زين الشاميصفحات الشباب

لماذا نثور ؟

null
زين الشامي
تنشغل هذه الأيام كل المؤسسات الأمنية العربية في معرفة أسباب الثورات التي تندلع هنا وهناك ضد بعض الحكام العرب، هذه المؤسسات تريد أن تفهم ماذا يحصل؟ وتريد أن تقدم تقاريرها إلى الحاكم بأقصى سرعة حتى يستدرك ويتخذ الإجراءات المناسبة التي تؤخر أو ربما تمنع الثورة والاحتجاجات.
ولأن هذه المؤسسات الامنية متخلفة وتربت وتثقفت على كراهية وعداوة الناس والتشكيك بهم وبوطنيتهم، فهي ستكون عاجزة عن فهم ما يجري وبالتالي لن تقدم التقارير المفيدة للحاكم. هذه المقالة ستسعى لشرح وتعداد الأسباب الحقيقية التي تجعلنا كمواطنين نثور.
أولاً، نحن شبان ناضجون تلقينا تعليماً جامعياً دون أن نستطيع الحصول على مجرد فرصة عمل شريفة، وان حصل بعضنا، وهم قلة، فعن طريق الواسطة والرشاوى، فبسبب الحاكم والفساد والبطالة، صار حقنا في العمل يحتاج إلى واسطة وتقديم رشاوى.
أقرب الأمثلة زوجة أخي التي قدمت مبلغاً مالياً ضمن ظرف مغلق و«تنكة» زيت زيتون واسورة ذهبية لذلك الموظف في العاصمة من أجل ان يساعدها في الحصول على الوظيفة. كان على زوجة أخي أن تعمل عامين كاملين من أجل أن تسترد ما دفعته. يوم أتت الموافقة، زغردت واحتفلت زوجة أخي.
ثانياً، نحن شبان نستخدم الكومبيوتر وفنون الاتصالات والانترنت ببراعة، ولهذا السبب نعرف تماماً وعلى اطلاع بأحوال الشبان في الدول الأخرى، الذين تساعدهم حكوماتهم في التعليم والاستشفاء والحصول على القروض والمنح الدراسية وفرص العمل بمساواة وعدل دون تمييز أو واسطة أو رشوى.
ثالثاً، نحن شبان نتابع على المحطات الفضائية أحوال الشباب والمواطنين والعباد في الدول المحترمة، هناك يمكنهم انتقاد المسؤول والحاكم دون أن يسجنوا ويحاكموا بتهمة «وهن نفسية الأمة» أو «العمالة». هناك لا نرى عناصر مخابرات ترعب الناس، بل نرى رجال أمن يساعدون الناس وفي خدمتهم، لا بل رأيناهم على الفضائيات يهربون من المتظاهرين في شوارع اثينا في اليونان، فيما رجل الأمن عندنا لا يتورع عن إطلاق الرصاص الحي على صدورنا العارية وبطوننا الجائعة.
هناك يتظاهرون، ينتقدون، يشتمون، يصرخون، يكتبون، يضربون عن العمل والطعام، فيما نحن نخاف أن نتحدث أمام زوجاتنا وأطفالنا خوفاً من المخابرات.
هناك قضاء يحق الحق بين الناس، وليس قضاء في خدمة الحكومة والحاكم و«الحزب الحاكم»، وقريب وعائلة الحاكم، هناك القضاء مؤسسة محترمة، فيما هنا نقضي أعواماً وأعواماً في السجون بعد اتهامنا «بوهن نفسية الأمة» و«إضعاف الشعور القومي».
هناك يستطيعون انتقاد القيادة وتمضي الحياة طبيعية، فيما عندنا فمجرد انتقادك أو المطالبة بحقوقنا تكلفنا حياتنا ربما. هناك انتخابات وصناديق اقتراع، ولهذا السبب نرى الناس هو من تختار الحاكم والحكومة، فيما عندنا…، هناك لم نسمع أن حاكماً حصل على 99.99 في المئة من أصوات الناخبين، فيما أنت تحصل عليها بسهولة، وتريدنا ان نصدق.
هناك الشوارع نظيفة، والمدارس واسعة وفسيحة والصفوف تحتوي على بضع تلاميذ، أما عندنا فالشوارع مكبات قمامة، وصورك تنتشر على الجدران والمدارس التي تشبه السجون في بنائها وشكلها وتصميمها ولونها، المدارس التي تغص صفوفها بالمئات ويتكدس التلاميذ فيها مثل «المكدوس» والمخللات.
هناك يدفعون فواتير الكهرباء والماء والهاتف وغيرها على الانترنت فيما نحن نقف في صفوف طويلة، ونخسر يومنا كله من أجل أن ندفع للحكومة. هناك لا يفرضون أيا ضريبة من دون علم الناس أو ممثليهم في مجالس النواب، فيما حكوماتنا تسرق جيوبنا الفارغة أصلاً عند كل فاتورة او عملية بيع وشراء. هناك يمكنك الحصول على بيت وسيارة وعمل وزوجة بسهولة، فيما عندنا يفنى العمر ولا ندرك أي منهم.
هناك يمكن أن تجد خمسة أو ستة رؤساء سابقين أو رؤساء حكومات، وكلهم تحولوا إلى مواطنين عاديين بمجرد انتهاء مسؤولياتهم، أما نحن فلا نرى إلا سواك وربما نموت ولا نرى غيرك.
هناك لا نسمع بقريب او ابن عم الرئيس او ابن خالته او عمته، فيما هم عندنا لصوص فوق القانون دائماً، يسرقوننا ويسرقون اقتصادنا باسم الاستثمار، ويلعبون بالقوانين لا بل يعينون الوزراء ويشكلون الحكومات ويقيلون ويطردون… وأنت تعلم كل ذلك.
لم تصنع حرباً ولا سلماً، ولم تبن جامعات أو تشيد صروحاً.
هناك مليون سبب آخر للثورة… ولا يوجد ما يستدعي الخوف بعد أن خسرنا كل شيء.

كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى