صفحات سورية

هل اختار ساركوزي الجانب السوري ؟

null
عبد الرحمن الراشد
عندما كسب نيكولا ساركوزي الانتخابات ورقى درج الاليزيه، قصر الرئاسة الفرنسية، فتحت احتفالا زجاجات الكولا في دمشق وطهران والضاحية الجنوبية، المعسكر الموصوف بالمعارضة والتطرف في المنطقة. لكن الرئيس الشاب خيب آمالهم، وبان اكثر قسوة عليهم من سلفه جاك شيراك، الذي اتهم بتعاطفه مع عائلة الحريري بعد اغتياله.
فاجأ ساركوزي المحتفلين بانه أكثر تأييدا لسياسة الولايات المتحدة في كل ملف ومكان في العالم، الى درجة اعتبرها البريطانيون محاولة خطف موقعهم التقليدي الموالي لواشنطن، وأن ساركوزي استغل خروج توني بلير ليحل محله رئيس وزراء بريطاني جديد لا يحب السفر والمغامرات الخارجية.
لكن ساركوزي، الذي جال بين آثار المنطقة وحكوماتها، زلقت رجله في الفخ السوري بمساعدة الحلفاء الصغار. دمشق خلقت صعوبات انتخاب الرئيس في لبنان، وفتحوا معركة في بيروت ثم تعهدوا لساركوزي بانهم سيساعدون على حل وتنصيب رئيس. المهمة سهلة، وجهوا رجالهم في لبنان بالموافقة، وهكذا صنع اتفاق الدوحة، وانتخب ميشال سليمان رئيسا، لكن عطل القطار عند الحكومة التي لا ينوي السماح بتشكيلها. عمليا لم تقدم دمشق تنازلات حقيقية بل، في الحقيقة، حركت المياه الآسنة في لبنان، الى درجة صارت الاعتداءات والقتل حالة شبه يومية، وهو ما لم يكن قبل ذلك.
ساركوزي أسعدته لعبة الارانب السورية حيث اخرجت من القبعة المفاوضات مع اسرائيل. والثعلب السوري أيضا ليس جادا، مثل لبنان، بدليل لو انه كان يريد التفاوض مع اسرائيل لانهاء النزاع لباع الصفقة الثمينة على الاميركيين وهم الزبون الاهم، وليس فرنسا ذات الدور الصغير. انها مجرد مسرحية مثل مسرحية إصلاح الوضع اللبناني الذي تهدم فيه اكثر مما صلح. وجاءت اللعبة الثالثة بطلب السوريين من حماس وقف اطلاق الصواريخ على اسرائيل، وقبول اتفاق تهدئة مقابل لا شيء عمليا، كما تكرم حزب الله وأخرج من ثلاجته خمس جثامين اسرائيلية ناولها اولمرت شبه مجانا.
ساركوزي ابلغ الاطراف المعنية ان دمشق أوفت وكفت، وتستحق المكافأة بالتواصل، فأرسل مبعوثيه الى دمشق، واستضاف القيادة السورية الى مؤتمره المتوسطي. السوريون احتفلوا بالانقلاب الفرنسي وقالوا للدول المعنية في المنطقة ان ساركوزي ابلغهم اكثر من ذلك، ففي الفخ اكثر من مصالحة فرنسا.
هل أخطأ ساركوزي حين كسر الدائرة المضروبة وكافأ دمشق التي تلام على فوضى لبنان وخلاف الفلسطينيين ودعم ايران؟
اعتقد ان الرئيس الفرنسي دفع المنطقة من حالة الجمود الى الصدام، وشجع دمشق ليس كما يبدو تهدئة مع اسرائيل، بل تعنتا حيال القضايا الرئيسية. فصواريخ حماس ستعود بعد حين بإيماءة من دمشق، ومفاوضات تركيا ليست جادة، وهذا كلام الاسرائيليين ايضا، ولبنان ساء وضعه وبات الصدام أخطر. وبالتالي عزز الرئيس الفرنسي معسكرا على حساب آخر، وخلق حالة اكثر خطورة. لكن يكون هناك سلام في لبنان، ولا في الجولان، وستستمر التوترات في فلسطين.
ربما يعتقد ساركوزي انه قادر على تعديل مواقف سورية، مستندا إلى الخطوات الايجابية من دمشق، لكن كل ما فعله انه كافأها وخفف عنها الضغط الذي كان يهدف اساسا الى تعديل سلوكها.
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى