صفحات سورية

في نقد المعارضة السورية: ضرورة الانسحاب لا التجميد

null

عمار ديوب

كرّس الاجتماع الأخير لمجلس إعلان دمشق الانقسام بين تياراته.وتحديداً بين التيار القومي/الشيوعي.والتيار الليبرالي(الديمقراطي،العلماني،الإسلامي)وقد أفرز تحكماً للتيار الثاني بالمجلس.وهو ما حدا بالتيار الأوّل إلى تجميد نشاطه في الإعلان.وقد توالت التجميدات بعدئذ لهذا السبب ولأسباب أخرى.وبالمقابل سارعت السلطة إلى الاعتقال
وقد تم إحالة المعتقلين جميعاً إلى المحاكمة. ولكننا وبغض النظر عن الاختلاف مع التيارين السابقين فإنه يجب إطلاق سراح المعتقلين لعدم وجود سبب لاعتقالهم بالأصل وغياب وجود محاكمة عادلة.وبالتالي لهم كامل الحق في التعبير عن أرائهم كما كل التيارات السياسية والاجتماعية والحقوقية والنسوية .وهو ما ضمنه لهم الدستور وما تمنعه السلطة عن الشعب السوري.

التجميد بعد التحكم لم يعد يكفي خاصةً وأن قياديين ومثقفين وسياسيين من الطيف السياسي السوري المعارض أوضحوا أن الانقسام لم يكن ابن الاجتماع الأخير بقدر ما كان ابن سيرورة نشأة وتطور الائتلاف نفسه.أي أن الإعلان كان بالأصل يجمعْ ما لا يُجمعْ وبالتالي وبعد أن تبين خطأ ذلك وبالممارسة الملموسة.كان التحكم من قبل التيار الليبرالي.وهو ما استدعى التجميد،ولكن التجميد ليس هو الخيار الأفضل.وذلك لأن هذه الطريقة في العمل تُبقي المتحكّم متحكّماً والمجمّدْ متجمّداً.وبالتالي المجمّد خارج التحكّم.والمتحكّم هو المهيمن على مسار الحراك الخاص بالمعارضة المؤتلفة في إعلان دمشق.وهو ما يفترض بحزبي الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل،العمل باتجاه تيار وطني ديمقراطي بعيداً عن حراك إعلان دمشق.خاصةً وأن الأخير لم يحسم /أو له وجهة نظر أخرى في القضايا التي تثير الاختلاف وتهدم الائتلاف والتي كانت سبب كثير من النقد قبل الاجتماع وتوجت بإصدار ما سُمي بالتوضيحات.وأبرزها:عدم تحديد جاد وموقف واضح من المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة والتعويل على فكرةٍ يبدو أنها مركزية في تحليلاته وتؤكد التقاء مصالح الشعب العربي مع مصالح المشروع الأمريكي وبالتالي تميّيع الموقف من هذا المشروع .وكذلك الموقف من المسألة الديمقراطية واعتبارها القضية المركزية بينما هي قضية في مشروع سياسي .وأيضاً عدم تحديد الصلة مع جبهة الخلاص أو حتى إعلان دمشق بيروت الممثل بمأمون الحمصي في مركز بيروت.وحيث أن موقفه-إعلان دمشق- من هذه القضايا وغيرها ملتبس ويفتح على كثير من التوافقات وقد يكون منها الأسؤ كالعلاقة مع جبهة الخلاص مثلاً.وكي يكون ممكناً التنسيق المستقبلي مع جماعة الإعلان ذاته لا بد من الانسحاب لا التجميد وهنا المسؤولية على المجمدين لا على المستمرين والمهيمنين.

هذا الانسحاب يعني أن مساراً جديداً قد بدء وان الأوهام التي كان يتصورها التيار المُتحكمْ به، بفوزه بدور في الإعلان تم التخلص منها وأن أيديولوجيا التلفيق لم تعد هي المسيطرة.وعقلية الكارثة واللحظة ولّت وأن من الضرورة إعادة رسم الإستراتيجية للتغيير الوطني الديمقراطي العلماني.وهو ما يعني سقوط البراغماتية السياسية التي استفاد منها كثيراً التيار المتحكم.

السياسة ليست فقط اتفاقيات حول قضايا محددة بل هي كذلك ممارسة وباعتبارها فكر وممارسة فأي اتفاق يجمع بين الحزبين المجمدين وبقية المجموعات المتقاربة معهما وبين التيار المسيطر على إعلان دمشق ،هذه مسألة يجب الإجابة عنها،خاصةً وأن كل المعارضة السياسية السورية لا تعدو أن تكون إعلانات أكثر مما هي قوى فاعلة؟!

إن الانسحاب قد يسمح بالتنسيق مع هذا الإعلان حول قضايا ربما لها علاقة بالحريات العامة. أما غير ذلك.فأعتقد أن منهجية وسياسات الحزبين المجمدين مع تجمعات أخرى تقتضي القطع مع توجهات الإعلان وبالتالي تشكيل تيار جديد،ومتمايز،وواضح في قضايا صراعاته.

النقد الذي يوجه إلى إعلان دمشق،ويدرس مسيرته كما حاول أكثر من مثقف وأشرنا لبعض منها، لا يكفي إن لم يضع أسساً جديدةً،وتوافقات جديدة وإن اقتصاره على ضرورة كذا وكذا ضمن الإعلان هو عمل ضائع لا جدوى منها.وهو عمل لا يراكم إلّا في عرقلة البدء بتشكل التيار الجديد.حيث أن الاعلانيون حزموا أمورهم وبدأو مسيرة خطهم السياسي الذي هوهو خط التحوّل الليبرالي الملتبس ,بدون رتوش أو قضايا وطنية أو ديمقراطية أو قومية إلا بكونها قضايا خاصة بالايديولوجيا القديمة_الشيوعية والقومية- ولكنها من لوازم السياسة ووظيفتها الوحيدة التعمية والوصل مع الماضي القديم وتسهيل مهمة التحول الليبرالي الملتبس.

التيار المراد العمل لأجله،هو ضرورة من أجل مواجهة حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية والبيئية التي تعاني منها سوريا.وبالتالي عدم التصدي لهذه المشكلات بعقلية ديمقراطية علمانية تتضمن البعد الاجتماعي والديمقراطي المناهض للمشروع الأمريكي المستفيد من طبيعة النظام الراغب في الاندماج في هذا المشروع وهو ما يقوى الأخير ويضعف النظام ،يعني الوقوع في تشويه إفرازات تلك الأزمة نحو تمثلات ذات طبيعة طائفية أو عشائرية أو تمثلات على الطريقة القومية السابقة أو الشيوعية حيث الأولى تركز على الوحدة والثانية تركز على البعد الاجتماعي.وباستمرار ذلك يتم سيادة المشروع الليبرالي الخاص بالدولة والمعمول له في المعارضة الليبرالية.

المشروع الأخير تعمل لأجله السلطة من جهة وبطريقتها الخاصة وهذا واضح منذ حوالي عقد وأكثر والمعارضة الليبرالية أيضاً ولا سيما بعد تشكل إعلان دمشق وكلتاهما تعملان من أجل مشروع ليبرالي ملتبس وتهميش الأغلبية الفقيرة وبالتالي وبغياب قوى فاعلة فإن الوحيد الممكن من المشاريع لمستقبل سوريا وفي ضوء معارضة المهمة الواحدة –الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية-هو التحول الليبرالي وتشكل النظام السياسي الطائفي الليبرالي.وبالتالي ليس من اختلاف حقيقي بين السلطة والمعارضة بقدر ما هو محدد في مسألة السلطة السياسية.وأما الكلام الصادر عن هذه المعارضة والخاص بالتغيير الوطني الديمقراطي فإن المشروع الاقتصادي الذي يدافعون عنه يعريه تماماً من هذه الصفات ويدفع به ويحدده بكونه تغيير ليبرالي مشوه وتابع ولا معنى له في عالم الشركات المتعددة الجنسيات وينطبق الأمر نفسه على أي مشروع غير ليبرالي إن لم يكن مشروع وطني وقومي معاً أو وطني و إقليمي ومستقل وداخل بشروطٍ في عالم العولمة.وبالتالي لن يكون له مصير إلا الموت.هذا الاستنتاج يتأتي من حدة الأزمة التي تعصف بسوريا وبعالم العرب المجزأ والمهيأ تماماً لاستعمار أمريكي عام.وبالتالي وباعتبار الشعب مطيّف وذو نزعة محافظة إجتماعياً ومنزوعة السياسة عنه،.وملوث بعقيدة الخلاص الفردي،بسبب سياسات البرجوازية السورية وكذلك بفعل سياسات المشروع الأمريكي والصهيوني في كامل المنطقة.فإن ما هو ممكن مستقبلاً في سوريا هو ما يجري في العراق أو لبنان أو الصومال أو أفغانستان أو فلسطين.وربما مصر أقرب لنا،ولا نريد التوسع في الأمر.

وباعتبار ذلك هو الإمكانية الوحيدة في ظل الشروط الراهنة واستقالة التيارات القومية والشيوعية لعقلية المهمة الواحدة والابتعاد عن مشكلات الشعب وعدم الحسم في تحديد خيارتها السياسية ومن تمثل بالضبط من الطبقات الشعبية ،فإن العمل في إطار هذه المعارضة الليبرالية هو هو العمل من أجل مشروع اقتصادي ليبرالي ومشروع سياسي طائفي عشائري،قد يخرجنا من استبداد ويدخلنا في استبدادات أكره وأفظع.

هذه الوضعية هي ما يفرض الانسحاب من هذا الإعلان والعمل من أجل فهم أزمات الواقع السوري والعربي والتخلص من أوهام التكفير والتخوين ورجم الآخرين كفعل أو كرد فعل والتي ليست أكثر من أفكار مستجلبة من عقلية القرون الوسطى,ولم يتم تجاوزها وهي وللأسف لا تزال تتحكّم عقلية المعارضة بكل ألوانها وتشكيلاتها بما فيها الحزبين المجمدين.

ولأنهم يحملون هذه العقلية فهم يخافون الانسحاب.أليس لكي لا يقال أنهم انسحبوا بسبب الضغوط الأمنية وبالتالي لا بد من الاستمرار ومآزرة القيادة المتحكمة.ولكن السؤال مآزرة على ماذا.في السياسة ليس من مؤازرة،في الحقوق هناك مؤازرة.ولذلك كنّا واضحين منذ البداية وسنبقى كذلك.على أنه من حق أي سياسي له صلة بإعلان دمشق أم لا العمل بالسياسة وعلى الدولة تأمين هذا الحق لا رفعه من الوجود.

إذن السياسة فكر وممارسة وليست أعمال عشائر ومجموعات طائفية كما يجرى في الأوساط السياسة السورية،وباعتبارها تعبير عن أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسة وتمثل مصالح طبقات وفئات شعبية.فالسؤال عن أية فئات اجتماعية تعبر توجهات إعلان دمشق وعن أية فئات اجتماعية يعبر حزبي الاتحاد والعمل،أهل عن نفس الفئات؟! ولو كان عن نفس الفئات ، يكون على الدنيا السلام وأنصح عندها جماعة الحزبين العودة إلى إعلان دمشق.

الجدير ذكره أن الساحة السورية لا يمكن اختصارها بمعارضة إعلان دمشق وحتى هذه لا تعلن عن نفسها بأنها كونها الوحيدة،إلا أنها تمارس فعلاً تشكيكاً وتخويناً في كل من ينتقد سياساتها وممارساتها وترفض الحوار مع جهات ليست ممثلة في الإعلان. وقد ضحى التيار المتحكم بالإعلان بالجزء الأساسي أخيراً في الإعلان ويتعامل معه بنفس العقلية. وكأنه يقول ما دمتم لستم في الإعلان فأنتم مع السلطة.وهذا ما يُذكر بعقلية الفسطاطين حيث دار الكفر ودار الإيمان ولا بد للإيمان من القضاء على الكفر؟!

المجمدين أنفسهم أو المعزولين بفعل الديمقراطية الأخيرة في مجلس إعلان دمشق وحركات أخرى والمثقفين المستقلين النقديين يجب أن يعملوا على إنشاء التيار الجديد.بحيث يكون تياراً لا يركز على قضية واحدة بالضد من قضية أخرى.حيث أن مفهوم القضية الواحدة أو القضية المركزية الوحيدة ممكن فقط في ظل صراع سياسي حاد ووجود قوى اجتماعية تدفع لحسم تلك القضية. وهذا بحكم العجائب السبع في سوريا .ونحن لا يسعنا إلّا التذكير بأن أحزاب القضية الواحدة هي أحزاب فاشلة ولا تشيد إلا الخراب وزيادة التأزم وهو ما فعلته أحزابنا القومية أو أصحاب احتكارات الديمقراطية حيث لا يرون شيء غيرها فيتفاجئون بتخلف مجتمعاتهم وإبراز الممثلين الطائفيين عنها.وبالتالي وكي لا نتوسع، ليس للمعارضة السورية أي معنى إن كانت ستبقى معارضة القضية الواحدة وهو ما تركّز عليه جماعة إعلان دمشق. والخطر نفسه ماثل أمام التشكل الجديد إن كان سيركز -وهو ما يبدو- على قضية واحدةٍ كمعاداة المشروع الأمريكي الصهيوني.ولان الأمر ليس مسنوداً إجتماعياً فإن هذه القوى ليست أكثر من مجموعات سياسية أهميتها فقط في إطلاق بعض المواقف وملاحقة بعض المسائل .وباعتبار الأمر كذلك وهو ما يجري على كل حال فإن على هذه الأحزاب والقوى أن تعمل على صياغة تيارها الجديد بما يتناسب مع إمكانياتها. وبما يدع إعلان دمشق خلف ظهرها،لا أن تسعى إلى تشكيل تيار جديد اسمه إعلان دمشق جديد؟!.وبالتالي، وأخيراً إن سوريا حبلى بأزمات مركبة ولا بد من التصدي لها مجتمعةً والمساهمة في حلّها ولذلك لا بد من هذا التيار الجديد وأمثاله.وبغياب ذلك فإن الإمكانية الوحيدة لعمل المعارضة السورية بأشكالها المتعددة :هي إما بالانخراط في مشروع المعارضة الليبرالي أو التهميش والانزواء وعدم الفاعلية وبالتالي تحقق مشروع السلطة الليبرالي ومشروع المعارضة الليبرالي كذلك الذي هوهو في المحصلة مشروع رأسمالي ليبرالي بنظام سياسي طائفي لا مشروعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى