية شتى ونعيش تحت ظروف مشابهة.
فبعد ما حصل في تونس شعرنا أننا مازلنا أمة حية لم تمت شعوبها وقادرة على تحقيق الانتفاضة والثورة ضد الظلم والقهر، وأن الأنظمة البوليسية والديكتاتورية مهما بدت قوية وممسكة لزمام الأمور فهي أنظمة من كرتون ولا تحتاج إلا إلى ركل على مؤخراتها، لأنها أنظمة بلا شرعية ولا صدقية ينخرها الفساد والترهل ولا هم لمن فيها إلا جمع الثروات وفتح حسابات في البنوك الغربية، والدليل على ذلك هروب الرئيس زين العابدين بن علي الذي لم يكن له هماً سوى النجاة من الشعب الغاضب والمقهور والفوز بأمواله التي اختلسها يوماً من الشعب التونسي.
إنها «الثورة» التي بدأت من الشعب، ولم تنظمها أو تقودها أو تدعي قيادتها تلك الأحزاب المتفسخة التي تأكل وتعتاش على موائد السلطان. إنها الثورة التي أشعلها محمد البوعزيزي حين أحرق نفسه احتجاجاً على الظلم والجوع، ولم يكن يعرف أن تضحيته تلك ستحرر تونس كلها. إنها الثورة التي لم تأت من الخارج، ولم يصرف عليها دولار واحد، ولم يقدم لأهلها ولو حتى رصاصة أو عصا، بل على العكس تماماً عبرت كل من فرنسا والولايات المتحدة ودول أخرى عن مواقف مخزية ومتعاطفة مع النظام البائد. إن في ذلك درساً كبيراً لكل شعوب العالم، وبخاصة الشعوب العربية التي تنتظر دعماً أو تعاطفاً غربياً. إن ما حققه التوانسة قدم مثلاً تاريخياً عن الثورة الحقيقة وكيف يجب أن تكون، لكن الدرس الأهم كان أن «الشعب إذا أراد الحياة يوماً فلابد أن يستجيب القدر». وهذا معناه أن الحرية تؤخذ ولا تمنح كما قالت المنظرة اليسارية الألمانية روزا لوكسمبورغ يوماً ما. ومعناه أن الغرب والعالم لن يقدم شيئاً للشعب الذي يعاني ويعيش تحت الظلم.
ما هو جميل وتاريخي في تونس، هو أن شعب تونس صنع ثورة حقيقية وليس انقلاباً عسكرياً كما حصل في بعض البلدان العربية في الأربعينات والخمسينات والستينات، ولم تأتِ تلك الثورة بتحريض أو دعم أو تأييد غربي أو أجنبي. حقاً «إذا أراد الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر».
لكن ما هو أهم من كل ذلك هو الخطوة الثانية وعدم تسليم السلطة لديكتاتور جديد حتى لو كان يرتدي بذلة رسمية.
كاتب سوري
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى