صفحات الجولان

الجولان في أوراق السياسة السورية

null
محمد كمال غانم
هل استعادة هضبة الجولان السورية المحتلة تعتبر بمثابة العمود الفقري في السياسة السورية في هذه المرحلة؟
سؤال له ما يبرر طرحه حيث أن الاعلان قبل ما يقرب من الشهر عن مفاوضات سورية اسرائيلية تجري منذ ما يزيد علي العام برعاية تركية قد أرخي العنان للعديد من متابعي الشؤون الشرق أوسطية للتكهن بما ستكون عليه الأمور في حال نجاح تلك المفاوضات أو علي الأقل دخولها الي مرحلة جلوس كلا الفريقين وجها لوجه حول طاولة المفاوضات.
من خلال قراءة للسياسة السورية في عهد الرئيس الابن بشّار الأسد يتضح أن هضبة الجولان السورية المحتلة لم تحتل سُلّم الأولويات ضمن التوجهات السورية، سواء من الناحية العسكرية حيث أن الجبهة تعد الأكثر هدوءا ومنذ احتلتها اسرائيل في حزيران (يونيو) 1967 ولم يحدث في فترة من الفترات أن وصلت الأمور الي حد الاقتراب من تسخين الوضع حتي عندما كانت الأمور تستدعي ذلك عندم اشتعلت جبهة الجنوب اللبناني بين حزب الله والجيش الاسرائيلي في حرب دامت لأكثر من شهر، فقد استعاضت سورية عوض ذلك بمساندة حزب الله لتستفيد من خلال ذلك في أي حرب قد تقع بينها وبين اسرائيل في مرحلة قادمة. أمّا من الناحية السياسية فقد انزلقت قضية الجولان الي مرتبة متدنية في سُلّم الأولويات السورية حيث تركّز الاهتمام السوري علي الورقة اللبنانية من خلال مساندة حلفائها وخلق وضع يتأرجح بين الهدوء والتوتر حتي تثبت لمُعارضيها أنها هي المرجع الأول والأخير اذا أراد اللبنانيون الوصول ببلدهم الي بر الأمان.
أما النقطة الثانية التي احتلت جزءا لا بأس به من الأولوية في السياسة السورية فتتعلق بالوضع في العراق حيث انتهجت سورية سياسة جعلتها من ضمن اللاعبين المهمين اذا ما أرادت امريكا التوصُل الي حل يخفف عنها الكثير من الأعباء سواء منها الخسائر البشرية أو التوصل الي حل يفتح الطريق أمام المصالحة الوطنية بين الفرقاء العراقيين، وبالطبع لم تكن السياسة السورية في معزل عن السياسة الايرانية في هذا المجال كما أنها لم تكن كذلك بالنسبة للأوضاع في لبنان.
ان التسخين السياسي الذي عكسته الأسابيع الماضية حول المفاوضات بين سورية واسرائيل حول هضبة الجولان السورية المحتلة قد فتح الباب لرسم صورة جديدة للصراع في الشرق الأوسط، خالية من الورقة السورية وما تمثله من تحالفات استراتيجية تعتبر في نظر العديد من المحللين السياسيين والعسكريين الحصن ما قبل الأخير اذا ما اعتبرنا أن الحصن الايراني هو الأكثر مناعة في وجه التمدد الأمريكي ـ الصهيوني والذي بانهياره تُسدل الستارة علي الفصل الأخير من السيناريو المُعد لمنطقة الشرق الأوسط برُمتها.
ان نظام الحكم في دمشق يعرف تمام المعرفة ومن خلال قراءته للتاريخ القريب ما وقعت فيه مصر عقب زيارة السادات للقدس المحتلة في التاسع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 1979 وتوقيعه اتفاقية كامب ديفيد التي أعادت سيناء لمصر حيث كان ثمنها ولا يزال يشكّل قيدا يشل حرية القرار المصري ويقزّم أي دور قومي لمصر علي الصعيد القومي.
صحيح أن اتفاقية كامب ديفيد أعادت سيناء الي مصر، ولكن هل لمصر كامل الحرية في التحرُك داخل هذا القسم المُحرر؟
لقد أصبح أي تحرُك مصري في سيناء مقيّدا ببنود تلك الاتفاقية حتي أن ارسال بضع عشرات من رجال الشرطة المصريين الي منطقة الحدود بين الرفحين (المصرية والفلسطينية) يحتاج الي موافقة اسرائيل حتي وان كان الدافع هو تعزيز الحصار ضد فلسطينيي قطاع غزة، فأين هي الاستقلالية التي يتمتع بها القرار المصري؟
ان الثمن الذي تفرضه الولايات المتحدة واسرائيل علي سورية مقابل استعادة الجولان سيُفقد سورية جميع عناصر قوتها في المنطقة، ويجعل منها أكثر هامشية في التأثير علي القرار العربي أو ما تبقّي منه، لتبدأ نحو رحلة الانسحاب الداخلي لمصارعة قوي المعارضة التي ستجد الفرصة والدعم من الخارج للانتقام من النظام السوري بعد أن تعّري من أوراقه الاستراتيجية التي استند اليها لما يقارب نصف قرن من الزمان، والذي يُعتبر في نظر المواطن السوري بشكل خاص والعربي بشكل عام الأمل الأخير في الوقوف في وجه الغزو الصهيوني ـ الأمريكي الذي بدأ هجمته باحتلال البوابة الشرقية للوطن العربي ولن يتبقي الكثير عندما ينهار الحائط السوري.
أما التوجه الاسرائيلي ففي رأيي هناك أربعة أسباب تقف خلف بعث الحياة في المفاوضات المجمدة والتي كان آخر جلساتها في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد في منتصف العام 2000:
أولا: ما أفرزته حرب الصيف الماضي بين اسرائيل وحزب الله علي الصعيدين الشعبي والحكومي في اسرائيل حيث أثبتت حكومة أولمرت عجزا كاملا في حماية المواطن الاسرائيلي، وكذلك علي الصعيد العسكري حيث أتت الصدمة علي معنويات الجيش السرائيلي وقيادته وتضاءلت المراهنة عليه كأكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط.
ثانيا: التهديد اليومي من جبهة غزة للمدن والقري الاسرائيلية وصواريخ القسّام التي تُحيل حياة المواطن الاسرائيلي الي حصار نفسي لا يقل تأثيرا عن الحصار الاسرائيلي للمواطن الفلسطيني في قطاع غزة رغم الفروق في المقارنة، وكذلك الخوف من وصول حركات المقاومة الاسلامية وعلي رأسها حماس في المدي المنظور الي مستوي حزب الله من القوة العسكرية والتنظيمية، رغم استبعاد ذلك من قبل العديد من مُتابعي الأوضاع في الشرق الأوسط نظرا لمحدودية الدعم الذي يدخل الي قطاع غزة، وكذلك فاعلية الحصار المفروض من مختلف الجهات علي القطاع.
ثالثا: الوضع الأمريكي في العراق والذي تقف سورية جنبا الي جنب مع ايران في قفص الاتهام بالمشاركة في دعم المقاومة العراقية لالحاق أكبر خسائر مادية وبشرية بالقوات الأمريكية وحلفائها.
رابعا: التطورات المتلاحقة علي صعيد البرنامج النووي الايراني والذي يُرخي بثقله علي مستقبل السياسة الغربية في المنطقة، والخوف من حصول ايران علي السلاح النووي الذي قد يكون بمثابة بداية النهاية للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وما يشكله ذلك من اضعاف للدور الاسرائيلي في المنطقة وتهديد دور ما يُسمّي بدول محور الاعتدال في المنطقة.
في اعتقادي ومن خلال هذه المعطيات فان سورية ورغم فتح باب المفاوضات في هذه الفترة بالذات فهي علي دراية تامة بأن ذلك لن يخدم السياسة السورية الحالية، وانما تريد كسب المزيد من الوقت ومحاولة كسر العزلة العربية والدولية نتيجة سياستها في لبنان، ولكن دون التخلي عن ورقة التحالف مع أصدقائها، لأنها تري أن عناصر القوة التي تُمسك بها من خلال تحالفها مع ايران ومساندتها لحزب الله وحركة المقاومة الفلسطينية ستمكنها من فرض شروط أكثر توازنا في أي حلول قادمة.
لا شك بأن سورية تريد عودة الجولان الي التراب السوري، ولكن اذا كانت هذه العودة تشبه عودة سيناء الي التراب المصري بقيود سياسية وعسكرية تنتقص من استقلالية القرار السوري، فمن الأفضل أن تتأخر تلك العودة الي فترة أخري.
ان اسرائيل تريد فتح الملف السوري ليس محبة للسلام مع سورية، وبالتأكيد ليس تخلصا من عبء هضبة الجولان، فهي لا تُشكل عبئاً بل العكس، هي تُشكل موقعا استراتيجيا هاما وكذلك مصدرا اقتصاديا، بل هو التخلُص من أحد أضلاع ما تُسميه السياسة الأمريكية بحلف الشر للتفرغ للأضلاع المتبقية الواحد تلو الآخر.
أعتقد أن هذا هو النهج الذي تقوم عليه السياسة السورية فهي تريد الامساك بطرفي اللعبة السياسي منها والعسكري الا اذا أُجبرت علي التخلي عن احدهما.
فهي تريد عودة الجولان لسيادتها، ولكنها تريد الابقاء علي علاقات استراتيجية مع ايران وحزب الله وحركة المقاومة الفلسطينية.
صحافي فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى