صفحات سورية

«شياطين» الانفتاح الفرنسي ـ السوري تقلق الموالاة

null
جورج علم
يشار في بعض الأوراق الواردة أن ممثلين عن سوريا وإسرائيل في الطريق الى باريس، والبعض وصل وباشر المهمة تحت شعار «خلايا عمل» تهيئ لمشاركة ناجحة لوفدي البلدين في قمة الاتحاد من اجل المتوسط، والتي ستستضيفها العاصمة الفرنسيّة يوم 13 تموز المقبل عشيّة الذكرى السنويّة للعيد الوطني الفرنسي.
بعض التحفظات السوريّة يجري تذليلها، أما الإسرائيليّة فسقطت بعد زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى القدس المحتلة، والخطاب «التعاطفي» الذي ألقاه في الكنيست الإسرائيلي، والذي لم يلق ارتياحا في صفوف بعض الأحزاب السياسيّة الفرنسيّة.
واللافت في بيروت ان هناك الكثير من المهتمين بتتبع جديد السياسة الانفتاحيّة ما بين فرنسا وسوريا من جهة، وسوريا وإسرائيل من جهة أخرى، الى حد أن الكثير من السياسييّن والطامحين لخوض معركة الانتخابات النيابيّة المقبلة يبحثون دائماَ عن الجديد، ويحاولون من خلال ما يتوافر من معلومات مع الكثير من التحليل، استنتاج مدى انعكاس كل ذلك على الوضع الداخلي، وما يمكن ان يفيد سوريا، او تستفيد منه، لإعادة الفاعلية لدورها في المنطقة وخصوصاً في لبنان، وعلى وجه الأخص في المناطق المجاورة لها سواء في البقاع أو الشمال.
وينقل عن بعض الفعاليات الشماليّة ان المواجهات ما بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة قد سببت إحراجاً للعديد من شخصيات المدينة وأهل السياسة والرأي، وظهر هذا الإرباك من خلال الاتصالات المكثفة التي اجريت لمعالجة الوضع الأمني «حيث ضرب بعضهم أخماسه بالأسداس قبل إطلاق أي موقف، أو إبداء أي رأي بانتظار معرفة حقيقة الموقف السوري مما يجري، اعتقاداً منه بأن بعض أسباب وخلفيات ما يجري ميدانيّاً له علاقة غير مباشرة بالانتخابات النيابيّة المقبلة، وبالصورة التي ستكون عليها التحالفات الانتخابيّة، وإلى أي مدى ستكون تحالفات الماضي هي المقبولة او سارية المفعول في المستقبل، او الى أي مدى ستكون الأحجام والأوزان المعروفة، او التي كانت معروفة خلال الدورة السابقة من الانتخابات النيابيّة هي هي في الدورة المقبلة، خصوصاً إذا ما اعتمد القضاء كدائرة انتخابيّة؟!».
وتشير المصادر الى أن بعض جوانب هذه الصورة البعيدة عن المشهد الطرابلسي قد نقلها النائب والوزير السابق سليمان فرنجية الى قصر بعبدا، حيث ضرب على وتر حسّاس عندما قارب بشكل غير مباشر مدى الأهمية في أن تكون علاقة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان جيدة مع سوريا ـ الأسد، كم تأتي مثل هذه العلاقة بمردودات إيجابيّة على المستوى الثنائي والوطني العام.
ولم تغفل مصادر دبلوماسيّة متابعة ـ على جبهة أخرى ـ هذه الخصوصيّة في زيارة الرئيس ساركوزي الى بيروت، ذلك أن هذا الرئيس الملم جيداً في خلفيات العلاقات اللبنانية ـ السوريّة ـ الفرنسيّة يدرك مدى التأثير المعنوي والسياسي والأمني والاقتصادي السوري على لبنان، وعلى مجريات الأمور فيه، ولأنه يدرك، سارع الى الطلب من دمشق ان تسهّل عمليّة انتخاب رئيس الجمهورية التوافقي الذي تحدث عنه البند الأول من المبادرة القطريّة، وسارع الى الاتصال بالرئيس السوري مباشرة بعد انتهاء عمليّة الانتخاب ليشكره على التعاون والتجاوب، وليؤسس معه للمرحلة المقبلة، وكأن الرئيس الفرنسي المنفتح حديثاً وبزخم كبير على سوريا، والتي تربطه صداقات عميقة مع المسؤولين الإسرائيلييّن يتساءل في قرارة نفسه لماذا أنقرة وليست باريس؟، ولماذا يجب ان تجري المفاوضات السوريّة ـ الاسرائيليّة برعاية تركيّة، ولا تكون برعاية فرنسيّة؟!…
وتشير المعلومات الأوليّة عن نتائج زيارته الى القدس المحتلة الى ان باريس تحضّر لنقلة نوعيّة على مستوى المفاوضات السوريّة ـ الإسرائيليّة يمكن ان يستفيد منها المناخ السياسي المأزوم في لبنان، من دون الدخول في التفاصيل والإجراءات، وإن الترتيبات الآيلة الى مشاركة الرئيس بشار الأسد في احتفالات العيد الوطني الفرنسي تستكمل على الرغم من كل الأصوات المعارضة والمواقف الحادة التي صدرت وتصدر عن أحزاب وفعاليات فرنسيّة منتقدة، وإذا حصل وكان الرئيس السوري على منصّة واحدة مع الرئيس الفرنسي يشاهدان العرض العسكري في الشانزليزيه صبيحة الرابع عشر من تموز المقبل، فمعنى ذلك أن صفحة جديدة قد انفتحت بين باريس ودمشق، وأن عملية خلط أوراق واسعة سوف تبدأ على الساحة اللبنانية، خصوصاً إذا ما نجحت الدبلوماسيّة الفرنسيّة من عقد لقاء ـ حتى ولو بقي سريّا ـ ما بين الوفدين السوري والإسرائيلي.
وإذا كانت كل الأجواء والمؤشرات المتوافرة حتى الآن واعدة، فإن الاسترسال في الإيجابيات يبقى ضرباً من ضروب المجازفة والمبالغة لعدّة اعتبارات، منها ما يتعلق بالحسابات الداخلية الجاريّة وأيضا الحسابات العربيّة والإقليميّة، كالتساؤل مثلاً: أين تقف إيران من الانفتاح الفرنسي ـ السوري، والفرنسي ـ الإسرائيلي، ومن المفاوضات السوريّة ـ الإسرائيليّة التي تبدو حتى الآن بأنها واعدة؟، وكيف ينظر «حزب الله» إلى كلّ هذا الذي يجري في محيطه، وتحت سمعه وبصره؟، وهل هو من بين الذين ستشملهم عمليّة إعادة خلط الأوراق والأدوار والمواقع والتحالفات والتوازنات؟… وأين تقف المملكة العربيّة السعوديّة التي لها دورها وتحالفاتها على الساحة؟ وهل هي مرتاحة فعلاً إلى ما يجري على طول هذه الجبهة السوريّة ـ الإسرائيليّة ـ الفرنسيّة التي يتأثر لبنان بمردوداتها؟ أو بمعنى آخر، هل ان الرياض على علم مسبق بكل ما يقوم به «الصديق» الفرنسي، وعلى تنسيق تام معه، أم أن المليارات القطريّة الموظفة في صفقات أسلحة، ومجالات استثماريّة فرنسيّة أخرى قد أخذت تدفع بالمركب الفرنسي كي يبحر بعيداً عن الشاطئ السعودي؟ وخصوصاً أن الكثير من المعلّقين والمراقبين بدأ يقول صــــراحة وعلناً إن فرنسا ـ ساركوزي ليست إطلاقاً هي فرنسا ـ جاك شيراك، وإن الأخير الذي كان «ينطّ» إلى قريطم فور ما تحطّ طائرته في مطـــار بيروت، قد جاء من يخلفه في الرئاسة الفرنسيّة ليحيل هذا المشهد المعبّر، وغيره من المشاهد المماثلة إلى كتب التاريخ؟!.
حتى الذين كانوا يمنّون النفس بتحرير وشيك لمزارع شبعا ونقلها من تحت هيمنة الاحتلال الإسرائيلي الى رعاية القوات الدوليّة لرسملة الرئيس فؤاد السنيورة في خياراته السياسيّة الخارجيّة، او لرسملة بعض أقطاب قوى الموالاة في استراتيجيتهم المتبعة للوصول إلى سلاح «حزب الله»، وطرح مصيره ومستقبله كقضيّة جوهريّة لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها، قد منوا بفشل معنوي بعد زيارة ساركوزي الى القدس المحتلة، وبعد «القمة» المصريّة ـ الإسرائيليّة في شرم الشيخ أمس الاول، حيث أعلن الناطق الرسمي باسم إيهود أولمرت بأن لا انسحاب من مزارع شبعا، وأن موضوع المزارع سيبقى بنداً أساسيّاً في المفاوضات اللبنانية ـ الإسرائيليّة عندما تقرر الحكومة اللبنانيّة إجراءها !.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى