رحيل عمر أميرالاي

أشياء كثيرة يمكن أن يتحدّث عنها

null
يزن الأشقر
رحل عمر أميرلاي الذي اشتغل في السينما التسجيلية وكانت همّه، سواء في سوريا أو في العالم العربي، على الرغم من المنع الذي تعرضت له معظم أفلامه. عمر أميرلاي الذي عاد من باريس وثورتها الطلابية بأحلام حاول تحقيقها في بلده، لقي الإحباط واليأس، لكنّه لم يتوقف، أخرج فيلماً تلو آخر. وأصبحت سينماه بحثاً توثيقياً في الحرية وإحباطات الواقع وخيباته، سواء في سوريا أو العالم العربي. حمل كاميراه بغية إجراء مقارنة بين السينما والواقع، وفي محاولة منه لإيجاد الخيط البصري الذي يربط بين استرجاع الصورة التوثيقية واسترجاع ذاكرة الواقع ونقده.
هل الهم الذي اشتغل عمر أميرلاي عليه سينمائياً يرتبط بالنوستالجيا كما عرّفها ميلان كونديرا؟ هل طغى التشاؤم واليأس على صورته السينمائية، أم كانت انعكاساً للواقع المخيّب أصلاً؟ لا أكثر حزناً من الراحل سعد الله ونوس في «وهنالك أشياء كثيرة كان يمكن أن يتحدّث عنها المرء» (1997) الذي استعاد به أميرلاي الهزيمة من خلال استخدام الصورة التاريخية والتجريب. علماً بأنّ الشريط اعتمد على حوارات مع المسرحي الراحل سعد الله ونوس حين كان يصارع المرض. في الفيلم التسجيلي «طبق السردين» (1997)، تتجول كاميرا عمر أميرلاي، وتتحرك ببطء متواضع نحو «سينما الأندلس»، المبنى الوحيد الذي نجا من الدمار الإسرائيلي، على بعد أمتار من الحدود مع الجولان المحتل. في الفيلم الذي يحمل عنوانه الفرعي «المرة الأولى التي سمعت فيها بإسرائيل»، يحاول السينمائي الراحل استرجاع الذاكرة عن القنيطرة التي دمرها الجيش الإسرائيلي إثر انسحابه منها بعد احتلال دام سبع سنوات. استرجاع الذاكرة يمارسه هنا أميرلاي بذاكرته الشخصية من خلال محاور عدة، أحدها من ذاكرة الطفولة المملوءة برائحة السردين المكروهة التي ارتبطت في ذاكرته بإسرائيل. والثاني من خلال استعادة مشاهد من شريط زميله المخرج محمد ملص «القنيطرة 74». يتساءل ملص الذي يظهر في الفيلم أيضاً «عما إذا كان فيلم القنيطرة عن الحرب أم عن سينمانا التي كانت معنية بأوجاعنا الداخلية».
يبدو السؤال هنا مدخلاً للفيلم في طرحه العلاقة بين الواقع والسينما. فلاش باك، ضوء البروجيكتور من خلال ثقب في الجدار، ضوء في الدمار، يعكس الطفل وأمه في منتصف المبنى المهدم، كشاهد على الذكريات الماضية في الحطام المعلق بين الماضي والحاضر. مشهد تواصل الأهالي عبر الحدود باستخدام مكبّر الصوت، يبدو غريباً على رغم واقعيته وحقيقيته. هل هناك صعوبة في التواصل بين الواقع والذاكرة والتوثيق الفيلمي؟
برتولد بريخت كان قد ذكر مرةً أن الواقع يتغير، ومن أجل تصويره علينا تغيير طرق التمثيل المبتدعة. وهو كذلك في سينما عمر أميرلاي بدلالة أنّ فيلميه الأول «محاولة عن سد الفرات» (1970) والأخير «طوفان في بلاد البعث» (2003)، نقدا صورة الماضي المتغيرة. لا عدالة، بل كل شيء هو هدم وبناء، كما كتب مرةً باروجا. هنالك أشياء كثيرة كان لا يزال من الممكن أن يتحدث بها عمر أميرلاي.

يزن الأشقر
رحل عمر أميرلاي الذي اشتغل في السينما التسجيلية وكانت همّه، سواء في سوريا أو في العالم العربي، على الرغم من المنع الذي تعرضت له معظم أفلامه. عمر أميرلاي الذي عاد من باريس وثورتها الطلابية بأحلام حاول تحقيقها في بلده، لقي الإحباط واليأس، لكنّه لم يتوقف، أخرج فيلماً تلو آخر. وأصبحت سينماه بحثاً توثيقياً في الحرية وإحباطات الواقع وخيباته، سواء في سوريا أو العالم العربي. حمل كاميراه بغية إجراء مقارنة بين السينما والواقع، وفي محاولة منه لإيجاد الخيط البصري الذي يربط بين استرجاع الصورة التوثيقية واسترجاع ذاكرة الواقع ونقده.
هل الهم الذي اشتغل عمر أميرلاي عليه سينمائياً يرتبط بالنوستالجيا كما عرّفها ميلان كونديرا؟ هل طغى التشاؤم واليأس على صورته السينمائية، أم كانت انعكاساً للواقع المخيّب أصلاً؟ لا أكثر حزناً من الراحل سعد الله ونوس في «وهنالك أشياء كثيرة كان يمكن أن يتحدّث عنها المرء» (1997) الذي استعاد به أميرلاي الهزيمة من خلال استخدام الصورة التاريخية والتجريب. علماً بأنّ الشريط اعتمد على حوارات مع المسرحي الراحل سعد الله ونوس حين كان يصارع المرض. في الفيلم التسجيلي «طبق السردين» (1997)، تتجول كاميرا عمر أميرلاي، وتتحرك ببطء متواضع نحو «سينما الأندلس»، المبنى الوحيد الذي نجا من الدمار الإسرائيلي، على بعد أمتار من الحدود مع الجولان المحتل. في الفيلم الذي يحمل عنوانه الفرعي «المرة الأولى التي سمعت فيها بإسرائيل»، يحاول السينمائي الراحل استرجاع الذاكرة عن القنيطرة التي دمرها الجيش الإسرائيلي إثر انسحابه منها بعد احتلال دام سبع سنوات. استرجاع الذاكرة يمارسه هنا أميرلاي بذاكرته الشخصية من خلال محاور عدة، أحدها من ذاكرة الطفولة المملوءة برائحة السردين المكروهة التي ارتبطت في ذاكرته بإسرائيل. والثاني من خلال استعادة مشاهد من شريط زميله المخرج محمد ملص «القنيطرة 74». يتساءل ملص الذي يظهر في الفيلم أيضاً «عما إذا كان فيلم القنيطرة عن الحرب أم عن سينمانا التي كانت معنية بأوجاعنا الداخلية».
يبدو السؤال هنا مدخلاً للفيلم في طرحه العلاقة بين الواقع والسينما. فلاش باك، ضوء البروجيكتور من خلال ثقب في الجدار، ضوء في الدمار، يعكس الطفل وأمه في منتصف المبنى المهدم، كشاهد على الذكريات الماضية في الحطام المعلق بين الماضي والحاضر. مشهد تواصل الأهالي عبر الحدود باستخدام مكبّر الصوت، يبدو غريباً على رغم واقعيته وحقيقيته. هل هناك صعوبة في التواصل بين الواقع والذاكرة والتوثيق الفيلمي؟
برتولد بريخت كان قد ذكر مرةً أن الواقع يتغير، ومن أجل تصويره علينا تغيير طرق التمثيل المبتدعة. وهو كذلك في سينما عمر أميرلاي بدلالة أنّ فيلميه الأول «محاولة عن سد الفرات» (1970) والأخير «طوفان في بلاد البعث» (2003)، نقدا صورة الماضي المتغيرة. لا عدالة، بل كل شيء هو هدم وبناء، كما كتب مرةً باروجا. هنالك أشياء كثيرة كان لا يزال من الممكن أن يتحدث بها عمر أميرلاي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى