رحيل عمر أميرالاي

مخرج ‘طوفان في بلاد البعث’ يرحل في يوم ثورة

null
رياض معسعس

رحل في يوم ثورة أرض الكنانة، وقبيل ثورة أخرى تمتد كالنار في هشيم الأنظمة العربية من شرقها إلى غربها، وهو الذي كان يحتضن ثورة في أعماقه. في يوم كان ينتظره وعمل له من زمن. رحل عمر أميرالاي الفنان، عمر الكلمة المصورة بكاميرا الرفض لكل ما هو سائد من مفاسد. عمر الصديق ورفيق نضال المهجرين الذين أسسوا المنتدى الاجتماعي السوري والذي ترأسه في إحدى فتراته. المنتدى الذي كان صوت الاحتجاج، شرارة الـ ‘لا’ العالية للدكتاتورية، للقمع، للفساد.

الكاميرا في قبضته كانت امتدادا لمشاعره المتفجرة. عين عدسته تكلمت في فيلم ‘الحياة اليومية في قرية سورية’، ( 1976)، عن الأوضاع التي يعيشها الفلاح السوري، في مرحلة مبكرة جدا من الرفض، رفض الواقع المزري المعاش لمن يجثو على ركبتيه ليشق الأرض بأظافره ليأكل، ومن يسطو على ثروة البلاد والعباد ويكدسها بالمليارات في مصارف الغرب. جمرة أولى مبكرة في الحريق الذي سيأكل الأخضر قبل اليابس.
عبر فيلمه ‘طوفان في بلاد البعث’، ( 2003)، وضع عمر إصبعه على الجرح الغائر في جسد الوطن، ما أغضب سلاطين بلاد البعث الذين منعوا عرضه، نظام بلاد البعث الذي يخشى صورة صادقة، تنقلها عين ناقدة وأمينة لواقع مفروض مرفوض، وتتنبأ بالطوفان. هذا الطوفان الآتي ولن تنفع معه بعدها أية سفينة نوحية للإنقاذ. عمر كان متيقنا من رؤيته المستقبلية. كان يستشعر الحدث الآتي، من واقع الأمس واليوم. واقع لا تخطئه العدسة البصيرة لكاميرته.
عمر الرافض، عمر المتمرد، عمر الناقد، عمر الغيور على وطن يحتضن مواطنيه بكل طوائفهم، واتنياتهم وانتماءاتهم، ( عمر شركسي الأصل)، فلا طائفة تعلو على أخرى، ولا حق لجانب دون آخر في سلطة، أو في ثروة. وإلا فإن الطوفان بالانتظار. هذا الطوفان الذي كان يراه عمر آتياً لا محالة، النار التي اشتعلت في جسد مفجر الثورة التونسية التي بدأت تنتشر تحت أعيننا كان هو يراها عبر العدسة فعبر عنها بالطوفان، طوفان من حمم لبركان عربي ثائر.
لمن لا يعرف عمر أميرالاي، فهو أمير دمشقي، شاهد النور في العام 1944 ، بقامة طويلة، وابتسامة وديعة لا تفارق شفتيه. ولحية فنان تلف وجها بشوشا، هادئا، منصتا للآخرين. قام بإخراج مجموعة من الأفلام الوثائقية، وعمل معاقدة مع قنوات فرنسية على إخراج بعض الأفلام الوثائقية.
اليوم رحل عمر مبكرا بسكتة دماغية، لرأس أعياه التفكير في هموم الوطن. رحل قبل أن يرى حلمه يتحقق في الطوفان الذي كان يتمنى أن يراه، في المكان الذي كان يقصده. ولكن نم هنيئا يا عمر، فالحلم لم يعد حلما فالطوفان آت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى