ثورة مصر

«أجندات أجنبية»

حسام عيتاني
من النكات الرائجة في مصر اليوم أن الشبان يتوجهون إلى منطقتي سور الأزبكية والفجالة اللتين تكثر فيهما المكتبات لشراء «الأجندات الأجنبية» التي لا تكفّ وسائل الإعلام والمسؤولون الحكوميون عن الحديث عنها.
تضم الأجندات المذكورة أوراقاً عدة، بحسب المحذرين منها. فالقوى الأجنبية تريد تفتيت المنطقة العربية إلى مكونات طائفية يسهل ضربها بعضها ببعض. وتريد أيضاً، في ورقة ثانية، فرض سياسات لا تتفق ومصالح الشعوب العربية. لتفسير هذه الظاهرة، يُقال أن الانتفاضتين التونسية والمصرية هما المرحلة الثانية لما شهده العراق من غزو أجنبي. وأن اليمن حالة وسط جرّب فيها «الأجنديون» (أصحاب الأجندات) إسقاط الحكم بالقوة من طريق «الحوثيين» في الشمال و «القاعدة» والانفصاليين في الجنوب، قبل أن ينتقلوا الى أسلوب التظاهرات بفضل انتصار حكم الرئيس علي عبد الله صالح، في الحرب على الحوثيين.
المخطط سيستمر، يقولون، وسينتقل الى دول عربية أخرى تشكل بمجموعها النظام العربي الذي يُثبِّت أسس الاستقرار والاعتدال في المنطقة. أما الهدف الأخير للأجندات فلم يجر الاتفاق عليه بعد. فمن جهة، تنتشر مقولة انه ضمان تمدد المشروع الامبراطوري الفارسي وإسقاط المنطقة في يد التشيّع وحكم «ولاية الفقيه». من جهة ثانية، ثمة من يؤكد أن هدف تحريك الشارع العربي هو تعزيز الإطباق على مقدرات المنطقة وفرض حل سلمي للصراع العربي- الإسرائيلي مؤاتٍ لحكومة بنيامين نتانياهو.
من غرائب «الأجندات» هذه أنها تتعرض للسخرية طالما أن مضمونها ظل محصوراً في الدول العربية المعتدلة. فالأحداث، من وجهة النظر هذه، وليدة استبداد تمارسه أنظمة موالية للغرب فرّطت بمقدرات بلدانها على مذبح التحالف مع إسرائيل وأميركا.
لكن ما أن تظهر أفكار عن وقوع أحداث مشابهة في سورية وعن تناقض الموقف الإيراني المؤيد رسمياً للتظاهرات العربية والمانع عملياً لأي تظاهرة تضامن مع شباب مصر وتونس، من دون التذكير بالقمع الدموي بعيد انتخابات الرئاسة الإيرانية في حزيران (يونيو) 2009، تنفتح أشداق المتشدقين عن استهداف الصهيونية لسورية في صمودها ضد المؤامرات. الأمر ذاته يتكرر عند التطرق إلى إيران. فلا «داخل» في هاتين الدولتين، بل صمود وتصدّ ضد «خارج» هو اللئيم المتآمر. والإشارات الصادرة قبل أيام الى محاولات تخفيف الضغط الأمني على المجتمع، تصب في سياسة بدأت منذ أعوام باشرتها سلطة تحيط بحاجات شعبها إحاطة الخاتم بالأصبع، على ما يُفتي العارفون.
وليس قليل الأهمية ذلك الإهمال الذي يتعرض له النموذج التونسي أثناء الحديث عن الأجندات الأجنبية. فالأسباب الخارجية للهبّة التونسية تكاد تكون غائبة تماماً. علّة ذلك أن حصر الدوافع بالآليات الداخلية للاستبداد يناقض ضرورات نظرية المؤامرة الخارجية الكونية.
عليه، إذا حاول أحدهم إحصاء مؤلفي الأجندات الأجنبية، لوجد أن الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران ودولاً عربية عدة مزودة بقنوات فضائية شديدة الانفجار، تقف معاً وجميعاً ضد النظام العربي الرسمي.
وفي عالم اليوم، حريّ ألا يقع المواطن العربي في حفر السذاجة وتجاهل الحقائق الملموسة للسياسات الدولية، حيث تحل المصالح والقوة قبل غيرها في رسم مشهد عام يحكمه المستذئبون. لكن في المقابل، من الأجدى النظر إلى الأوضاع الداخلية العربية والسعي الى علاجها قبل تدبيج أجندات أجنبية لا توجد، قطعاً، عند سور الأزبكية.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى