صفحات أخرى

‘أغان مضللة’: لبنان ليس قطعة من السماء… ومياه النيل لا تصلح للشرب

جميل ضاهر
بيرم التونسي وزكريا احمد كانا اجرأ من شعراء اغنيات هذه الايام
حلت الأغنية العربية في المرتبة الأولى بين الفنون، وكانت الوسيلة الأكثر تعبيرا عن الحالات العاطفية، وتناولت موضوعات إنسانية إلى حدود ما، واستعرضت بعض الموضوعات ذات الطابع الوطني والمناسباتي، وبمرور الزمن سقط الكثير من الموضوعات، وكانت الأغنية ملعباً يتسع لها كمثل المونولوج والدور والموشح الغنائي الذي أضحى بحكم المندثر.
فلو تعمّقنا في قراءة تاريخية لمسيرة الأغنية لوجدنا أن بعض أعلام الماضي الغنائي كان أكثر شفافية من الحاضر، فاليوم نعود إلى لغة غنائية كانت سائدة في مطلع الستينيات، وهبّت في وجهها ‘ثورة’ مطلع السبعينيات فانقلبت الموازين الموسيقية، وأعلنت موجة من ‘المثقفين’ والمبدعين رفضها للأغنية التي نسب اليها البعض واعتبروها جزءا من ‘الهزيمة’.
انطلقت مشاريع مضادة للغة الغنائية الطربية، لكن هذه المشاريع لم تصمد طويلا، فعاد الطرب الليلي، وطرب (السلطات) أكثر حضورا وانتشارا، وهناك طرب ترويجي مبالغ في توصيفاته، وهو يعمل على إخفاء، أو التغاضي، عن العيوب التي تحيط بمجتمعاتنا، ليصور لنا الحياة على أنها خالية تماما من المنغصات، وأنها ‘الجنة’ مجسدة على الأرض، لدرجة أن البعض صدّق المقولة وبات يكررها بأشكال عدة .
وهنا لا بد من السؤال عن أغنية ‘لبنان يا قطعة سما على الأرض تاني ما لها’ التي يكررها المطربون اللبنانيون الجدد، بعد أن غناها وديع الصافي قبل الحرب الأهلية.. وحين جاءت هذه الأغنية كانت الظروف مختلفة تماما عما نحن عليه الآن، وهذا ما يدفعنا للتساؤل :
ـ إلى أي مدى تعبر هذه الأغنية عن واقع حقيقي؟ وما هي الدلالات التي تؤكد ذلك؟ وإن كان المعنى هو بإطار التشبيه.
كيف يمكن أن يكون لبنان قطعة من السماء.. وفيه كل هذه الإشكاليات السياسية والاجتماعية و.. و..؟ كيف يمكن أن نتحدث عن جمال الطبيعة ونحن نعاني نسبة عالية من التلوث البيئي على جميع المستويات؟ كيف يمكن لقطعة من السماء أن تملأها ‘زمامير’ السيارات ودخان عوادمها القاتل؟ كيف يمكن أن تكون السماء بكل هذا الفساد المستشري بين العديد من مفاصل الدولة؟
إذا كان المقصود ينابيع المياه فهي متوفرة في الكثير من البلدان.. وإن كان القصد الطبيعة فلا داعي للدخول في هذا السياق، لأن الاعتداءات والتجاوزات على الطبيعة والبحر والأحراج وقطع الأشجار ما زالت تتواصل، وهناك الكسارات التي طحنت صخور لبنان وشوهت جمال جباله، حيث كانت مصدر إلهام الشعراء الذين تغنوا بجمال لبنان على مدى عقود، فلا مكان للكسارات في السماء.
أي سماء تملأها الأنانية والتدافع المميت من أجل المرو؟ فكل إمكانية للنظام معدومة؟ أي سماء نغني لها؟ نغني للذين يعلنون انتماءهم الطائفي قبل الوطني؟ نغني لأصحاب النفوذ الذين ينشرون الرعب في قلوب الناس.. عذرا ايتها السماء، فالغناء لك هو مجرد خيال تمناه الشاعر (يونس الابن) وكان محض خيال، ولو عاد اليوم لاعتذر بشدة عن كل كلمة وردت في قصيدته ‘لبنان يا قطعة سما اسمك على شفافي صلاة’.
تأتي أغنية شيرين عبد الوهاب لتقول،
‘ما شربتش من نيلها / طب جربت تغنيلها
جربت في عز ما تحزن / تمشي في شوارعها وتشكيلها’.
أغنية جميلة، ومنبسطة وتدفع الى حب الوطن برزت إبان ‘الأزمة الرياضية’ الجزائرية المصرية، لذا ورد في ذهني أن أطلب من الفنانة شيرين عبد الوهاب أن تتفضل وتشرب كوبا من ماء نهر النيل، وتترك لنا مهمة متابعة تطورها الصحي، خاصة أنها تعاني من حساسية عالية إثر تعرضها لحمى أثناء وجودها في أبو ظبي العام الفائت، وفي حال موافقتها على زيارة النيل يرجى ان تصطحب معها كاتب الأغنية الشاعر أيمن بهجت قمر ليشربا معاً من نيلها هنيئا مريئا.
ـ أي نيل سيشرب منه المواطن والتلوث وصل إلى حد القضاء على ثروته السمكية؟ أي نيل يتجرأ السياح على السباحة في مائه؟ فغسل اليدين في مياه ملوثة قد يقودك إلى ورطة، وقد يلزمك المكوث في المستشفى لأيام، مبالغات تحملها أغانٍ قد يكون القصد منها نبيلا، وبدواعي حب الوطن، إلا أن الحقيقة والواقع عكس ذلك .

انا سوري يا نيالي!
أغنية ‘أنا سوري ويا نيالي’ أغنية أخرى تتسبب في تضليل المجتمع، وتضطره لقبول الوهم.. فمن الطبيعي أن يكون الإنسان محبا لوطنه، ولكن من الضروري أن لا تزوّر الحقيقة، إذا كان كاتب هذه الأغنية فخوراً إلى هذا الحد فيرجى منه أن يوضح لنا أسباب السعادة التي دفعته إلى التغني بالاكتفاء الذاتي، فلعلّه حصل على جميع حقوقه من دون الرجوع إلى أي من مراكز المخابرات التي لا تجيز أي تجمع بدون ترخيص، بما فيها الأعراس، علّه حصل على إنترنت من دون مراقبة، أو لعلّه طلب السفر إلى دولة أجنبية من دون سابق تحقيق.. أو حصل على منزل أو سيارة بدون طرق ملتوية، إن هذا العرض يسري على العديد من البلدان العربية التي يروج مطربوها للوهم .
ان بيرم التنوسي وزكريا أحمد كانا أجرأ منا جميعا، عندما قارنا بين طرق العيش في بلادنا المحروسة وبين المدن الأوروبية ، فكما فعل المتنورون الذي زاروا اوروبا كالإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، قالا في حينها: وجدنا الإسلام في اوروبا ولم نجد المسلمين، وذلك للنظام والحرية التي ينعم فيهما الفرد وسيادة القانون الذي لا يتجاوزه المسؤولون حسب أهوائهم، لتأتي كلمات الأغنية صريحة، تضع الإصبع على الجرح في حينها.
(هتجن باريت يا خوانا/ مارحتش لندن والا باريز/ ده بلاد تمدين ونظافة وذوق ولطافة وحاجة تغيظ/ مالا قيتش جدع متعافي وحافي وماشي يقشر خص/ ولا شحط مشرمخ أفندي معاه عود خلفة ونازل مص/ ولا لب أسمر وسوداني وحمص وانزل يا تقزيز/ هتجن باريت يا خوانا مارحتش لندن والا باريز).
اعلامي من لبناني مقيم في دبي
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى