صفحات العالمما يحدث في لبنان

معجزة الاعتكاف

ساطع نور الدين
فات الأوان على إقناع حزب الله بأنه يخوض مغامرة بالغة الخطورة، هي أشبه بعملية انتحارية للبلد كله، لكنه لم يفت بعد على إقناع الرئيس سعد الحريري بأن مهلة التسوية قد انتهت، وكذلك المعركة السياسية التي قرر أن يخوضها بعناد، بالاتكال على الله وحده ولا أحد سواه، ممن يمكن أن يساهموا في تعديل موازين القوى التي تحتاج الى أكثر من قدرات إلهية.
الكلمة الأخيرة التي وجهها الحريري الى اللبنانيين، جاءت من خارج أي سياق موضوعي، وبنيت على حقائق شطبت من أي حساب، وأهمها الكتلة النيابية الأكبر، والتمثيل الشعبي السني الأوسع، والمشروع السياسي الأغلب. وهو ما لا يتيح له، ولأي كان في لبنان، الزعم أن صناديق الاقتراع هي الفصل وهي المكان الذي تتحدد فيه الغالبية داخل كل طائفة، وربما أيضا داخل الوطن. وهي لن تكون المرة الأولى في تاريخ لبنان التي تمسح فيها أصوات الناخبين وتضيع هباء، كما لن تكون المرة الأولى التي يجري فرز الكتل وإحصاء النواب بالطريقة الدموية التقليدية.
قرار الحريري الاستمرار بالمعركة التي انتهت ولم يبق منها سوى التقدير الأخير للخسائر هو أيضا نوع من المخاطرة التي ليس لها أي مبرر وأي منطق، سوى أداء دور الضحية الذي لا يمكن أن يصمد طويلا، وسيتم تجاوزه خلال أيام، عندما تترسخ البدائل الجاهزة وتمضي في طريق إعادة الأمور الى نصاب مختلف، ويجري إنتاج حقائق جديدة من خارج سير الشهادة والشهداء التي لا تقتصر على فريق واحد دون الآخر، برغم أن لكل فريق قدرته المختلفة على حفظ الذاكرة وصونها واستخدامها عند اللزوم.
والتجربة أكبر برهان على أن الغالبية النيابية والشعبية يمكن تطويعها بسهولة، إذا كان يصعب تغييرها غير الصعب أصلا، لا سيما إذا تلقت في هذه المرحلة المزيد من الدعم الخارجي العربي والدولي من عواصم لا تعتمد هذا المعيار، والأهم من ذلك أنها لا تكترث لذلك التغيير المرتقب، بل يمكن أن تتعامل معه باعتباره من الخصوصيات اللبنانية، على غرار ما فعلت أكثر من مرة في العقود الثلاثة الماضية، التي شهدت أكثر من انتخابات مركبة، وأكثر من حكومة معلبة خارج مراكز الاقتراع.
أهم ما في قرار الدخول في أي معركة هو أن يكون تقدير الربح والخسارة محتملاً. وعدا ذلك لا يكون سوى عملية انتحارية أيضا، ليس لمنفذها أي جزاء لا في الدنيا ولا في الآخرة، وليس لضحاياها سوى الرحمة، وليس للبلد سوى معجزة.. كان ببساطة يمكن اجتراحها اذا ما استبدل ذلك قرار سعد الحريري الغريب بالانسحاب، أو استعادة تقليد والده الراحل بالاعتكاف، بدل التعرض لهزيمة قاسية، حتى ولو كانت بفارق صوت واحد في مجلس النواب الذي ترتفع منه، ومن الشارع أيضا، الأصوات المنادية بتفادي معركة لا ترحم أحدا.. خصوصا أن البلد لا يحتمل عمليتين انتحاريتين في وقت واحد.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى