ثورة مصر

الإصرار يتزايد على وقع أكاذيب أنس الفقي وجمال ما زال مرشحا محتملا للرئاسة!!

أيام ثورة العصف العظيم تتواصل في مصر:
القاهرة ـ ‘القدس العربي’ ـ من محمود قرني: تتواصل أيام ‘ثورة اللوتس’، ثورة العصف العظيم. فها هي تبلغ يومها الثالث عشر بينما الإصرار والبأس يتزايدان في نفوس مليون ونصف مليون متظاهر في ميدان التحرير ليلة الإثنين، هؤلاء الذين لا يخالجهم الشك لحظة في أن انسحابهم دون تحقيق مطلبهم الرئيسي بتنحي رئيس فقد شرعيته يعني أن رقابهم ستكون بعد ساعات تحت مقاصل زوار الليل.
التهمة جاهزة، وقانون الطوارئ ما زال شاخصا، ومبارك هناك على مقعده المتهرئ. الثقة إذن مفقودة بين طرفي المعادلة. فالثوار الجدد يعلمون أن الرجل يقف في طليعة طابور الكذبة، ولا يعدو خطابه الذي عمد إلى استدرار عطف الأبناء إلا أن يكون مؤامرة تجدد تاريخه مع الخبث والالتفاف، حتى لو كان ذلك ضد الأحفاد، الذين يطمحون إلى وطن جديد سمعوا عنه فحسب في الأدبيات لكنهم رأوا شبحه المزيف على أرض الواقع. ولم يكن السيد محمد حسنين هيكل مخطئا، وهو الخبير بنظم العسف تاريخيا، أن مبارك سيسلك، إذا ما بقي في الحكم، سلوك أسد جريح، ومن ثم فهو، بالقطع، سيذهب من فوره إلى الانتقام بشكل غريزي، وهو ما يعني أننا سندخل فترة انتقامية لا فترة انتقالية.
مع ذلك أستطيع التأكيد، مدفوعا بما رأيت بأم عيني في قلب الميدان، أن الخوف من مبارك لم ولن يكون السبب الوحيد لاستمرار هذه اللحظة التاريخية بكثافة زخمها، لا سيما بعد أن شاهد الرجل جيوش بلطجيته تتهاوى أمام ثوار عزل لا يملكون سوى إرادتهم التي قادت إرادة أمة أضاعها مبارك ولصوصه وقطاع الطرق المحيطون بعرشه. الخوف إذن هو أبعد الأسباب. فالثورة التي يتعمق زخمها يوما بعد يوم، سيخطئ نظام الحكم إذا اعتقد أنها ستخفت كلما مر وقت أطول، فالمتظاهرون يدركون اللعبة. فقد عاش مبارك، على مدار ثلاثين عاما، يعالج أزمات شعبه بالتجاهل حينا وبالاستعلاء في معظم الأحايين، وهو بالقطع صاحب الفضل الأول في التاريخ المصري الحديث في وضع المواصفات القياسية التي تشكل الدعائم الأساسية لدولة قمعية بامتياز.
الأمر إذن لا يدعو إلى الالتباس، فقد خبره الأبناء والأحفاد الذين ولدوا ولم يروا حاكما سواه، وهم الآن يطمحون إلى كسر طوق السلطة الأبوية الهيراركية الفاسدة، الأدق أنهم كسروه بالفعل، حتى لو تشبث مبارك بالحكم ما تبقى له من مدته الرئاسية، واعتقادي أن الآلهة يمكن إسقاط قداستها بأقل من عشرة ملايين متظاهر، على أي قداسة إذن يستند هذا السفاح الكذوب؟
الشعب والجيش ليسا يدا واحدة
المسافة بين بيان جيش مصر في الثالث والعشرين من تموز (يوليو) 1952 وبيانه في الثلاثين من كانون الثاني (يناير) 2011 تبدو شاسعة إلى حد يدفع المرء إلى مزيد من الإحباط والهلع.
فجيش يوليو، الذي تبنى مطلب شعب قهره ملك غشوم واحتلال خسيس، قدم نفسه ككبش فداء لحلم كان يمكنه، بخطأ غير محسوب، أن يودي بضباطه إلى ساحات الإعدام. كان حلم صغار الضباط يتحصل في الطموح إلى حكم وطني خالص تقوده طلائع الطبقة المتوسطة ويتبنى في هذا المعترك منظومة من القيم الإنسانية الرفيعة التي تتحصل كلها في تحديد أكثر أخلاقية لمفهوم المشروعية بما ترتب عليه من القضاء على الإقطاع وسيطرة رأس المال على الحكم. هذا المفهوم الذي ظل غائما لسنين ربما لا نعرف عددها، كان يتوفر للبشر بجرعات تكبر وتصغر من وحي طبقتهم الاجتماعية وموقعهم في السلالة النبيلة للعائلة الحاكمة وبما يملكون من أموال وضياع. كان المفهوم إذن يولد من رحم الكهنوت وقداسة السلالة، بينما كان مفهوم المشروعية الذي بحث عنه الضباط الحالمون يسكن بين أصابعهم التي لوثها تراب الحقول وفقر الأهل بقاماتهم التي كانت قصيرة أكثر مما ينبغي. كان من الضروري إذن أن تتحول دفة المفهوم ليكون أكثر إنسانية وأكثر أخلاقية، ومن هنا تغير مفهوم الطبقة، وأصبحت الجدارة، أعني مشروعية الوجود في الفضاء الاجتماعي والإنساني، تتوفر للإنسان بمجرد الميلاد، وتتعاظم هذه الجدارة كلما تحول هذا الإنسان إلى عضو فاعل في محيطه المجتمعي. كان الجيش لا يحمي السيادة الوطنية ومشروعيتها فحسب، بل كان يحمي إرادتها، التي هي إرادة الشعب بطبيعة الحال.
الصحيح أيضا أن محاصصة الجيش في الحكم ستظل الأقوى والأعمق، لكن ذلك لا يتأتى من كونه يملك اليد العليا في الوضع السيادي، فهو بكل تأكيد لم يحسم خياراته الشعبية بقوة سلاحه، بل بحمايته لهذه المشروعية التي أشرنا إليها.
استطرادا للمعنى نفسه أصدر الجيش، أقصد في الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) بيانا تاريخيا في اليوم الثالث لثورة اللوتس أزال الكثير من الالتباس، لا سيما فيما يتعلق بالتسليم بمشروعية مطالب الثوار والتعهد بعدم استخدام العنف ضد الشعب مهما كانت الأسباب. البيان تمت قراءته في حينها باعتباره رسالة مزدوجة، طرفها الأول الشعب وطرفها الثاني حسني مبارك. وضوح عبارات البيان واقتضابها كانت تقول للرئيس بشكل لا يحتمل الالتباس: تصرف أنت فلم نعد معك. وهو ربما ما أكد للشعب المصري أن الجيش انحاز لما يجب الانحياز إليه ووقف في المكان الذي يتوجب عليه الوقوف فيه. غير أن مرور أربعة عشر يوما على انهيار النظام وسقوط مشروعيته دون أن يعلن الجيش استيلاءه على السلطة وإقصاء الرئيس واعلانه تبني مطالب الثورة نفاذا لموقفه المعلن بات يعني الكثير، لا سيما إذا ما وضعنا في الاعتبار نزول وزير الدفاع وكبار قيادات الجيش إلى ميدان التحرير لحث المتظاهرين على العودة إلى منازلهم، وكذلك محاولات التضييق على المتظاهرين واقتطاع أجزاء من الميدان لصالح مركبات الجيش لدرجة دفعته أحيانا إلى إطلاق الرصاصات التحذيرية في الهواء لإرهاب المتظاهرين. الأمر يعكس تغيرا واضحا في الموقف، لأنه يعني بطبيعة الحال أن البيان كان مجرد تهدئة للمشاعر الغاضبة، ويعني الأمر بطبيعة الحال استمرار دعم الجيش لرئيس ونظام فقدا مشروعيتهما، فلمن سينحاز الجيش إذا ما قررت الملايين الغاضبة الاتجاه إلى قصر الرئاسة خلال الأيام القادمة؟! وهل سيكون باستطاعته آنئذ أن يحيل محيط القصر إلى بحر من الدماء؟ وهل سيقبل ضباطه أن يضعوا أصابعهم على زناد بنادقهم ليقتلوا شعبهم؟. وهل فوض الجيش نائب الرئيس ليتحدث باسمه ويصرح بأن الجيش لن يقبل إهانة رئيسه وأنه لذلك سيستمر في السلطة؟
إن الموقف المعلن لجيشنا الوطني ينطوي على تناقض خطير مع ما يمارسه على الأرض، وقبول هذا التناقض من جموع الشعب لن يستمر طويلا، فحذار مما ينتظرنا في المستقبل القريب، بل والقريب جدا، حال عدم تبني الجيش مشروعية الثورة الجديدة ومطالبها كافة وعلى رأسها تنحية الرئيس أو عزله.
جمال مبارك ما زال مرشحا محتملا للرئاسة
يعتقد الرئيس عديم الشرعية، حسني مبارك، أن الاستقالة الصورية التي تقدم بها المكتب السياسي للحزب الوطني من شأنها أن تخفف الضغوط عليه وعلى نظامه عبر إزاحة هذه الوجوه الكريهة، وعلى رأسها بطبيعة الحال، وجه ابنه جمال الذي لم أر في تاريخ مصر إجماعا على شيء قدر الإجماع على كراهيته.
الاستقالة لا تعني الكثير سواء لجموع الشعب أو لمهنيي السياسة ومحترفيها، لأن المطلوب هو رأس النظام ليس أقل من ذلك.
لكن تبقى ملاحظة أساسية ودقيقة ربما لم ينتبه إليها أحد في زحمة الانشغال بتداعيات الثورة الطالعة. فالاستقالة التي أعلنت من المكتب السياسي للحزب لم تتضمن انسحاب المستقيلين من كافة التشكيلات داخله، لذلك تبقى عضوية جمال مبارك قائمة في ما يسمى باللجنة العليا للحزب. الجدير بالذكر أن شغل عضوية هذه اللجنة يعد شرطا أساسيا من شروط الترشح للرئاسة طبقا لنص المادة 76 من الدستور. فلماذا يبقى مبارك على عضوية ابنه في هذه اللجنة ؟ هل يرتب لترشيحه في حال ما هدأت الأمور وفشلت الثورة؟ يبدو أن ذيل الأفعى ما زال قادرا على الحراك.
في كل الأحوال أرى أن هذا التنبيه ينطوي على درجة من الأهمية، فالشعب المصري على يقين من أن مبارك سوف يدافع عن حكمه وحكم عائلته وبطانته الفاسدة حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بالشعب المصري عن بكرة أبيه.
التلميذ الخائب حسني مبارك
لنترك هذا التحليل ثقيل الظل، ولننتقل إلى قلب الميدان، ميدان الحرية، الذي شهد فعاليات مستمرة ذات صبغة كرنفالية .
فقد شهد الميدان واقعة طريفة وغريبة تتعلق بقيام واحد من الناشطين بعقد قرانه في ميدان التحرير، وقد قام المأذون الشرعي بتلاوة خطبة الزواج من ميكرفون إذاعة الميدان، فاصطف آلاف المتظاهرين هاتفين برحيل مبارك والتهنئة بالزواج، وقال عريس الميدان إن زواجه لن يمنعه من الاستمرار في الوجود اليومي في الميدان حتى رحيل مبارك عن حكم مصر.
أما أطرف اللافتات التي رفعها أحد المتظاهرين فكانت عبارة عن شهادة امتحان للطالب محمد حسني مبارك وقد حصل على أصفار متكررة في الزراعة والصناعة والتجارة والصحة والتعليم وكل ‘المواد الدراسية ‘التي تضمنتها الشهادة التي حملت في نهايتها خاتما أحمر اللون يتضمن عبارة: ‘راسب وليس للمذكور إعادة’.
أنس الفقي: من شابه أسياده فما ظلم!
هو رجل ربعة أسمر اللون معقوف الأنف، لا تبدو عليه أية شاهدة من شواهد النباهة أو الألمعية، فأربابه جمال وحسني مبارك يختارون خدمهم بعناية.
هو وزير الإعلام في حكومة سفاح خبير، اعتاد الرجل أن ينادي سيدته أم العائلة بـ ‘تانت سوزان ‘، وهو بطبيعة الحال واحد من ‘الشلة ‘، ورغم يقين مبارك بأن سحنة الرجل تثير غيظ المصريين جميعا إلا أنه أبقى عليه في الوزارة الجديدة، فلن يجد أوفى منه كبوق إعلامي لم يقم أدنى اعتبار لأية مهنية أو أخلاقية، وهو بذلك يقدم نفسه باعتباره واحدا من جهابذة الطابور الخامس الذين يقيمون ملكهم على دماء الشهداء وجثث الضحايا واتهام الناس بما ليس فيهم وترويج الشائعات المفبركة للإساءة لمن هم أشرف وأنبل من كل سلالته، ويشارك في استئجار البلطجية لقتل المتظاهرين. هذا الكلام ليس من عندياتي، بل هو جزء من لافتة تحملها المذيعة ‘هالة فهمي’ وتتجول بها في ميدان التحرير وسط المتظاهرين، تؤكد اللافتة أن الفقي شريك للبلطجية، وهو الأمر الذي أيده، فيما بعد، عدد كبير من موظفي التليفزيون الذين أجبرهم الفقي على المشاركة في التظاهر تأييدا لحسني مبارك، لكنهم اضطروا إلى الفرار وعدم تكرار المحاولة عندما اكتشفوا أن من يتظاهر إلى جوارهم من البلطجية والقتلة.
فهل أخطأ المتظاهر الذين رفع لافتة تقول لمبارك: ‘أبوس رجل أمك إرحل’!!
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى