ثورة مصرغسان المفلح

تونس تنجح ومصر تغضب..

غسان المفلح
أتت أيام الغضب الشعبي في مصر حاملة عنوانا لا يقبل الجدل، ولم يعد هنالك من يجد نفسه في موقع معارضته، وهو أن الناس تتعلم الحرية ومقتضياتها في ظل الحرية وليس العكس.
كما حملت السمات التالية: “السمة الأولى بتوقيت الاحتجاجات. فهي جاءت، وبعد أن ألهمت وحفزت «ثورة الياسمين» في تونس المواطنين في بلدان عربية.
السمة الثانية تمثلت احتجاجات المواطنين بالمحلية الخالصة لمطالبهم التي تحولت إلى شعارات للتظاهر.
حيث جاءت شعارات يوم الغضب مباشرة وبسيطة وقريبة من همومهم («عايز وظيفة يا كبير»، «كلنا خالد سعيد» .. «كلنا ضد التعذيب»، «كفاية فساد»، وغيرها).
أما السمة الثالثة وهنا أيضا نلمح تماثلاً مع المشهد الاحتجاجي في عموم العالم العربي، فهي تسجيله لغياب كامل للخطابات والمقولات الإيديولوجية التي طويلا ما شغلت حيزاً واسعاً في فضاء مصر العام والسياسي. فقد شارك شباب جماعة «الإخوان المسلمين»، وبعض القيادات، في الاحتجاجات ولم تشاهد يافطات «الإسلام هو الحل» أو تسمع شعارات «القرآن دستورنا». الحضور الواسع وغير المسبوق للشباب في الاحتجاجات هي السمة الرابعة. أما السمة الخامسة، مزجت الاحتجاجات بين مطلب «لقمة العيش» و»خفض الأسعار» و»الحق في العمل» والدعوة إلى إصلاحات سياسية محددة وإجراءات فعالة لمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين.” الباحث المصري المقيم في أمريكاعمر حمزاوي”
كما أنه من الواضح تماما أن مستقبل الاحتجاجات سيفضي إلى تغير ما في المشهد السياسي المصري سواء على صعيد النظام السياسي، حيث أكد مبارك في كلمته البارحة على اجراء اصلاحات سياسية جديدة وأقال الحكومة، أم على صعيد المعارضة كما هي الحال على صعيد المجتمع المدني والأهلي معا، حيث ستؤكد هذه الاحتجاجات للوعي العام، أن الحرية العامة والفردية هي لب المشاكل، ففي الحرية يستطيع المرء أن يدافع عن حقوقه، يستطيع أن يراقب من انتخبهم، ومن ثم يستطيع ألا يعيد انتخابهم مرة أخرى، والأهم من كل هذا وذاك هو إحساس الفرد المصري بأنه جزء من شأن عام، وله موقف يعبر عنه في المجال العام أيضا.
في مصر هنالك ما يمكننا تسميته بالركائز ومن أهمها أن القضاء والنقابات المهنية، بقيت رغم كل محاولات الأنظمة السياسية من استيعابها بقيت بمنأى عن أن تكون تابعة للسلطة السياسية، كما ان النظم السياسية المتعاقبة لم تلحق هذه النقابات بالسلطة عبر اعتبارها من أجهزة الدولة، كما هو الحال في سورية، وهذا أيضا ينطبق على القضاء المصري الذي بقي مستقلا نسبيا وله صوت الرقيب، حتى ولو كان ضعيفا في بعض المراحل كمرحلة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وليس كحال القضاء السوري الذي اصبح يدار من مكاتب ضباط الاستخبارات، خوفا على وهن نفسية الأمة!!!
وكما قام الرئيس الراحل أنور السادات بترسيخ حالة من إبعاد الجيش عن السياسة، أو لنقل أعاد الوضع ربما لماكان عليه قبل ثورة 23 يوليو 1952 وأيضا قام الرئيس الراحل بوضع لبنة أولى بما يمكننا تسميته بداية الانتقال الديمقراطي للمجتمع المصري، فأعاد الأحزاب المحظورة للحياة وخاصة التي تمثل البرجوازية والأعيان، والأخوان المسلمين، إضافة إلى حرية الرأي والإعلام النسبية، حيث تكاثرت الصحف الخاصة والحزبية، وقنوات التلفزة..
هذه كلها ركائز حاول النظام السياسي الحالي ربما تجاوزها في مراحله الأولى، لكنه لم يستطع..وبالمناسبة يمكننا القول أن النظام السياسي المصري في عهد الرئيس الحالي حسني مبارك، كان نظاما براغماتيا بحيث أنه كان يحاول إجراء تعديلات على أنظمته وسياساته جراء الضغط الشعبي والمعارض لكن دون أن يصرح بذلك غالبا، لكي لا يبدو ضعيفا..
ثم تطوير قانون للأحزاب في عهده وإجراء أول انتخابات تنافسية على منصب رئاسة الجمهورية، والسماح للمجتمع الأهلي والمدني أن ينظم نفسه لكي يتحصل على حقوقه، أي أننا نلمح تشابها على هذه الأصعدة بين التجربتين التونسية والمصرية، والتشابه الآخر أن الفساد كان عاملا ولايزال رئيسيا في عمل النظام، لكن هنالك فارق أن مصر فيها مسألة تمييز ديني ضد القبط المسيحيين، دستوريا، وهذه قضية تحولت بفعل ممارسة النظام وبعض القوى الإسلامية إلى إشكالية اجتماعية وسياسية مصرية، أكثر من عشرة ملايين قبطي لا يحق لهم تسلم منصب رئاسة الجمهورية، وفق المادة الدستورية التي تنص على أنه يجب ان يكون رئيس الدولة مسلما.
في هذه النقطة لابد أن نوضح أن النظام والإخوان المسلمين مارسوا لعبة التواطؤ العلني والضمني في اللعب على هذا الوتر، الأخوان يطرحون شعار” الإسلام هو الحل” والنظام يحاول أن يصور أن التمييز ضد القبط دستوريا هو من صنع المجتمع وليس له علاقة بذلك..أي اللعب على الوتر الديني والطائفي.
مؤشر الحريات في مصر كان بارتفاع مستمر ولازال، هنا الناس تجردت من الخوف وبدأت تشعر انها بالانتظام النقابي والمهني والسياسي، وبالتظاهرات السلمية تستطيع أن تحصل على حقوقها. مرة أخرى هذا هو الفارق بين تونس ومصر من جهة وسورية من جهة أخرى، في سورية لا شيء مقونن على الصعيد السياسي وعلى صعيد الحريات، الوضع الأمني والشخصي للنظام هو من يحدد كل شيء وبدون قوانين واضحة، والنقابات أجهزة أكثر من أمنية هذا ما قام به الرئيس الراحل حافظ أسد، بعد ان تحركت في عام 1980 واكتشف انها خارج سيطرته، وأودع ناشطيها آنذاك في السجن، وحولها إلى أجهزة أمنية اكثر منها نقابية ومطلبية لأعضاءها، ولنلاحظ آخر تعميم يصدر من نقابة المحامين منذ أسبوع، حيث جاء في الخبر”
نقابة المحامين في سورية تحظر على المحامين المشاركة في الندوات والمؤتمرات داخل سوريا وخارجها إلا بعد موافقة مجلس النقابة، ويجب إبلاغه قبل شهر” أعتقد أن هذا لايمكن أن يحدث في مصر..
البطالة والفساد وإلغاء ما تبقى من قانون الطوارئ والاستمرار في الاصلاح السياسي هذه العناوين التي توجت أيام الغضب في مصر بعد ان نجحت الجماهير التونسية في أن تلهب إحساس الشارع العربي في ثورتها الياسمينية.
فهل ستصل أيام الغضب هذه إلى مداها؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى