ثورة مصر

مثقف السلطة.. سلطة المثقف: جابر عصفور نموذجا !

هل يمكن القول أن المثقف يعيش بمنأى عن السلطة العربية القمعية، وأنه ظل يحاربها من كل الجهات، في السر والعلانية، داخل همومه الثقافية والفكرية والإنسانية؟ صحيح أن ثمة شيء اسمه “المثقف المحارب” كما يصفه “يوسا”، ولكنه يفقد صلاحيته الحروبية لأجل السلطة غالبا، وغالبا حين يصل إليها يتحول إلى شخص قمعي، مسدود الأفق ورافض الانفتاح على زملائه المثقفين، لأنه يكون تحت قبعة سلطة لا تتغير جذريا، بل تغيّر في الوجوه، وتغير في الديكور، بينما يبقى هرم السلطة هو نفسه، وليس بالضرورة الرئيس، بل هو ببساطة النظام !… لقد كشفت التجارب الكثيرة التي مرت بها البلاد العربية، أن المثقف ليس بمنأى عن الإغراءات التي تمنحها السلطة للمستفيدين منها، وبالتالي المدافعين عنها، والسلطة في النظم العربية لا تخرج بكل أسف عن إطار النظام، بكل ما فيه وما عليه، بيد أن أغلب النظم العربية لا يمكن وصفها بأقل من البوليسية، والقمعية، إن لم نقل الطاغية والفاسدة، والتي تتشكل منها مفردات المطاردة المناهضة للحرية، والحوار، والتداول البسيط والسلمي. ما فعله الناقد الدكتور جابر عصفور ليس شيئا مذهلا ولا غريبا في النهاية، فقد انحاز إلى ذلك الشيء النائم في داخله، (والنائم داخل غالبية المثقفين)، وبموجبه يعي أنه يستلم حقيبة وزارية لن تُمنح له في ظروف أخرى، ولأنه مثقف من العالم الثالث فهو يقدّم الفكر السلطوي الفاسد على الفكر الإنساني البناء، في سلطة تتآكل يوما بعد يوم، قاب قوسين أو أدنى من التلاشي، وبالتالي السقوط الذي سيجر معه كل الرموز القمعية والفاسدة التي أسستها والتي تأسست بموجبها، لتفتح المجال أمام ثقافة جماعية، اجتماعية، لن يكون فيها الشباب غائبين كما السابق، ولن يكون فيها الشعب صامتا كما السابق ! لقد تابعنا كل ما قيل في الدكتور جابر عصفور بعد تسلمه لمنصب وزير الثقافة في مصر، ولم يطرح أحد السؤال الأبسط على طبيعته: لماذا قبل جابر عصفور المنصب في هذه الظروف الاستثنائية التي تعيشها مصر، وتعيشها الأمة العربية؟ لماذا لم يرفض كما يمكن لرجل يحترم نفسه وشبابه وبلده أن يرفض؟ لعل الإجابة تبدو أبسط من اللازم، بأن المثقف الذي يبدو “متنزها” عن المناصب الكبيرة هو الأكثر توقا إليها، بحيث لا يمكنه أن يفصل بين الوقتين: المناسب وغير المناسب، إذ حين يتقبلها يعي بشكل عميق أنه فعل الشيء الذي سيفعله أي مثقف آخر، وهو الكلام الذي سيقوله حتما بعد سقوط النظام الفاشي المستبد الذي قبل جابر عصفور أن يدافع عنه ويكون جزء من صورته الأخيرة في المشهد العام قبل الرحيل !
ما أريد قوله أن هنالك أكثر من “جابر عصفور” في الوطن العربي، سوف يبررون انحيازهم للسلطة الطاغية ضد الشعب، حين تندلع الثورات في بلدانهم، مثلما فعلوها من قبل، فكل مثقف أخذ منصبا داخل نظام فاسد مستبد، تحول إلى طاغوت، على طريقته، عمد بموجب ذلك على تهميش زملائه ومطاردتهم والزج بهم في المنافي الافتراضية ليبقى وحيدا وجديرا، وهؤلاء صادف أن بعضهم يدين اليوم تصرف “جابر عصفور” بألفاظ جارحة، مع أنه كان جزء من سلطته القمعية في بلده، من الجزائر إلى آخر بقعة في الوطن العربي، هذا لأن المثقف ليس ملاكا، وأغلبهم يتحولون إلى شياطين داخل سياق السلطة، ومجرد ثرثارين خارجها !
www.thakafamag.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى